الوقت- شهدت "قمة العلا"، التي عقدت بالسعودية مؤخراً إسدالاً للستار على الأزمة التي دخلت عامها الرابع إثر خلافات سياسية بين كل من مصر والإمارات والسعودية والبحرين من جهة، وبين قطر من جهة أخرى.
حيث وافقت هذه الدول الأربع على إعادة العلاقات مع قطر بما في ذلك الرحلات الجوية.
ولكن يبدو أن هذه الأزمة وخاصة بين البحرين وقطر انتهت على الورق فقط أما على الأرض تشهد هذه العلاقات توتراً مستمراً وقد بدأ يأخذ منحنىً تصاعدياً في الآونة الأخيرة وكأن الأمور بعد إنهاء الأزمة بدأت تتدهور أكثر مما كانت عليه في ظل الأزمة بين البلدين.
القصة الكاملة للمناوشات البحرينية القطرية
لنبدأ بسرد القصة كاملة للأحداث التي حدثت قبيل توقيع الاتفاق وبعده، فمنذ أن بدأ الحديث عن تقدّم في ملف المصالحة بين هذه الدول، لم توفّر البحرين فرصة في التعبير عن عدم ارتياحها إلى المضي قدماً في هذا المجال، وهو قلق عبّرت عنه عناوين الصحف والمقالات، وبقيت تحذر من عقد مصالحة لا تضع في الحسبان مصالح المنامة. بعد ذلك قامت 4 طائرات مقاتلة بحرينية باختراق الأجواء القطرية وهذا ما صاعد التوتر بين البلدين ودفع بقطر إلى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة فيما نفت البحرين هذه التهم واعتبرتها ادعاء غير مسؤول.
بعد ذلك رفعت الدوحة من حدّة هذا التوتر كرد على اختراق أجوائها وقامت بإيقاف طراد بحريني في منطقة فشت الديبل داخل حدود المياه القطرية، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الصيادين، ما أثار ردود فعل رسمية بحرينية مستنكرة، على اعتبار أن قيام الصيادين بالصيد في هذه المنطقة أمر متعارف على مرّ الأجيال.
وبعيد توقيع الاتفاق في 5 يناير 2021 ظهر وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني على وسائل الإعلام وقال أن العلاقات بين البحرين وقطر ستعود كما كانت عليه قبل حزيران 2017 أي قبل بدأ الأزمة. كما أعلن أن العمل ببيان قمة العلا سيتم العمل به سريعاً وستتوقف جميع الاتهامات ضد قطر وجميع القرارات الصادرة بحقها كما ستجري مباحثات نهائية هدفها إنهاء الملفات الأمنية والسياسية العالقة بين بين البلدين خلال اسبوعين من بيان العلا.
في 14 يناير 2021 أفرجت قطر عن البحارة البحرينيين المحتجزين لديها بوساطة من سلطنة عمان وكمؤشر على نيتها بدفع عجلة التوافق إلى الأمام ولكن رد الفعل البحريني كان مغايراً تماماً وكأن البحرين تريد إطالة هذه الأزمة حيث أعلنت البحرين في 17 يناير 2021 عن اعتقال عدد من المواطنين القطريين أثناء محاولتهم الدخول إلى البحرين، عبر الجسر البري الذي يربط بين البحرين والسعودية. ونشرت وزارة الداخلية البحرينية على موقعها الرسمي تصريح الوكيل المساعد للمنافذ والبحث والمتابعة، «أنّه سبق التوضيح أنّه ليس هناك مانع من دخول مواطني دولة قطر إلى البحرين، حيث يتمّ السماح لهم لأسباب إنسانيّة»- على حدّ زعمه.
وأضاف أنّ «الأشخاص القطريين الذين تمّ استيقافهم على منفذ جسر الملك فهد، لم يتّبعوا الإجراءات التنظيميّة المطلوبة عند الدخول، والمتمثّلة في الحصول على الموافقة عبر التسجيل في الموقع الإلكترونيّ المخصّص لذلك» – حسب تعبيره.
وبعد أقل من يومين على هذه الحادثة يصدر قرارمن الحكومة البحرينية بهدف الاستيلاء على 130 منزلاً تعود لأسرة "خالد المسند" القطرية، وأشار القرار إلى أنه "تم استملاك هذه العقارات من أجل توسعة منشآت حكومية، حسب طلب وزارة الداخلية".
تزامنت هذه التحركات مع تقارير نشرتها وزارة الداخلية البحرينية عن استدعائها لأحد مواطنيها للاستماع إلى إفادته بعد أن تم تداول مقطع مصوّر يقول فيه المواطن البحريني مكي علي كويد إن الدوحة حاولت تجنيده مقابل بدل مادي لقاء معلومات عن تحركات الأجهزة الأمنية البحرينية في منطقة سترة.
وأوضحت وزارة الداخلية البحرينية أن الأمن القطري حاول تجنيد مكي علي كويد بعد القبض عليه بالبحر واقتياده وقاربه للدوحة على أن يتلقى راتباً شهرياً قدره ١٠ آلاف ريال قطري وإطلاق سراحه واعادته للبحرين مقابل تزويدهم بمعلومات عن تحركات الأجهزة الأمنية البحرينية في منطقة سترة.
دعوة بحرينية لقطر لتلتزم ببيان العلا!
وبعد كل هذه المشاحنات بين الطرفين وخاصة من الجانب البحريني يظهر مجدداً وزير الخارجية البحريني ليطالب قطر بإرسال وفد رسمي إلى المنامة لبدء المباحثات الثنائية بين الجانبين من أجل حل النقاط العالقة وفق بيان العلا لكن الوزير كان غير لبقاُ في طلبه حيث اتهم قطر ضمنياً بأنها من تعيق التوافق وقال: إنّ السلطات القطرية لم تبد أي بادرة تجاه حلحلة الملفات العالقة مع البحرين، أو استجابة للتفاوض المباشر حول تلك الملفات، بعد صدور بيان قمة العلا وطالب الوزير الدوحة بالتعامل مع متطلبات التوافق، ومراعاة مصالح البحرين الاستراتيجية، والإسراع في معالجة القضايا العالقة بين البلدين، بما يضمن علاقات سليمة وإيجابية في المستقبل.
وعلق الباحث السياسي القطري الدكتور علي الهيل على دعوة وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف الزياني، الدوحة لإرسال وفد رسمي إلى المنامة لبدء المباحثات الثنائية بين الجانبين بالقول : " لا أظن أن القطريين سيذهبون إلى المنامة أو يعيروا أي انتباه لمثل هذه الدعوات لأنها دعوة غير مهذّبة وتخرج عن اللياقات الدبلوماسية"، وأضاف: "إن قطر لا تستمع للإمارات والبحرين ومصر وما يهمّها هي المملكة العربية السعودية".
يد الأمارات الخفية خلف الكواليس!
المثير للانتباه في كل هذه القضايا هو الموقف الإماراتي الذي يبدو أنه كان رافضاً للمصالحة برفقة البحرين ولكنه وقع عليها تماشياً مع رغبة محمد بن سلمان. أما بعد المصالحة لم تقدم الإمارات أي شيء بل يبدو أنها هي من تحرك البحرين لتخريب اتفاق المصالحة والخروج عن الصف السعودي وكأن البحرين أصبحت ساحة تضغط من خلالها كل من الإمارات والسعودية من أجل تحقيق مصالهم الاستراتيجية.