الوقت - كشفت صحيفة “الكونفيدينثيال” الإسبانية عن تقرير عسكري إسباني يُظهر المخاوف الإسبانية القديمة-الجديدة، من هجوم مغربي مُحتمل على سبتة ومليلية لاستردادهما، وهو التقرير الذي أنجزه الكولونيل الإسباني بلاسكو ألونسو في سنة 1986، وقالت الصحيفة الإسبانية المذكورة إن خلاصاته تنطبق حتى على هذا اليوم، بل أكثر، حسب ما نقلت “الصحيفة” المغربية.
وحسب “الكونفيدينثيال” فإن الدوافع التي وقفت وراء إقدام هذا الكولونيل الإسباني على إنجاز هذا التقرير، هو عدم إدراج سبتة ومليلية في حلف الناتو سنة 1986، ما أبقى المخاوف من أن أي هجوم مغربي على المدينتين، فإن إسبانيا لن تحصل على الدعم من حلفاء الحلف الأطلسي، وهي بمفردها ليست قادرة على الصمود للدفاع عن المدينتين.
ووفق تفاصيل التقرير، فإن الكولونيل الإسباني خلص أن أي هجوم مغربي على سبتة ومليلية سيؤدي إلى سقوط المدينتين في ظرف لا يتعدى 3 ساعات، خاصة أن القوات المغربية ستكون قادرة على تدمير الرادارات الثلاثة المهمة للمدينتين، والقوات الإسبانية لن تصمد كثيرا أمام التفوق المغربي في عدد المشاة والمدفعية.
وقالت الكونفيدينثيال، إنه بعد فترة قصيرة من هذا التقرير، أكد الجنرال الإسباني إدواردو ألاركون أغويري، الذي رسم خطة استراتيجية للدفاع عن سبتة، أنه في حال هجوم المغرب على سبتة ومليلية، فإن ضمانات نجاح إسبانيا في الدفاع عنهما ضعيفة، وبالتالي حث على الحلول السياسية وليس العسكرية.
كما طالب المسؤولان العسكريان الإسبانيان المذكوران، بضرورة أن تعمل إسبانيا على إدراج سبتة ومليلية في حلف الناتو، لتكون إسبانيا قادرة على الدفاع عنهما، وإلا فإنهما ستفقدهما في ظرف وجيز أمام الهجوم المغربي.
وأشارت “الكونفيدينثيال” في هذا الصدد، أنه منذ هذا المطلب الذي تقدم به كل من الكولونيل بلاسكو ألونسو، والجنرال إدواردو ألاركون أغويري، لم يقم أي مسؤول آخر بإثارة موضوع إدراج سبتة ومليلية في حلف الناتو، حتى عاد حزب فوكس بعد أزمة الصيف الماضي بين المغرب وإسبانيا لإثارة هذا الموضوع من جديد.
وقالت الصحيفة الإسبانية المذكورة في استنتاجها، إن خلاصات التقرير العسكري الإسباني المُنجز في سنة 1986، ينطبق حتى على الوقت الراهن، فإن أي هجوم مغربي على سبتة ومليلية سيكون كابوسا على القوات المسلحة الإسبانية حسب تعبيرها.
وفي السياق، قال المحلل السياسي حسن بلوان إن " التقارير الإسبانية التي تحذر من التحولات العميقة التي راكمتها الدبلوماسية المغربية في مجموعة من المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، تكمن أهميتها في كونها صادرة عن دوائر القرار الإسباني أو مراكز البحث والدراسات القريبة من الحكومة الإسبانية".
واعتبر بلوان أنه "من الصعب الحديث الآن عن مطالب مغربية لاسترجاع مدينتي سبتة ومليلية وباقي الجزر المغربية"، مؤكدا أن المغرب "لم يتنازل عنهما أبدا (يقصد سبتة ومليلية) وتبقى المطالبة بهما مسألة وقت فقط" وبأنه "رفض أي تفاوض أو مقايضة بين المدينتين المحتلتين وقضية الصحراء التي تحاول إسبانيا فرضها عليه".
