الوقت - بدء جولة جديدة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق في المحافظات الجنوبية في اليمن في الأيام الأخيرة، ضد سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ونقص الخدمات الاجتماعية والرفاهية، وكذلك وجود المحتلين الأجانب الذين سيطروا على شؤون هذه المناطق لأغراض استعمارية، أصبح معضلةً خطيرةً للتحالف العربي الغربي الذي تقوده السعودية.
الاحتجاجات اتسعت في أعقاب الانتفاضة الشعبية والاضطرابات بعد اشتباكات بين القوات شبه العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي والمتظاهرين، ما أدى إلى مقتل متظاهر شاب، وقد دفع ذلك عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، إلى إعلان حالة الطوارئ في المحافظات الجنوبية لليمن.
وبعد إعلان حالة الطوارئ وتشديد الإجراءات الأمنية للتعامل مع المحتجين، أصدرت الحركة الاحتجاجية بياناً شددت فيه على السعي لتحقيق أهداف الانتفاضة الثورية، حتى الوصول إلی هدفها الأساسي المتمثل في طرد التحالف السعودي الإماراتي من المناطق الجنوبية.
وبإعلان أن الشعب هو مصدر الشرعية، وأنه لا يحق لأي حزب سياسي، سواء كانت حکومة هادي أم الحکومة الانتقالية، أن يفرض نفسه كحاكم ووصي على الشعب، رأت الحركة الاحتجاجية أن التحالف السعودي الإماراتي هو المسؤول عن الوضع الراهن ومهاجمة الاحتجاجات السلمية.
كما دعت الحركة إلى عصيان مدني واسع النطاق، وطلبت من قوات ما تسميه "المقاومة الجنوبية وأفراد الجيش والأمن"، الانضمام إلى صفوف الانتفاضة الشعبية.
خشية التحالف من الانتفاضة الشعبية في الجنوب
مع تزايد الاحتجاجات على سوء الأحوال المعيشية وحتى الأمنية في المحافظات الجنوبية، فإن الدول المعتدية وداعميها الغربيين، القلقين من استمرار الوضع واحتمال انتشار الاحتجاجات، اعتبروا أن المتظاهرين يتبعون صنعاء، وتحدثوا عن دور الشماليين لإطلاق انتفاضة عامة في الجنوب.
وفي هذا الصدد، أعلنت قناة الحدث التابعة لحكومة منصور هادي المستقيلة، عن اعتقال خلايا تابعة لأنصار الله في عدن. كما سبق أن استخدمت هذه الحيلة في مأرب.
کذلك، فإن البيان الرباعي للسعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا بشأن الاحتجاجات في الجنوب، يُظهر بوضوح خوفهم من هذه الاحتجاجات، بحيث أنهم يخشون أن تؤدي بهم إلى فقدان السيطرة على الجنوب وبالتالي فقدان أدواتهم(الحكومة الانتقالية والمنفية)، لمواصلة تدخلاتهم غير المشروعة في اليمن.
الخطوة التالية للتحالف، بالتزامن مع الحملة الدعائية الإعلامية، هي محاولة واسعة النطاق لاعتقال قادة الاحتجاجات في عدن وشبوة وحضرموت. وقد تمت جميع الحملات الأمنية على المتظاهرين في الأيام الماضية بذريعة "خلايا تعمل لصالح صنعاء".
كما يتضح أن التحالف سيعمل في الأيام المقبلة على ضخ الهدوء في شوارع عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وفي هذا الصدد قد يكون من الممكن لبعض المسؤولين المنفيين العودة إلى عدن، حيث وصل محافظا عدن وأبين إلى مطار عدن قادمين من القاهرة يوم الخميس.
وتحت ضغط الإمارات، قد يسمح المجلس الانتقالي لمزيد من المسؤولين بالعودة إلى عدن لتقليص الفجوة في ما يسمى بالحكومة الانتقالية في عدن، وجعل الناس متفائلين بشأن الظروف الاقتصادية والأمنية المستقبلية. لكن هذه الخطوة أيضًا لا تقدم أي آفاق واضحة بشأن إحياء اتفاق الرياض.
وبينما يريد حزب الإصلاح العودة إلى عدن حتى يتمكن مسؤولوه من لعب دور فعال في السلطة، إلا أن المجلس الانتقالي لن يكون بأي حال من الأحوال مستعدًا لتنفيذ البنود الأمنية-العسكرية لاتفاق الرياض، والتي تقضي بانسحاب قوات هذا المجلس من عدن وتسليم المدينة لقوات هادي. ولذلك، لن تكون عودة حكومة هادي أكثر من عودة لواء لحماية رئاسة الجمهورية، وهو ما يعني استمرار الأزمة بين الجانبين.
توقع انتشار الاحتجاجات في ظل استمرار الأزمة
حتى على افتراض الاتفاق بين التحالف السعودي الإماراتي لدعم عودة حكومة منصور هادي المستقيلة إلى عدن، يؤكد المراقبون الاقتصاديون أن هذه المزاعم أيضًا لن تقلل الاحتجاجات، لأن الحد من السخط الشعبي مرهون بحل المشاكل الاقتصادية، والنظرة المستقبلية لهذا الأمر غير واعدة في ظل تراكم الأزمة الاقتصادية وتفشي الفساد بين المسؤولين وصناع القرار داخل اليمن وخارجه.
في الواقع، إن الوعد بتنحية الخلافات جانباً لحل المشاكل الاقتصادية يتكرر مع مرور عام على تشكيل الحكومة الجديدة وتنصيبها. هذا في حين أن الخلافات لا تزال قائمةً، بل وتدهورت الظروف المعيشية وارتفع الدولار من 700 ريال إلى أكثر من 1100 ريال. وبحسب خبراء الاقتصاد فإن اتجاهه التصاعدي سيستمر حتى يصل إلى 1500 ريال.
في غضون ذلك، لا تزال المناطق التي تسيطر عليها حكومة صنعاء تحافظ على استقرار عملتها رغم الحصار الاقتصادي، ولا يزال سعر صرف الدولار في حدود 600 ريال.
في هذه الأثناء، فإن الغضب العام بين الجنوبيين من الهيمنة الأجنبية على المنطقة، مع مشاهدة نهب الثروات الطبيعية والاستيلاء على جزر وموانئ جنوب اليمن ومحاولة تحويلها إلى وحدات استعمارية، يجعل من الممكن تصعيد نيران الاحتجاجات في المستقبل علی وجود تحالف معتد على الأراضي اليمنية، وهو ما سيزيد من تدهور شرعية حكومة هادي والمجلس الانتقالي التابع لدولة الإمارات.