الوقت - في ظل التوتر الأمني الدائر في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي مدينة القدس على وجه الخصوص، أصدر حاخامات صهاينة فتاوى تقضي بقتل منفذي عمليات فلسطينيين بعد إلقاء القبض عليهم وقالوا إنه يحظر إبقاؤهم على قيد الحياة واعتبروا القيام بهذا الفعل فريضة دينية يجب القيام بها. وقال موقع واللا الإلكتروني الإسرائيلي أنه وعقب عمليات مهاجمة المستوطنين وجنود الاحتلال في القدس من قبل فلسطينيين، يتوجه العديد من الأشخاص بأسئلة إلى بعض الحاخامات الصهاينة المعروفين بتطرفهم وبغضهم الشديد للعرب تتعلق بكيفية التعامل مع منفذي العمليات الفلسطينيين عقب اعتقالهم، الحاخام اليهودي بن تسيون موتسافي المعروف بعدائه وتعصبه ضد العرب قال في معرض إجابته على هذا السؤال: "إن القيام بهذا العمل ليس عملاً محبذاً فحسب، بل إنه فريضة دينية؛ أن تمسك برأسه وتضربه بالأرض حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة" كما عبر الحاخام الصهيوني عن غضبه من إجابة قدمها الحاخام دافيد ستاف والذي قال إنه يمنع التعرض بالأذى لمنفذ عملية بعد إصابته بجروح أو عندما لا يصدر عنه خطر حقيقي وقال موتسافي: "لا تستمعوا إلى ستاف، لأن من يرحم قساة القلوب سينتهي به الأمر إلى أن يقسو على الأصدقاء."
تسلط مقالة الموقع الإسرائيلي هذه الضوء على دور الحاخامات الصهاينة ضمن المجتمع الإسرائيلي، ومدى تأثير هؤلاء الحاخامات على الرأي العام ضمن كيان الإحتلال، وتعيد إلى الأذهان جميع الجرائم الإسرائيلية في حق العرب والمسلمين، خصوصاً إذا ما كانت هذه الجرائم نابعة عن فكر ديني متطرف يُحللها ويضفي عليها الشرعية.
فمن هو الحاخام وما هو دوره وأهميته في الكيان الإسرائيلي؟ أي دور يلعبه الحاخامات في جرائم الإسرائيلين في حق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة؟ ما هو الدليل المنطقي الذي يبني عليه هؤلاء فتاواهم؟ ولماذا يتبرئ الحاخامات المستقلون من أعمال الصهاينة؟
الحاخام منصب ديني:
الربّاني، الراب، الحبر أو الحاخام هي أسماء تحمل المعنى ذاته وهو الزعيم الديني لدى الدين اليهودي، كلمة حاخام هي كلمة عبرية تعني الحكيم في العربية. والحاخام عند اليهود هو نظير للمرجع الديني أو المفتي عند المسلمين، حيث يقصده الناس بهدف السؤال عن الأمورالدينية ولمعرفة ما يتوجب فعله حسب الشريعة اليهودية، حيث يعتبر رأيه ملزماً للسائل. وللحاخامات درجات عديدة تتدرج من أناس متخصصين في الشؤون الأخلاقية إلى آخرين يتمتعون بمقبولية واسعة لدى اليهود، وهناك قسم يسمى "رئيس يشيفا" أو حاخام يعلم حاخامات آخرين أو رئيس مجتمع يهودي.
دور الحاخام داخل الكيان الإسرائيلي:
في بداية إنشاء الكيان الإسرائيلي كان دور المؤسسة الحاخامية محصوراً في الأمور الدينية ولم يكن لهم تأثير يذكر على سياسة هذا الكيان، في عام 1977م منح وصول اليمين الإسرائيلي إلى سدة الحكم ودخول أحزاب دينية ومتدينين قوميين إلى الحكومة، مكانة كبيرة للفتوى الدينية، حيث أصرت الأحزاب الدينية أن لا تتضمن أي من الاتفاقيات الموقعة مع العرب بنوداً تتناقض مع الفتاوى الصادرة من قبل كبار الحاخامات اليهود. ورويداً رويداً تنامى دور الحاخامات اليهود في صناعة القرار الإسرائيلي، بدأت من انتقاد اتفاقية كامب ديفيد ومعارضة اتفاقية أوسلو باعتبارهما تنصان على الانسحاب من بعض ما يسمونه "أراضي إسرائيل الكاملة"، إلى إصدار فتاوى تعتبر الدافع الأساسي للجرائم التي يرتكبها جنود ومستوطنو الكيان الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، من أبرز هذه الفتاوى تلك الصادرة عن الحاخام إسحاق شابيرا عام 2009م والتي تضمنت تشريعاً وتأصيلاً للعمليات الإجرامية التي يحق لليهود اقترافها خلال حروبهم ضد "الأغيار" الغير يهود. حيث أشار شابيرا إلى المسوغات والدوافع الدينية التي تبيح لليهود قتل الأطفال الرضع من غير اليهود في حال تطلبت المصلحة اليهودية ذلك، الأمر الذي أدى في النهاية إلى استشهاد الطفل الرضيع علي الدوابشة حرقاً على أيدي المستوطنين الصهاينة آواخر تموز الماضي.
