الوقت- تحمل زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنية، إلى لبنان الكثير من الدلالات والقيم والمعاني، ليس لأنها جاءت بعد وقت طويل لآخر زيارة لمسؤول فلسطيني رفيع المستوى، وإنما لتوقيتها والظروف التي رافقتها، ولم يكن حضور هنية وسط الفلسطينيين في لبنان عادياً، فقد رسخ فكر المقاومة ونهجها من خلال جولته التي حملت طابعا شعبيا إلى المخيمات، وكان لزيارته للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله طابع خاص، حيث أكدت الزيارة على ثوابت "محور المقاومة" ورسخت فكرة المقاومة حتى الوصول إلى التحرير حتى لو طبعت عدة دول مع الكيان الاسرائيلي، فالشعوب العربية لا تزال تنبض بالمقاومة وترفض أي شكل من أشكال التطبيع، وستظهر نتائج زيارة هنية إلى لبنان في الأسابيع المقبلة.
من أهداف الزيارة بما لا يدعو للشك، هو الحشد لدعم القضية الفلسطينية والوقوف في وجه "صفقة القرن" وجميع أشكال التطبيع، ولبنان المقاوم هو أفضل مكان لهذا الحشد في ظل وجود عدد كبير من الفصائل الفلسطينية هناك، وكذلك وجود "حزب الله" ودعم الشعب اللبناني للقضية الفلسطينية ووقوفه إلى جوارها في جميع الظروف.
لقاء هنية مع السيد حسن نصرالله
في مطلع الأسبوع الجاري استقبل الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني السید حسن نصر الله، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، ونائبه الشيخ صالح العاروري، والوفد المرافق لهما، حيث جرى التأكيد على متانة العلاقة بين حزب الله و"حماس".
وقال "حزب الله"، في بيان، إنه "تم خلال اللقاء، استعراض مفصل لمجمل التطورات السياسية والعسكرية في فلسطين ولبنان والمنطقة وما تواجهه القضية الفلسطينية من أخطار خصوصا صفقة القرن ومشاريع التطبيع الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني الغاصب ومسؤولية الأمة تجاه ذلك".
وجرى التأكيد على "ثبات محور المقاومة وصلابته في مواجهة كل الضغوط والتهديدات، والآمال الكبيرة المعقودة عليه"، كما "جرى التأكيد على متانة العلاقة بين حزب الله وحركة حماس والقائمة على أسس الإيمان والأخوة والجهاد والمصير الواحد، وتطوير آليات التعاون و التنسيق بين الطرفين".
موقف الحزب واضح من التطبيع مع كيان العد، حيث دان الأمين العام لـ"حزب الله" يوم الأحد الماضي، كل محاولات الاعتراف بإسرائيل من أي دولة أو مجموعة أو شخصية أو حزب، وأي شكل من أشكال التطبيع، مجدداً إدانته لموقف المسؤولين في الإمارات الذين ذهبوا إلى هذا الخيار وانتقلوا إليه من السر إلى العلن.
زيارة هنية إلى عين الحلوة
في خطوة غير مسبوقة دخل رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية إلى مخيم عين الحلوة وتجول في شوارع المخيم وتكلم مع الناس، ودخل منازلهم، واستقبلوه اهالي المخيم استقبالا حاشداً، وكان دخوله رسالة واضحة وقوية للتعاضد بين جميع فصائل المقاومة وخطوة جبارة في سبيل انهاء الانقسام الفلسطيني_الفلسطيني وخطوة ايجابية في طريق التحالف مع فتح، وجاءت الزيارة إلى المخيم بعد أن شارك هنية في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية (وعددها 14 فصيلاً، بما فيها حركتي فتح وحماس) والذي انعقد مساء الخميس الماضي في سفارة دولة فلسطين في بيروت.
دلالات الزيارة إلى مخيم عين الحلوة تتمحور حول رمزية هذا المخيم بالنسبة للقضية الفلسطينية وقضية اللاجئين، كأكبر تجمع لهم في لبنان، وباعتباره أيضاً رمزاً وعنواناً لحق العودة، يضاف إلى ذلك الخصوصية الأمنية وظروف أبنائه الإنسانية والمعيشية، التي تبقي العين عليه فلسطينياً ولبنانياً وحتى دولياً.
