الوقت- وسط أنباء غير مؤكدة وتكهنات إعلامية في الأسابيع الأخيرة بأن ممثلين عن إيران والسعودية سيجتمعون في العراق، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية بشأن العلاقات مع إيران، "ايران دولة جارة ونأمل في التوصل الى علاقة جيدة معها ". يمكن النظر إلى هذه التصريحات على أنها بداية لعملية من وراء الكواليس لإذابة جليد العلاقات مع هذه القوة الإقليمية التي لا جدال فيها بعد سنوات من التوتر واسع النطاق والمتزايد. لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار التغيير في لهجة محمد بن سلمان في إرادة الرياض لحل المشاكل مع طهران حقيقياً، وإلى أي مدى يمكن تصور نطاق هذا التحول؟ لفهم هذه القضية، يجب أولاً أن نجد إجابة على السؤال التالي، ما هي الأسباب والعوامل الرئيسية للتغيير الأخير في موقف ابن سلمان؟
الطريق المسدود الذي يواجه السياسة الخارجية السعودية
رافق تنصيب الملك سلمان في عام 2015 تغييرات كبيرة في السياسات الداخلية والخارجية للمملكة السعودية، والتي تركزت بشكل أساسي على التآمر العلني والسري لابنه الأكبر محمد بن سلمان. السياسات التي تبدو إصلاحية في الداخل والنهج العدواني تجاه المنافسين في السياسة الخارجية. كانت بداية الحرب اليمنية نقطة تحول في السياسة الخارجية العدوانية الجديدة للسعودية تحت امرة محمد بن سلمان، تلاها حصار غير مسبوق لقطر في عام 2017، ومحاولات لزعزعة استقرار العراق، واحتجاز الحريري، وأزمة لبنان، وقطع الدبلوماسية والعلاقات مع طهران وايصال الحرب الى الأراضي الإيرانية ودعم سياسة ترامب للضغط الأقصى، إلى جانب سياسة البيت الأبيض المناهضة للفلسطينيين وخطة صفقة القرن لتعزيز تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني كل هذه الامور من بين أهم عناصر النهج الجديد للسياسة الخارجية السعودية.
لكن محمد بن سلمان قد فشل الآن في معظم هذه الحالات. ووصلت الحرب في اليمن إلى طريق مسدود بالنسبة للسعوديين بعد 6 سنوات من العدوان الغاشم وخلق أزمة إنسانية كبيرة في هذا البلد الفقير. كما ان استمرار الحرب في اليمن والانفاق الباهظ والمرهق، وانتشار موجة من الاحتجاجات الدولية ضد استمرار الحرب، ووصول انعدام الأمن الى الأراضي السعودية وتعرض إنتاج البلاد من النفط والمواصلات للخطر، أصبحت السعودية غارقة في مستنقع كبير. ومن ناحية أخرى، مع إعلان انسحاب الإمارات وانتهاء الدعم الأمريكي للحرب، تجد الرياض نفسها وحيدة، وكان للخلافات مع الجنوبين أثر سلبي كبير على القوة السعودية للمناورة في الحرب. وفي المقابل، واصل اليمنيون تقدمهم حتى تحرير آخر المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة منصور هادي، حيث انهم اكتسبوا الثقة من خلال سنوات من المقاومة والتقدم العسكري والميداني.
ومن ناحية أخرى، مع خروج ترامب من البيت الأبيض ووصول الفريق الديمقراطي الذي وعد بالضغط على الرياض للرد على اغتيال جمال خاشقجي والتوقف عن قمع المعارضة في الداخل وإنهاء حصار قطر وإنهاء الحرب في اليمن، يشعر بن سلمان بأن الحفاظ على منصبه كولي للعهد مهدد، وعلى الرغم من وجود منافس قوي له مثل محمد بن نايف، فإنه يرى ان التحول في السياسة الخارجية هو ضرورة للحفاظ على بقائه.
والآن وقد تم التوصل إلى حل وسط مع قطر، يمكن اعتبار الإعلان عن الاستعداد لنزع فتيل التوترات مع إيران بمثابة خطوة أخرى للرياض للتكيف مع الظروف الإقليمية والدولية الجديدة.
وأعلنت إيران مرارا استعدادها لبدء محادثات إقليمية شاملة مع دول الخليج الفارسي وخاصة السعودية، وهو ما تجاهلته الرياض. لكن في تغيير لهجته الأخيرة، يواصل ولي العهد السعودي الإشارة إلى ما يسميه "سلوك إيران السلبي" و "تصرفات إيران بالوكالة"، مشيرا إلى أن لديه وجهة نظر تكتيكية في الحوار مع طهران ويسعى للحصول على تنازلات للهروب من التحدي الكبير الذي يواجهه في اليمن.
وفي الواقع ان بن سلمان وبغض النظر عن واقع أزمة الرياض في لبنان، فإن استمرار قمع الاحتجاجات الشعبية في البحرين، والتغطية المالية والإعلامية للاحتجاجات في العراق، واستمرار الجريمة في اليمن ومحاولة تفكيك هذه الدولة دون مراعاة إرادة الشعب اليمني، والتحرك نحو تطبيع العلاقات مع الصهاينة، ودعم الإرهاب في سوريا والعراق وغيرها، يتحدث عن ضرورة تغيير سلوك إيران.
تُظهر التطورات في المنطقة بوضوح أن سياسات السعودية المعرضة للأزمات باتت تواجه طريقاً مسدودا، وأن الدولة ستغير سلوكها حتماً وتتجه نحو محور المقاومة وإيران. هذا وأعلنت إيران مرارا عن استعدادها لحل مشاكل السعودية في اليمن بشرط أن تتوقف عن اعتداءها بدون قيد او شرط، وتنهي الحصار نهائيا، وتحترم إرادة الشعب اليمني. وعليه، فإن الخيار الصحيح للرياض هو نبذ المواقف التكتيكية والالتواءات الدراماتيكية من أجل تخفيف حدة التوترات مع طهران بنجاح والتغلب على المأزق الذي تشكل في سياستها الخارجية، وقبول الحقائق الحالية للمنطقة في القضايا المتنازع عليها المتمحورة حول المقاومة.