الحاخامات الصهاينة وتشريع اغتصاب الأراضي العربية:
يمثل الحاخامات الصهاينة ملهماً أساسياً لعمليات اغتصاب الأراضي العربية والاستيطان التي تقوم بها سلطات الاحتلال في فلسطين والمناطق العربية المحتلة، بل إنهم يعتبرون عائقاً أمام أي خطوة قد تفكر الحكومة الإسرائيلية بالقيام بها لتحفيز "ملف المفاوضات والسلام" عبر الإنسحاب من أراض معينة أو ايقاف بناء المستوطنات التي تلتهم أراضي الضفة والجولان المحتلين يوماً بعد الآخر. فعلى سبيل المثال دعا الحاخام الإسرائيلي المتطرف نير بن أرتسي في رسالته الأسبوعية الإسرائيلين إلى عدم التخلي عن الأراضي التي احتلها الكيان الإسرائيلي قائلاً: " ممنوع على حكومة إسرائيل أن تتنازل عن سنتيمتر من أرضها المقدسة، على حكومة إسرائيل أن تتوقف عن الخوف وتبدأ في الحفاظ على دولتها"-على حد تعبيره-. وأضاف الحاخام الصهيوني: "إن هدف اليهود ليس الإندماج مع الأغيار، ولكن الحفاظ على إسرائيل وأن يتحدوا ليحققوا إرادة الرب."
إلى ماذا يستند الحاخامات الصهاينة لدى إطلاقهم فتاواهم هذه؟
يستند الحاخامات الصهاينة لدى إطلاقهم فتاواهم المتطرفة إلى ما يسمونه حق "إسرائيل واليهود في الحياة" ولما كان اليهود وفق عقيدتهم شعب الله المختار، وغير اليهود هم مجرد مخلوقات مسخرون لخدمتهم، فإن القيام بأي عملٍ من شأنه حفظ أمن الكيان الإسرائيلي وضمان استمرار بقائه هو أمر مشروع بل يرتقي ليصبح واجباً دينياً، كما حدث مع فتوى الحاخام موتسافي التي ذكرناها في بداية مقالنا هذا.
ولهذا نرى الحاخامات اليهود مكوناً أساسياً ضمن الجيش الإسرائيلي، يشاركون في الإعداد النفسي والمعنوي للجنود الصهاينة، ويعملون على نشر تعاليم الدين اليهودي والمفاهيم التوراتية التي يؤمنون بها، ويؤكد هؤلاء الحاخامات أن دم غير اليهود رخيصٌ وبسيطٌ، وأنه من الممكن سفحه لضمان عيش اليهود، بل إنه قد يتوجب على اليهود سفح دماء غير اليهود ليحميهم الرب ويحفظهم ويبارك لهم في دولتهم. وهذا ما يبرر فتوى الحاخام "دوف ليئور" حاخام مستوطنة كريات أربع في مدينة الخليل والمرجعية الدينية لحزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف والتي نصت "على جواز تدمير غزة عن بكرة أبيها لتحقيق سلام إسرائيل." أو قيام مجموعة من الحاخامات بإصدار فتوى في تاريخ يوم الاثنين 24 آب الفائت تقول "اقتلوهم وأبيدوهم بلا رحمة للحفاظ على «إسرائيل»".
حاخامات ضد الصهيونية... ناطوري كارتا مثالاً:
لا يؤمن جميع اليهود بعقائد الصهيونية المتطرفة بل إن بعضاً منهم يعارضون أفكار الصهيونية بشكل قاطع ويحاربونها ويرون فيها مخالفة صريحة لنصوص التوراة. حركة ناطوري كارتا أو "حارس المدينة" اليهودية الأرثوذكسية تعتبر مثالاً حياً على هؤلاء اليهود الذين يرفضون الصهيونية بكل أشكالها ويعارضون إنشاء ما يسمى "دولة إسرائيل"، تم إنشاء هذه الحركة عام 1935م ويتوزع أنصارها في كل من القدس ولندن ونيويورك، ومن اللافت قيام وفد من هذه الحركة برئاسة زعيمها "يسرول دوفيد ويس" بزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في شهر آذار عام 2006 التقوا خلالها عدداً من رجال الدولة الإيرانية، حينها قال الحاخام ويس خلال مقابلة معه: "يستغل الصهيونيون مسألة الهولوكوست لتحقيق أهدافهم. نحن اليهود الذين قتلنا في المحرقة يجب أن لا نستغلها لتحقيق مآربنا.... ما نريده ليس فقط الانسحاب إلى حدود 67 بل عودة الدولة كاملة إلى حكم الفلسطينيين، ونستطيع نحن أن نعيش معهم ".