منذ استلام السيسي الحكم في مصر أراد تثبيت حكمه بعد الاطاحة بالاخوان المسلمين، فحاول التوازن في علاقات مصر مع الجوار و أبعد من ذلك، فبين التسليح الروسي و الفرنسي و بين المساعدات الأمريكية و بين جذب الاستثمار الخليجي، رسم السيسي هامش مناورته و يحاول ما استطاع عدم القفز خارج تلك الحدود.
منذ اندلاع الأحداث في سوريا قبل حوالي الخمس سنوات اتخذت مصر من الأحداث موقفا حذرا لم يكن واضحا بالنسبة الى الخصم و الصديق. و بعد اندلاع العدوام السعودي الأمريكي على اليمن رفضت مصر المشاركة في الهجوم على اليمن عبر ارسال قوات برية مكتفية بتقديم بعض الدعم اللوجستي عبر البحر الأحمر، و بعد الطلب السعودي بارسال قوات برية الى اليمن رفضت مصر الطلب معللة بالأوضاع الأمنية غير المستتبة في الداخل المصري بعد الأحداث الدامية في محافظة سيناء و غيرها من المناطق. كل هذه الأحداث اضافة الى انتقال السلطة الى الإخوان المسلمين بعد الاطاحة بنظام مبارك و بعدها الى المجلس العسكري بعد الاطاحة بحكومة محمد مرسي، أوصلت الإقتصاد المصري الى مرحلة صعبة و هددته بالانهيار، ما دفع الدول العربية و الخليجية خصوصا الى ابداء استعدادها لدعم الحكومة خصوصا أنها أطاحت بالاخوان المناوئين للسعودية و غيرها من الدول العربية باستثناء قطر. الاستعداد العربي لتقديم المساعدات المالية تلقفته مصر سريعا و سارعت الى عقد مؤتمر لدعم الاستثمار الخليجي في مصر، نتج عنه تقديم مساعدات مالية و استثمارات بمليارات الدولارات، كان قد توقع وزير الاستثمارات المصري أسامة صالح الى 50 مليار دولار، استحوذت السعودية على الحصة الأكبر منها حيث وصل حجم مساعداتها و استثماراتها الى حوالي 23 مليار دولار عبر أكثر من 60 مشروعا استثماريا ضخما.
بعد هذا العرض تتضح الصورة و حجم الضغط على النظام المصري اضافة الى المساعدات الأمريكية التي تقدر 1.325 مليار دولار سنويا، مساعدات بدأتها الحكومة الأمريكية بعد توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل عام 1979م و تمزج بين هدفين، أولهما كأداة ضغط على النظام المصري لتبني سياسات ترغب الولايات المتحدة فى أن ينتهجها اضافة الى المحافظة على الهدوء في المنطقة فيما يتعلق بالوضع مع اسرائيل و تضييق الخناق على الفلسطينيين، والثاني تقديم امتيازات برية و جوية و بحرية للقوات الأمريكية.
بالعودة الى موقف السیسي الاخير من اليمن أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية عن استعداد بلاده لإرسال قوات برية مدرعة لمؤازرة السعودية في حربها على اليمن فيمكن الحديث بشأنه من عدة جوانب أبرزها:
ضغط عربي خليجي على الحكومة المصرية عبر ورقة الاستثمارات التي تقدر بأكثر من خمسين مليار دولار، خصوصا الضغط السعودي اللاعب الأساسي على الجبهتين أي المساعدات المصرية و الحرب على اليمن.
يمكن وضع العرض المصري بارسال قوات مشاة و مدرعات الى اليمن في خانة الكلام الإعلامي بطلب أو بتنسيق مع الجانب السعودي، رفعا لمعنويات الجنود المتواجدين في اليمن خصوصا بعد الضربات المتكررة و الخسائر البشرية الكبيرة.
تحاول مصر منذ فترة اعادة تأهيل بنيتها العسكرية و لأجل ذلك هي بحاجة الى أسلحة نوعية جديدة و قد حاولت الاستفادة من العروضات الروسية و الأمريكية معا، فكان أن أرسلت مجموعة من دبابات تي-72 و راجمات 122 ملم مقابل تسليحها بأنواع جديدة من الترسانة الروسية، كما رفعت أمريكا الحظر عن بيعها طائرات أف-16 المتطورة. إضافة الى أن السعودية تستطيع الضغط على فرنسا لتسليم سفينة ميسترال العملاقة بعد أن ألغت فرنسا الصفقة مع مصر لأسباب مجهولة.
ربطت مصر نفسها بالتزامات عدة و غير منصفة لشعبها، منذ إتفاقية السلام مع اسرائيل سنة 1979م حتى اليوم، و خسرت قرارها المستقبل بعد أن أصبح اقتصادها يعيش على المعونات و الاستثمارات المشروطة و حتى تخرج من هذه الحالة تشتاق بلد الثمانين مليون الى رجل مثل عبد الناصر ليعيدها الى الزمن الجميل حيث كانت "أم الدنيا" تحتضن العرب و ترعب اسرائيل.