الوقت- رغم استمرار الأزمة في لبنان بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وفشل التيارات السياسية في التوصل لاتفاق على تشكيل الحكومة، قام رئيس الوزراء المکلف "سعد الحريري" بزيارة إلى تركيا، والتقى خلالها الرئيس "رجب طيب أردوغان".
ورغم أن وسائل الإعلام قد تحدثت عن مركزية القضايا الاقتصادية واهتمام الجانبين بدور تركيا في إعادة بناء مرفأ بيروت ومنع الانهيار الاقتصادي للبنان، إلا أن هذه الزيارة تحمل رسائل سياسية مهمة أيضاً.
المشاركة في إعادة إعمار مرفأ بيروت
من المؤكد أن أهم ما تركزت عليه محادثات الوفد اللبناني مع مسؤولي أنقرة في هذه الزيارة، هي القضايا الاقتصادية.
يواجه لبنان أزمةً ماليةً جعلته في أمسّ الحاجة إلى مساعدات مالية دولية. في غضون ذلك، أدى تفشي فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت في آب من العام الماضي(2020)، إلى تفاقم الوضع في هذا البلد.
ومن الأمور التي يأمل الحريري الحصول علی الدعم التركي بشأنها، هي إعادة إعمار مرفأ بيروت. کما أن القضية الأخرى تعود إلى الوعد الذي قطعته أنقرة خلال زيارة نائب الرئيس التركي "فؤاد أوقطاي" للبنان بعد وقت قصير من الانفجار. حيث أعلن خلال تلك الزيارة أن تركيا ستضع ميناء "مرسين" في خدمة لبنان للعمليات التجارية، حتى يتم إعادة بناء مرفأ بيروت واستئناف نشاطه.
رغبة تركيا في النفوذ في لبنان
تركيا في ظل حكم أردوغان، التي تسعى إلى توسيع نفوذها في المناطق المنفصلة عن الإمبراطورية العثمانية، وفي المنظور الفکري للحزب الحاكم والمتمثل في العثمانية الجديدة، وضعت لبنان في هذا المنظور أيضًا نظرًا لثرواته من الطاقة في البحر الأبيض المتوسط وأهميته الجيوسياسية في جوار فلسطين والکيان الصهيوني وسوريا.
تعتقد تركيا أن ما بين 50 إلی 80 ألف من تركمان "الكواشرة" وطوائف تُعرف باسم "مردالي" يبلغ عدد سكانها ما بين 20 إلى 30 نسمة وهم ينتمون في الأصل إلی مقاطعة "ماردين" جنوب شرق تركيا، يعيشون في شمال لبنان في منطقة "عكار"، وبإمکانهم دعم الوجود التركي في لبنان.
كما أن النظرة الإسلامية والإخوانية للحزب الحاكم التركي، من وجهة نظر قادة حزب العدالة والتنمية، يمكن أن تساعد في توسيع نفوذ هذا البلد بين أهل السنة في لبنان.
بطبيعة الحال، إن التحديات التي تواجه تركيا ليست بقليلة، فالمسيحيون الموارنة (القريبون من فرنسا) لديهم موقف سلبي عام تجاه تركيا، وهو ما يمكن ملاحظته في تصريحات مناهضة للعثمانيين أطلقها الرئيس اللبناني "ميشال عون" بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس لبنان.
الأهداف والرسائل السياسية للزيارة
إن جهود تركيا لتوسيع نفوذها في لبنان، تجعلنا نتحدث عن المنافسات الإقليمية في سبب اختيار الحريري لأنقرة وجهةً لزيارته.
بسبب تورطها في أزمتي ليبيا وشرق البحر المتوسط ، فضلاً عن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، لتركيا بعض الخلافات حاليًا مع بعض الدول المؤثرة الأخرى في لبنان، مثل فرنسا والسعودية.
وعليه، فإن زيارة الحريري لأنقرة بالنسبة للفرنسيين، الذين لا يرحبون بوجود تركيا في لبنان على الإطلاق، تحتوي على رسالة مفادها ضرورة التسريع في إيصال المساعدات المالية باعتبار فرنسا رئيسة مؤتمر سيدر(والتي باتت الآن مرهونةً لإجراء الإصلاحات)، أو إزالة الضغط عن الحريري لتشكيل الحكومة بمشاركة حزب الله.
يشار إلى أنه بعد زيارة ماكرون الأولى للبنان في آب من العام الماضي، اتهمه أردوغان بالسعي وراء أهداف "استعمارية" في لبنان، لإظهار أن تركيا تعتبر لبنان مكانًا آخر لفتح جبهة جديدة ضد الوجود الفرنسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
أما البعد الآخر الذي يجلب التنافسات الإقليمية إلی زيارة الحريري غير المتوقعة لأنقرة، فيعود إلى تقلبات العلاقات السعودية التركية.
مع حدوث تطورات ما يسمى "الربيع العربي" في المنطقة، توترت العلاقات بين أنقرة والرياض إثر دعم تركيا لمحور الإخوان، واشتدت هذه التوترات بعد أزمة مجلس التعاون وحصار قطر عام 2017، واغتيال الصحفي الإخواني "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية عام 2018.
وقد أدى ذلك إلى تكهنات حول ما إذا كانت هناك صلة بين تجاهل السعودية طلب الحريري تقديم مساعدات مالية والدوافع وراء هذه الزيارة. وبلغت هذه التكهنات درجةً جعلت الحكومة السعودية تضطر لكسر صمتها، ونفي استيائها من زيارة الحريري لتركيا في بيان بهذا الخصوص.
وفي هذا الصدد، لا شك أن السعودية التي ترى نفسها لاعباً مهماً في العالم العربي من منظور عام، لا تتحمل محاولة تركيا لتصبح داعماً أجنبياً للسنة في لبنان. لكن في الوضع الحالي ولأسباب ما، يمكن القول إن السعوديين أنفسهم أعطوا الضوء الأخضر اللازم للحريري للقيام بهذه الزيارة.
أولاً، تدرك السعودية جيداً أن أنقرة لن تكون قادرةً على تقديم مساعدات مالية كبيرة للبنانيين، بسبب المشاكل الاقتصادية التي تواجهها.
ثانيًا، بعد رغبة السعودية في تخفيف حدة التوتر مع تركيا عشية قمة العشرين، وكذلك المصالحة الأخيرة مع قطر، يمكن أن تكون زيارة الحريري رمزًا للأجواء الجديدة للعلاقات بين هذه الدول. كما أن السعودية تأمل في أن تنهي تركيا الانتقادات في الأشهر الأخيرة لدور العدوان السعودي الخارجي في تشكيل الأزمة اليمنية.
وثالثًا، بهذا الضوء الأخضر، تعتقد السعودية أن سعد الحريري سيكون قادرًا على القول للرأي العام اللبناني إن المشكلة داخلية وليست خارجيةً، ولا يوجد "فيتو" إقليمي علی تشكيل الحكومة.