الوقت- بإزاحة الستار عن الطائرة الانتحارية دون طيار "آرش" من قبل قوات الجيش الإيراني، والذي يبلغ مداها نحو ألفي كيلومتر، تكون جمهورية إيران الإسلامية قد سجلت رقما قياسيا عالميا آخر في مجال الطائرات دون طيار الخاصة والحديثة. وتعد الطائرات دون طيار الانتحارية واحدة من الأسلحة الخاصة في العالم اليوم، والوصول إلى هذا المستوى من التطور محدود للغاية بين بعض الدول التي لديها تكنولوجيا حديثة. وإذا أردنا التحدث عن أصحاب هذه التكنولوجيا من الطائرات دون طيار الخاصة، فسنأتي إلى أسماء مثل أمريكا وألمانيا والصين والكيان الصهيوني.
وفي السنوات الأخيرة، وخاصة خلال الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا والحرب الأخيرة في "ناغورنو كاراباخ"، تم استخدام مجموعة واسعة من الطائرات دون طيار الانتحارية التي صنعها الكيان الصهيوني وتم تجميعها في تركيا، ولقد تحول هذا الأمر محل اهتمام العديد من الدوائر المتخصصة وحتى العامة في العالم. وفي هذا السياق، أصبحت جمهورية إيران الإسلامية، كجزء من مثلث القوة العسكرية في المنطقة، تصنع تكنولوجيا الطائرات دون طيار الانتحارية منذ سنوات عديدة، ولكن في التدريبات الأخيرة لجيش الجمهورية الإسلامية، أصبح من الواضح أن طهران تقدمت مرة أخرى على منافسيها في هذا المجال المهم والاستراتيجي.
وإذا أشرنا إلى ذكريات الطيارين والقادة العسكريين خلال الحرب العراقية الايرانية، فإن إحدى أكبر مشاكل القوات الجوية لجمهورية إيران الإسلامية في تلك السنوات الصعبة كانت نقص الأسلحة المتخصصة المضادة للرادار والقدرة على اصابة الدفاعات الجوية للعدو بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى زيادة أعداد شهداء القوات الجوية الخاصة الايرانية في بداية الحرب ولكن بعد انتهاء تلك الحرب المفروضة، قام الجيش الايراني في الخطوة الأولى بتطوير القدرات المضادة للرادارات للبلاد، وتم تصنيع صواريخ KH-58 المضادة للرادارات.
والخطوة الثانية المتعلقة باصابة رادارات العدو، وخاصة رادارات الدفاع الصاروخي مثل تلك المستخدمة في أنظمة باتريوت وتود، قام سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني بصنع صواريخ باليستية تكتيكية من سلسلة هرمز، كحل مختلف، جعلت بلادنا لأول مرة لديها خيار أصلي مضاد للرادار. ومنذ تلك الفترة، وخلال المناورات العسكرية، أظهر الحرس الثوري للعالم مرة أخرى دقة وموثوقية صواريخه، مستهدفًا نماذج من الرادارات بالحجم الحقيقي، ليس حتى بصواريخ مضادة للرادار، ولكن بصاروخ من عائلة فاتح.
وحول هذا السياق، شهدت المناورات الكبرى لوحدات الطيران المسير التي اطلقها الجيش الايراني، يوم الثلاثاء الماضي، تدشين طائرات مسيرة مضادة للرادار والتي حلقت خلال المرحلة الثانية والرئيسية لهذه المناورات في سماء المنطقة العامة للمناورات بمحافظة سمنان وسط البلاد. وافادت العلاقات العامة للجيش الايراني، أن مناورات الطيران المسّير الكبرى للجيش الايراني تضمنت الى جانب استعراض اقتدار وحدات الطائرات المسيرة الاستطلاعية، اختبار اداء هذه الطائرات في مجال التحليق العمودي وقذف القنابل الخفيفة؛ الامر الذي تم بنجاح خلال اليوم الثاني من المناورات. وبحسب هذا التقرير ايضا، فقط نجحت الطائرات من دون طيار الانتحارية التحليق لمسافات بعيدة، حيث إن المرحلة الرئيسية والاخيرة للمناورات الكبرى لوحدات الطيران المسير للجيش، كانت تتمثل في قطع مسافة 1400 كم على امتداد شواطئ مكران جنوب البلاد وتدمير الاهداف المعادية المفترضة بدقة. كما تم خلال المرحلة الثانية من المناورات، استخدام طائرات "الكوادكوبتر" التكتيكية القتالية في منطقة المناورات العامة بمحافظة سمنان، والتي تمكنت من اصابة اهدافها بقنابل صغيرة. ومن الاهداف الاخرى الكامنة في مناورات الطيران المسير للجيش الايراني، يشار الى توظيف الاشياء الطائرة الصغيرة للقيام بعمليات الاستطلاع والكشف عن الاهداف الثابتة والمتحركة على امتداد حدود البلاد.
