الوقت- منذ تأسيس كيان العدو الاسرائيلي، مارست الحكومة الصهيونية تمييزا منهجيا ضدّ الفلسطينيين وانتهكت حقوقهم داخل حدود الدولة ما قبل 1967، ومنعتهم من الوصول إلى أراضيهم، وعمدت على تفرقتهم وتفرقة عائلاتهم ومنعت قسم كبير منهم من العودة إلى الاراضي المحتلة، وفرضت قيودا شاملة على الإقامة القانونية، ما منع الكثير من الأزواج الفلسطينيين وعائلاتهم من العيش معا في الأراضي المحتلة.
تقرير جديد لمجلة الإيكونوميست تحدث عن تمييز وقح تقوم به اسرائيل من خلال ترسيخ الجريمة في أوساط فلسطينيي الداخل، من خلال التمييز بين الفلسطينيين والاسرائيليين، خاصة عندما يكون اليهود طرفا في الجريمة.
وتقول المجلة إن ما لا يقل عن 109 من فلسطينيي الداخل قُتلوا هذا العام، بما يشير إلى تصاعد العنف خلال الفترة الأخيرة، بما في ذلك عملية إطلاق نار على منزل قائد الشرطة الجديد في كفر كنا بالجليل.
وتتابع المجلة أن الاهتمام غالبا ما يتركز على الاشتباكات في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن يجري التغاضي عن الحديث حول نسب الجريمة المتزايدة التي يواجهها فلسطينيو الداخل. ففي عام 2020 لوحده، قُتل 96 منهم في حوادث إجرامية. وقد تم تجاوز هذا الرقم بالفعل عام 2021، مع 98 حالة وفاة خلال الأشهر التسعة الأولى فقط.
ويعتقد أن حوالي ثلاثة أرباع ضحايا القتل في إسرائيل تقع في مناطق عربية.
وشنت الشرطة الإسرائيلية في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري حملة أمنية، تم خلالها اعتقال 65 من فلسطينيي الداخل، إضافة إلى مصادرة عشرات الأسلحة. وصفت الشرطة ذلك بأنه أكبر عملية من نوعها.
وتمكن المحققون هذا العام من حل 22% من الجرائم التي وقع ضحيتها عرب فلسطينيون، لكن النسبة ترتفع إلى 71% في قضايا القتل التي كان الضحية فيها من اليهود.
وتعتبر المجلة أن إحدى المشاكل الرئيسية هي الافتقار إلى الشرطة في المناطق العربية. وعلى الرغم من وعود حكومية سابقة بتخصيص المزيد من الموارد لذلك، فإن 13% فقط من ضباط الشرطة هم من العرب، كما أن ثلث مراكز الشرطة المخطط لها في البلدات العربية لم يتم بناؤها.
وأتاحت الشرطة الإسرائيلية للمجرمين في المناطق العربية العمل بحرية والسيطرة على الوضع، بحسب المجلة.
ويعتبر بعض السكان العرب أنفسهم فلسطينيين (رغم امتلاكهم وثائق إسرائيلية) ويشعرون بأن التعاون مع الشرطة الإسرائيلية هو خيانة لهذه الهوية.
وتخطط الحكومة لتجنيد جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشين بيت، للاستفادة من التجسس الإلكتروني ومهارات جمع المعلومات الاستخبارية، وهو الأمر الذي لن يعجب الكثيرين.
من ناحية ثانية، يرى الكثير من فلسطينيي الداخل أن الجهاز عبارة عن أداة “للقمع السياسي”، ويخشون من أن يرى ضباطه العرب طابورا خامسا محتملا.
العنصرية المستمرة ضد الفلسطينيين
في إسرائيل، والتي تعتبرها الغالبية العظمى من الدول أنها تشمل المنطقة المحددة بحدود ما قبل 1967، أدى نظام المواطنة المزدوج والتفريق بين الجنسية والمواطنة إلى وضع الفلسطينيين في مكانة أدنى من اليهود الإسرائيليين بحكم القانون. على خلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يحق للفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل التصويت والمشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، إلا أن هذه الحقوق لا تمكنّهم من التغلّب على التمييز المؤسسي الذي تمارسه بحقهم الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك القيود الواسعة على الوصول إلى الأراضي التي صودِرت منهم، وهدم المنازل، والحظر الفعلي على لمّ شمل العائلات.
