الوقت – أول أمس، وفي حدث تاريخي، وقع ممثلو الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة اتفاق سلام.
ممثلو الولايات المتحدة وحركة طالبان ومن أجل التوصل إلى اتفاق سلام تفاوضوا لمدة 18 شهراً، وبموجبه ستغادر جميع القوات الأمريكية أفغانستان خلال 14 شهراً المقبلة، وستكون هناك أيضًا مرحلة أخرى من جهود السلام، تهدف إلى المصالحة بين طالبان والحكومة الأفغانية.
يركز الاتفاق على أربعة أجزاء رئيسية؛ هي ضمان طالبان ألا تستخدم الأراضي الأفغانية ضد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، تقديم جدول زمني للانسحاب الكامل للقوات الأمريكية وقوات الناتو خلال 14 شهراً المقبلة، عقد المحادثات الأفغانية في 10 مارس، والحديث عن وقف إطلاق النار الشامل خلال المفاوضات الأفغانية.
لقد تعهدت الولايات المتحدة بتخفيض قواتها إلى 8600 جندي في 135 يوماً، وسحب القوات المتبقية في غضون 9.5 أشهر المقبلة.
كما جاء في الاتفاق الإفراج عن 5 آلاف سجين من طالبان من سجون الحكومة الأفغانية، وألف من المعتقلين لدی طالبان، لمدة تصل إلى عشرة أيام.
وتعهدت أمريكا مع بدء المفاوضات بين الأفغان، بمراجعة العقوبات ضد أعضاء طالبان، ورفعها ضد أعضاء الحرکة بحلول 27 أغسطس 2020.
والجزء الثاني من الاتفاق يوضح تفاصيل التزامات طالبان بقطع العلاقات مع الجماعات الإرهابية.
وينص القسم الثالث على أن الولايات المتحدة تسعى إلى التصديق على الاتفاق من قبل أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
توقيع الاتفاق وسط أجواء من التشاؤم
ما كان واضحًا خلال اجتماع ممثلي طالبان والولايات المتحدة في قطر، هو الشكوك المتزايدة للجانبين تجاه بعضهما البعض في الاجتماع. وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي وصل إلى الدوحة لتوقيع اتفاق سلام مع طالبان، قال في حديثه في الاجتماع، إن علاقات بلاده مع طالبان کتبت بـ"الدم"، واليوم لديه نفس الشعور الذي شعر به أثناء هجمات 11 سبتمبر.
في المقابل، قال رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر "شير محمد ستانكزاي" أيضاً خلال الاجتماع، بأن يوم توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة يشبه اليوم الذي انهزم فيه الاتحاد السوفيتي أو بريطانيا في أفغانستان، وهذا الحدث يعد انتصاراً لأفغانستان. كما اعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان بأن توقيع الاتفاق يعني إنهاء الاحتلال في بلاده.
أظهرت لهجة تصريحات الجانبين أنه على الرغم من توقيع اتفاقية السلام، لا يزال الجانبان في حالة من الشك حيال بعضهما البعض، وربما على الرغم من هذا الاتفاق، فإن سياسات الرفض من قبل طالبان ضد الولايات المتحدة سوف تستمر، على الرغم من أنهم أطلقوا علی هذا الاتفاق بأنه اتفاق سلام.
في الوقت نفسه، يحتوي توقيع الاتفاق بين طالبان وأمريكا على نقطتين مهمتين للغاية:
هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان:
يأتي توقيع الاتفاقية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، بعد أن هاجمت الولايات المتحدة حكومة طالبان وأطاحت بها قبل ثمانية عشر عامًا، بدعوى الحرب ضد طالبان. وفي الواقع، كانت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان، تهدف إلى القضاء على طالبان وهزيمتها، ولكنها أدت في النهاية إلى السلام مع طالبان.
والسبب الذي جعل واشنطن تتوصل في النهاية إلى السلام مع حرکة كان هدفها الأساسي تدميرها، هو التكلفة الباهظة للأمريكيين قبل كل شيء.
في الواقع، على الرغم من 18 عامًا من القتال الأمريكي في أفغانستان، کانت طالبان مسيطرةً على جزء كبير من البلاد حتی قبل أشهر فقط، ولا تزال أفغانستان واحدة من أكبر الدول التي يکثر فيها اللاجئون وطالبو اللجوء في العالم.
علاوةً على ذلك، على الرغم من أن الظروف المعيشية قد تحسنت في السنوات الـ 18 الماضية، وخاصةً في المدن الأفغانية، ونمت الفرص التعليمية، ولکن كل هذه الهياكل الفوقية هي في أفضل الأحوال ضعيفة وهشة، وتفتقر إلى البنية التحتية اللازمة. لذا، فإن نتيجة الوجود الأمريكي في أفغانستان، لم تؤد إلى تطور كبير لشعبها منذ ما يقرب من عقدين.
حتى بالنسبة للولايات المتحدة، كانت تكلفة الحرب في أفغانستان أعلى بكثير، كما أن الخسائر التي بلغت أكثر من 2400 جندي أمريكي في هذه الحرب، مرتفعة للغاية بالنسبة للأمريكيين، بالإضافة إلى ذلك، قُتل أكثر من 38 ألف مدني أفغاني في السنوات الـ 18 الماضية، وقد زاد ذلك من استياء الرأي العام من سجل الولايات المتحدة في أفغانستان.
وهذا الاستياء واضح تماماً في أفغانستان وخارجها، وحتى في الولايات المتحدة أيضاً، لدرجة أنه من بين شعارات ترامب خلال الحملة الانتخابية، کان الانسحاب العسكري ونهاية الحرب في أفغانستان.
کما كانت الحرب في أفغانستان مكلفة بالنسبة للولايات المتحدة من الناحية المالية أيضاً، حيث يزعم البنتاغون أنه منذ بداية العمليات الأمريكية في أفغانستان عام 2001، أنفقت الولايات المتحدة حوالي 680 مليار دولار في الحرب الأفغانية.
وقد دفع مجموع هذه التكاليف قادة واشنطن إلی التفکير بالخروج المشرف من أفغانستان قبل كل شيء، تحت عنوان اتفاق السلام مع طالبان.
إضعاف الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة في آسيا الوسطى
إن انسحاب الولايات المتحدة المحتمل من أفغانستان، والذي تم التأكيد عليه خلال الاتفاق مع طالبان، سيضعف أيضًا موقع واشنطن في المنطقة.
وهذا شيء قد يكون الأمريكيون أنفسهم على دراية به، ولكن ربما بعد 18 عاماً من الحرب الباهظة الثمن وغير المثمرة في أفغانستان، لا يوجد خيار لأمريكا سوى مغادرة هذا البلد، علی الرغم من أن هذا الخروج من شأنه أن يقوض موقع أميركا الاستراتيجي في غرب آسيا والشرق الأوسط.
في الواقع، كان الوجود الأمريكي في أفغانستان يأمل في بناء حاجز قوي ضد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، والترکيز على السيطرة علی المحور الإيراني العراقي السوري المعادي لأميركا، من خلال الوجود العسكري في أفغانستان والعراق.
وفي هذه الحالة، فإن ترك أفغانستان سيقوض عملياً جزءًا كبيرًا من قدرة الولايات المتحدة على المناورة في المنطقة، وهذا أمر لا يمکن إنكاره.
من ناحية أخرى، بعد خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، ستخلو الساحة لروسيا في آسيا الوسطى أکثر فأکثر، وكل هذا يعني ضعف الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والغرب، خاصةً وأن الصين توسع نفوذها في هذه الساحة في نفس الوقت.