الوقت – على طريق التدمير الذاتي يسير رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أن اتخذ لنفسه نهج "أنا ربكم الأعلى" وعليكم طاعتي، ليتبع هذا النهج عنفٌاً مفرطاً مع المُتظاهرين المُنتمين إلى حركة "الأعلام السوداء" الذين يُطالبون بمحاكمته على جرائمه مُحتجّون في الوقت ذاته على فساد الحكومة ودورها السلبي في التعامل مع الأزمات التي تضرب الكيان، وهنا بدأ مسلسل العنف ينتشر في كلّ أرجاء الكيان، خصوصاً في القدس، قيصرية، تل أبيب، بالإضافة لمدن أخرى، غير أنّ أكبر تلك التظاهرات جمع حوالي 6000 شخص بالقرب من المقر الرسمي لنتنياهو في شارع بلفور في مدينة القدس، كما تظاهر عدد آخر بالقرب من منزل نتنياهو الخاص في مدينة قيصرية، في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يقضي عطلة نهاية الأسبوع.
مسلسل العنف
في مشهد لم يقع إلّا في شوارع شيكاغو أو انديانا بولس وكيف تعاملت الشرطة الأمريكية مع المُتظاهرين؛ يعود المشهد ذاته ليتكرر اليوم في شوارع الكيان، حيث بدأت شرطة الكيان وبعد منتصف الليل، بضرب المُتظاهرين الذين رفضوا مغادرة مكان الاعتصام الموجودين به وهو ساحة باريس في القدس المحتلة، حيث اقتحمت شرطة مكافحة الشغب مكان الاعتصام ودهست عدداً من المُتظاهرين الذين رفضوا إخلاء مكان الاعتصام.
حملة الشرطة العنيفة المسائية ضدّ المُتظاهرين في كل أنحاء الكيان لم تنتهِ إلّا باعتقال العشرات من المشاركين في تلك الاحتجاجات التي شكّلت استعراضاً كبيراً ضد رئيس وزراء الكيان نتنياهو، الذي بات يجد نفسه مُحاصراً في أيِّ مكان يتواجد فيه، فلا مقرُّ الحكومة بات آمناً ولا مقرُّ إقامته، ولا حتى بيته بات أمناً.
ولعلمهم أنّ الوضع المُتوتِّر لن يخدم إلّا نتنياهو وحكومة الحرب التي يرأسها، حيث دعا المتظاهرين إلى عدم الاشتباك مع شرطة الكيان، وقالت الأخبار الواردة من هناك إنّ المُتظاهرين رفضوا الرّد على استفزازات الشّرطة، غير أنّ الأخيرة ورغم أنّ المُتظاهرين كانوا عُزّلاً واجهتهم بشتى أنواع العنف، واعتقلت الكثير منهم على امتداد الكيان.
فدائيو نتنياهو!
وكما كلُّ الدكتاتوريات في العالم؛ فإنّ لنتنياهو حزبه اليمني المُتطرف مُدافعون وُموردون، وعلى هذا الأساس خرج مجموعة من اليمينيين المُتطرفين يُهينون ويهددون متظاهري حركة "الأعلام السوداء" ليبدؤوا بعدها بمهاجمة المُتظاهرين، ونشرت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع مُصوّرة لحوالي 15 إلى 20 شاباً حضروا في مجموعات من السيارات وهاجموا المُتظاهرين الذي كان من بينهم أطفال.
أكثر من ذلك؛ وعلى الرّغم من أنّ أعمال العنف هذه التي قام بها اليمينيون المُتطرفون جرت على مرأى ومسمع الشرطة، غير أنّها لم تُحرك ساكناً، بل شوهد عددٌ من عناصر الشرطة يُشارك المُتطرفين بهجومهم على المُتظاهرين، بدلاً من اعتقالهم.
وبعد العمليات الهمجيّة التي قامت بها عصابات نتنياهو من اليمين المُتطرف؛ خرجت دعوات من قبل حركات سياسيّة في الكيان تُهاجم حكومة نتنياهو وزجّه بأنصاره في مواجهة الشارع المُتظاهر، وطالبوا بمحاسبته على إثارة المجتمع وتقسيمه ونشر بذور الحرب الأهلية بين السّكان.
نتنياهو الذي بات مُحاصراً أكثر من أيِّ وقتٍ مضى؛ وبهدف الهروب من الاستحقاقات الداخليّة التي تُواجهه؛ وبدلاً من العمل على تخفيف التوتر في المجتمع وتلبية رغبات المُتظاهرين؛ خرج بإسطوانة مشروخة بأنّ ما يجري مؤامرة خارجيّة!، وأنّ من هاجموا المُتظاهرين هم الفلسطينيون الذين استغلوا حالة الهرج والمرج في الكيان ليقوموا بمهاجمة المُتظاهرين.
ومن الواضح جداً أنّ نتنياهو لم يجد كذبة أسخف من تلك؛ فالفلسطينيون إذا أرادوا مهاجمة أحدٍ فبالتأكيد لن يُهاجوا المتظاهرين، فعدوّهم ليس المتظاهرون، بل نتنياهو وعصاباته التي ما فتئت تُهاجم الفلسطينيين وُتريد طردهم مما بقي من أراضيهم، فنتنياهو هو من يُريد تنفيذ مشاريع الضم وصفقة القرن وليس المُتظاهرون الذين يناصبونه العداء.
وفي النهاية؛ فإنّ حركة الاحتجاجات سريعة النمو هذه ضد رئيس وزراء الكيان، باتت تُهدد ليس فقط نتنياهو، بل التّيار اليميني برُمّته بعد أن انخرط أتباعه في قمع المُتظاهرين، أمّا نتنياهو ومن خلال زجّه بمُريديه بمواجهة الشارع المُقابل فإنّه يُريد من ذلك الهروب من اتهامات الرشوة والاحتيال وخيانة الثقة التي تُلاحقه بسبب سلسلة من التحقيقات في الفساد التي ارتكبها.
أكثر من ذلك؛ فإنّ نتنياهو ومن خلال مواجهة الشارع بشارعٍ آخر يُريد الهروب من المساءلة القانونية وفشله في احتواء جائحة الفيروس التاجي، وتكهّن الكثيرون داخل الكيان بأنّه ينوي إجراء انتخابات جديدة بعد أن فشل في تشكيل الحكومة مُنفرداً، وأُجبر على تشكيلها مناصفةً مع بيني غانتس.