تجزئة السكان الفلسطينيين، الذي يُنفذ في جزء منه بشكل متعمد من خلال القيود المفروضة على الحركة والإقامة، يعزّز تنفيذ هدف الهيمنة ويساعد في إخفاء الحقيقة المتمثلة في أن نفس الحكومة الإسرائيلية تقمع نفس المجموعة السكانية الفلسطينية، بدرجات مختلفة في مناطق مختلفة، لصالح نفس المجموعة المهيمنة، المكونة من اليهود الإسرائيليين.
الهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية هو ضمان الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين في كل مناطق إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. في 2018، أقرّ "الكنيست" قانونا ذا مكانة دستورية أكّد أن إسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي"، وأعلن أن حق تقرير المصير داخل تلك المنطقة "خاص بالشعب اليهودي"، واعتبر "الاستيطان اليهودي" قيمة وطنية. للحفاظ على سيطرة اليهود الإسرائيليين، اعتمدت السلطات الإسرائيلية سياسات تهدف إلى تخفيف ما وصفته علنا بـ "التهديد" الديمغرافي الذي يشكله الفلسطينيون. شملت هذه السياسات الحد من السكان الفلسطينيين ومن سلطتهم السياسية؛ ومنح حق التصويت فقط للفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل كما كانت من 1948 إلى يونيو/حزيران 1967؛ والحد من قدرة الفلسطينيين على التنقل من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى إسرائيل، ومن أي مكان آخر في العالم إلى إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما تم اتخاذ خطوات أخرى لضمان الهيمنة اليهودية، ومنها اعتماد الدولة لسياسة "فصل" الفلسطينيين بين الضفة الغربية وغزة، التي حالت دون تنقل الأشخاص والبضائع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، و"تهويد" المناطق التي يسكنها عدد كبير من الفلسطينيين، بما في ذلك القدس وكذلك الجليل والنقب في إسرائيل. هذه السياسة، التي تهدف إلى تعزيز هيمنة الإسرائيليين اليهود على الأرض، جعلت غالبية الفلسطينيين الذين يعيشون خارج المدن الإسرائيلية الرئيسية ذات الأغلبية اليهودية متمركزين في جيوب محاصرة ذات كثافة عالية وخدمات رديئة. كما أنها قيّدت حصولهم على الأرض والمسكن، بينما رعت نموّ التجمعات اليهودية القريبة.
عملا بهذه السياسات، ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجموعة من الأفعال اللاإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنها فرض قيود شاملة على حركة 4.7 مليون فلسطيني هناك؛ ومصادرة الكثير من أراضيهم؛ وفرض ظروف قاسية، مثل الرفض القاطع لتصاريح البناء في أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، ما جعل آلاف الفلسطينيين يغادرون منازلهم في أوضاع ترقى إلى النقل القسري؛ وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حقوق الإقامة بسبب تواجدهم في الخارج عند بداية الاحتلال سنة 1967 أو غيابهم لفترات مطولة في العقدين الأولين من الاحتلال أو نتيجة للتجميد الفعلي للمّ شمل العائلات في العقدين الأخيرين؛ وتعليق الحقوق المدنية الأساسية، مثل حرية التجمع وتكوين الجمعيات، ما حرم الفلسطينيين من فرصة أن يكون لهم صوت في مجموعة واسعة من المسائل التي تؤثر على حياتهم اليومية ومستقبلهم. العديد من هذه الانتهاكات، ومنها الرفض القاطع لتصاريح البناء، والإلغاء الجماعي للإقامة أو تقييدها، ومصادرة الأراضي على نطاق واسع، ليس لها مبررات أمنية مشروعة. أما الانتهاكات الأخرى، مثل القيود المفروضة على التنقل والحقوق المدنية، فلا تحقق أي توازن معقول بين المخاوف الأمنية ومدى خطورة انتهاكات الحقوق الأساسية.