وحسب المتحدث ذاته فإن "من بين المؤشرات أيضا عدم استثناء سبتة ومليلية من الخطاب الرسمي المغربي في قضايا استكمال الوحدة الترابية رغم تبوؤ قضية الصحراء مركز الأولوية في الدبلوماسية المغربية"، مشيرا إلى "رفض المغرب سياسة الأمر الواقع الذي تحاول إسبانيا فرضه فيما يتعلق بالحدود البحرية في المتوسط، وخاصة بعد ما أثير مؤخرا بشأن أحواض ومزارع تربية الأسماك قرب مليلية".
من جانبه، قال المحلل السياسي محمد شقير، إن "استراتيجية المنطقة الرمادية أو الوسائل التي يستعملها المغرب في التعامل مع إسبانيا ليست بالجديدة" مضيفا إنه "منذ عهد الملك الحسن الثاني كان هناك تشبث بحق استرجاع سبتة ومليلية بوسائل مختلفة وليس بالحرب المباشرة".
وعدّ شقير، بعض هذه الوسائل موضحا أنها تتمثل في "خنق معبر سبتة ومليلية والذي تسبب في تكبيد إسبانيا خسائر اقتصادية باهظة، إضافة إلى ورقة الهجرة التي استعملها المغرب بذكاء" وفق تعبيره، مشيرا إلى أن "ما يروج حاليا حول إمكانية بناء قاعدة عسكرية أو بحرية في الناظور يدخل أيضا ضمن هذه الاستراتيجية".
بدوره أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، قال إنه "من الناحية المبدئية إذا كان المغرب يسعى إلى استرداد سبتة ومليلية فهو أمر طبيعي"، معتبرا أن "سعيه إلى استردادهما بوسائل غير عسكرية ولا تعتمد على القوة هو أسلوب حضاري ينم عن ترسخ في الرؤية الاستراتيجية".
وتابع شيات مبرزا أن "المغرب لديه نزاعات حدودية متعددة لا يمكن فتح ملفاتها مرة واحدة"، مشيرا إلى "أنه قد تكون من بين استراتيجياته تغيير الموقف الإسباني من قضية الصحراء، وإن كانت إسبانيا تعتقد أن استعادته للصحراء ستجعله يفكر في استرجاع سبتة ومليلية".
وحسب المتحدث ذاته فإن "الوجود الحقيقي لسبتة ومليلية يرتبط بالمغرب أكثر من إسبانيا رغم محاولات مدريد أن تجعلها قضية أوروبية بدعم من الاتحاد الأوروبي"، معتبرا بأن "الإنعاش الذي تحاول إسبانيا أن تقوم به للمدينتين هو إنعاش ظرفي لن يخفي حقيقة وجودهما في محيطهما الجغرافي الممتد على مستوى المغرب".
ولا يعترف المغرب بسيادة إسبانيا على سبتة ومليلية، لكنه لم يضع الملف على طاولة اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، إلا أن الموقف الإسباني الأخير من الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، حرك المياه الراكدة، وأعاد الدعوة إلى إنهاء احتلال المدينتين.
وتقع مدينة سبتة البالغ مساحتها حوالي 28 كيلومترا مربعا في أقصى شمالي المغرب على البحر الأبيض المتوسط وقد تعاقب على احتلالها البرتغاليون عام 1415 يليهم الإسبان عام 1580. أما مليلية الواقعة في الشمال الشرقي للمغرب والبالغ مساحتها 12 كيلومترا مربعا، فتديرها إسبانيا منذ عام 1497.
وقد أصبحت المنطقة منذ عام 1992 تتمتع بصيغة للحكم الذاتي داخل إسبانيا بقرار البرلمان الإسباني عام 1995. وهي صيغة لا تتضمن إقامة برلمان مستقل، بل جمعية ثم مجلسا للحكومة ورئيسا، ويحمل النواب الـ25 في الجمعية صفة مستشارين.