وعلى نفس هذا المنوال، أشار المتحدث باسم المناورات، العميد طيار "فرهاد كودرزي"، إلى أن "استخدام طائرات مسيرة من طراز آرش لأول مرة في المناورات والتي زودت برؤوس حربية حيث قامت بعمليات انتحارية من مسافة تبعد 100 كيلومتر عن مواضع الأعداء الافتراضية، والتي تم تدميرها وإنجاز المهمة بنجاح".وفي السياق نفسه، قال مساعد قائد الجيش لشؤون العمليات، المتحدث باسم المناورات الكبرى للوحدات المسيرة للجيش العميد "محمود موسوي"" : إن عمليات رصد ومراقبة وحراسة حدود البلاد الملقاة على عاتق الجيش تجري اليوم بصورة دقيقة تماما باستخدام الطائرات المسيرة المزودة بمختلف انواع كاميرات المراقبة والاستطلاع ومنظومات جمع المعلومات الالكترونية". واضاف: انه خلال المرحلة الثانية من المناورات اليوم الاربعاء، نفذ العديد من الوحدات المسيرة للجيش عمليات ناجحة في مجال الاستطلاع والكشف عن الاهداف الثابتة والمتحركة على امتداد الحدود.
وصرح مساعد أركان الجيش الإيراني لشؤون العمليات، للصحفيين بأن الجمهورية الإسلامية أصبحت الآن من الدول المتقدمة على مستوى العالم في مجال الطائرات المسيرة، مشيرا إلى أن التدريبات تجري بمشاركة مئات الطائرات بدون طيار التابعة للقوة البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي للجيش. وأكد العميد "موسوي" أن الجزء العملياتي من التدريبات ضم عمليات قتالية تنفذ بطائرات مسيرة، بما فيها اعتراض جوي وتدمير أهداف جوية باستخدام صواريخ جو-جو وتدمير أهداف برية بالقنابل وصواريخ جو-جو، بالإضافة إلى الاستخدام الواسع للطائرات المسيرة الانتحارية. كما تشمل العمليات تحليق الطائرات المسيرة للقوة البحرية من القطع البحرية في المياه الجنوبية للبلاد، علاوة على تحليق طائرات مسيرة انتحارية بعيدة المدى لتدمير أهداف حساسة في عمق أرض العدو.
وأكد المسؤول العسكري أن التدريبات تجرى بمشاركة وحدات الطائرات المسيرة من مختلف مناطق إيران لمراقبة الحدود البرية والجوية والبحرية. ولفت إلى أن طائرة "آرش" المسيّرة الانتحارية، أطلقت من شواطئ بحر عمان، وأصابت هدفها بدقة، بعد اجتيازها 1400 كيلومتر في محافظة سمنان شمال البلاد. كما أن طائرة "كرار" جُهزت للمرة الأولى بصاروخ "آذرخش" جو-جو، الذي أطلقته على هدف جوي بنجاح. خلال استعدادات عسكرية لافتة، مع تصاعد التهديدات الأمريكية على إيران.
وتأتي هذه الرسائل، على وقع معلومات استخبارية للسلطات الإيرانية، تكشف عن مساع تبذلها الإدارة الأمريكية لإثارة نزاع عسكري مع إيران في آخر أيام رئاسة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. وبحسب تقارير أمنية، فإن القوات المسلحة الإيرانية رفعت جاهزيتها القتالية إلى أعلى الدرجات، حتى العشرين من كانون الثاني الجاري، حيث تأتي مناورات الجيش في إطار هذه الاستعدادات. كما تأتي هذه المناورات التي انطلقت يوم الثلاثاء الماضي واستمرت يومين، تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد قائد قوة القدس الفريق الشهيد "قاسم سليماني"، وهي أول مناورات قتالية مشتركة وكبرى للطائرات المسيّرة في محافظة سمنان ومناطق حدودية مختلفة.
وفي الختام يمكن القول إن في السياق الحالي للمنطقة والتحركات الدعائية الأمريكية، مثل إرسال عدة قاذفات من طراز B-52 أو غواصة يو إس إس جورجيا، يمكن اعتبار الكشف عن عضو جديد في نادي إيران العسكري البالغ طوله 2000 كيلومتر بمثابة رد فعل فني قوي على الجانب الآخر. لأنه اعتبارًا من اليوم، جنبًا إلى جنب مع كتلة الصواريخ الباليستية، ينبغي على العدو أيضًا القلق بشأن الطائرات دون طيار الانتحارية التي لديها القدرة الوصول إلى بُعد ألفي كيلومتر على الأقل من الأراضي الإيرانية.