داخل إسرائيل، يؤكد "إعلان استقلال إسرائيل" على "المساواة التامة" بين جميع السكان، لكن نظام المواطنة القائم على مسارين ينتهك هذا التعهد، وينظر فعليا إلى اليهود والفلسطينيين على أنهم منفصلون لكن غير متساوين. يحتوي "قانون المواطنة الإسرائيلي" لسنة 1952 مسارا منفصلا مخصصا لليهودي بشكل حصري، ويمنحهم الجنسية بشكل تلقائي، وهو منبثق عن "قانون العودة" لعام 1950. يضمن ذلك القانون لليهود الذين يحملون جنسيات أخرى حق الاستقرار في إسرائيل. في المقابل، فإن المسار الخاص بالفلسطينيين يربط الحصول على المواطنة بإثبات الإقامة قبل 1948 في المنطقة التي أصبحت فيما بعد ضمن إسرائيل، ووجود اسم الشخص في سجل السكان حتى العام 1952، وحضوره الدائم في إسرائيل أو دخولها بشكل قانوني في الفترة بين 1948 و1952. استخدمت السلطات هذه الصيغة لحرمان أكثر من 700 ألف فلسطيني ممن فرّوا أو طردوا سنة 1948 وأحفادهم من الإقامة، واليوم صار عدد هؤلاء يتجاوز 5.7 مليون نسمة. هذا القانون خلق واقعا يستطيع فيه اليهودي الحامل لأي جنسية أخرى، والذي لم يدخل إسرائيل يوما، من الانتقال إليها والحصول على جنسيتها، بينما يُمنع من ذلك الفلسطيني الذي طرد من منزله وبقي أكثر من 70 عاما في مخيم للاجئين في بلد مجاور.
قانون المواطنة لسنة 1952 يسمح أيضا بمنح الجنسية على أساس التجنّس. لكن في 2003 أقرّ الكنيست "قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر الساعة)" الذي منع منح الجنسية الإسرائيلية والمكانة القانونية طويل الأمد لفلسطينيي الضفة الغربية وغزة المتزوجين من مواطنين إسرائيليين أو مقيمين في إسرائيل. مع استثناءات قليلة، هذا القانون، الذي يُجدَّد كل عام منذئذ وأيدته المحكمة العليا الإسرائيلية، يحرم المواطنين اليهود والمواطنين الفلسطينيين والمقيمين في إسرائيل الذين يختارون الزواج من فلسطينيين من الحق في العيش مع شريكهم في إسرائيل. الملفت أن هذا القيد المستند فقط إلى هوية الزوج/الزوجة كفلسطيني/ة من الضفة الغربية أو غزة لا ينطبق عندما يتزوج الإسرائيليون من غير اليهود من معظم الجنسيات الأجنبية الأخرى. يمكنهم الحصول على وضع فوري وتقديم طلب للحصول على الجنسية بعد عدة سنوات.
تعليقا على تجديد القانون في 2005، قال رئيس الوزراء آنذاك آرييل شارون: "لا داعي للاختباء وراء الحجج الأمنية. هناك حاجة لوجود دولة يهودية". قال بنيامين نتنياهو، الذي كان حينها وزير المالية، خلال مناقشات في ذلك الوقت: "بدلا من تسهيل الأمر على الفلسطينيين الراغبين في الحصول على المواطنة، يجب أن نجعل العملية أكثر صعوبة حتى نضمن أمن إسرائيل والأغلبية اليهودية فيها". في مارس/آذار 2019، هذه المرة بصفته رئيسا للوزراء، أعلن نتنياهو: "إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها"، بل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي... للشعب اليهودي وحده".
لطالما تغاضى المجتمع الدولي أو وجد تبريرات للحقيقة التي باتت واضحة أكثر فأكثر على أرض الواقع. كل يوم يولد أشخاص في غزة في سجن بسقف مفتوح، وفي الضفة الغربية بلا حقوق مدنية، وفي إسرائيل بمكانة أدنى بموجب القانون، وفي بلدان الجوار بوضع لاجئ مدى الحياة، مثل أهاليهم وأجدادهم من قبل، فقط لأنهم فلسطينيون وليسوا يهودا. الوصول إلى مستقبل متجذر في الحرية والمساواة والكرامة لجميع الناس الذين يعيشون في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة سيبقى أمرا بعيد المنال في ظل استمرار ممارسات إسرائيل المسيئة ضدّ الفلسطينيين.