وعلم في هذا السياق أن هنية أراد بزيارته لعين الحلوة أن يطل من خلاله على واقع كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، باعتباره يختصر أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ومعاناتهم على شتى الصعد. ولم تستبعد المصادر نفسها أن يزور هنية مخيماً آخر في منطقة صور. لكن هذا الأمر لا يزال غير محسوم حتى الآن.
وفي كلمته أمام الحشود داخل القاعة، حرص هنية على توجيه رسالة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي وصفها بـ"قلاع المقاومة والصمود" مشيداً بصمود أبنائها و"صبرهم على معاناتهم الصعبة والمريرة من أجل العودة إلى الديار التي هُجروا منها في فلسطين"، ومؤكداً "أن مخيمات الشتات هي رمز القضية ومقاومة الشعب، بالرغم مما تعانيه من إجراءات وفقر وألم وجوع، ولكنها غنية بالعزة والكرامة ومنها صنعت الأحداث الكبرى، وخرج منها الأبطال، وفيها ظلّت القضية حية". ومذكراً بأن اللاجئين "هم ضيوف في لبنان حتى تحقيق العودة"، وأن "لا توطين، ولا تهجير، ولا للوطن البديل"، و"أننا أتينا من فلسطين إلى المخيم لنقول إن فلسطين لنا والأرض لنا".
وفي موضوع التطبيع مع إسرائيل قال هنية إن "قطار التطبيع يرسو في بعض الدول، ولكنه بالتأكيد لا يمثل شعوب الأمة وضميرها ونبضها وتاريخها وصوتها، وهذا المسار معزول عن حركات التاريخ". وأعلن هنية ان "سرايا القسام هي التي تحدد مسار مقاومتها، وان حماس طورت منظومة سلاحها، وباتت تملك الصواريخ وقد دكت بها تل ابيب وما بعد تل ابيب". وأكد: "لا نتنازل عن ثوابثنا وعن حقوقنا وحق العودة الذي هو حق مقدس، ولا يحق لأي فصيل أو منظمة أو مؤسسة أو زعيم أن يتنازل عنه".
وخلال جولته الميدانية في أحياء وشوارع المخيم، حرص هنية على تفقد بعض المنازل ولقاء عائلاتها، مطلعاً على أوضاعهم ومستمعاً إلى معاناتهم .
موقف فتح
أشارت الكثير من المصادر الفلسطينية أن زيارة هنية إلى مخيم عين الحلوة، جاءت بالتنسيق مع حركة فتح، التي رحبت أوساطها ضمناً بهذه الزيارة، باعتبارها تأتي ترجمة فعلية تعكس الإيجابية التي رافقت وتوجت اجتماع الفصائل الفلسطينية الذي انعقد الخميس في بيروت ورام الله، تحت إشراف منظمة التحرير الفلسطينية، ومباركة الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، ومشاركة كل الفصائل وفي مقدمها حماس. وستكون هذه الزيارة أيضاً بمثابة تأكيد وتكريس لما اجمع عليه المشاركون في الاجتماع، من تمسك بقضية اللاجئين وحق العودة، وأن القيادة الشرعية الفلسطينية لن تتخلى عن هذا الحق، إلى جانب التمسك بإقرار الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين في لبنان، إلى أن تتحقق هذه العودة.
كما تعتبر الأوساط نفسها أن استباق هنية لزيارته لعين الحلوة، بالإعلان عن تخصيص مبلغ مليون دولار للمخيمات الفلسطينية، لمساعدة اللاجئين فيها على مواجهة الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا وتداعياتهما، يعطي زخماً إضافياً لهذه الزيارة، ويفتح الباب لمزيد من هذه المبادرات من قبل القيادة الفلسطينية.
في الختام؛ ركزت زيارة هنية إلى لبنان على مجموعة نقاط من أهمها، انهاء الانقسام الفلسطيني، والتأكيد على رفض التوطين والتهجير والوطن البديل، والتأكيد على أن المقاومة اللبنانية والفلسطينية هي مقاومة واحدة لها نفس الأهداف وتعمل على نفس النهج.