الوقت- موقف واضح وصريح للإدارة الروسية ظهر في تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما أكد على شرعية الرئيس السوري بشار الأسد، وأن الجيش السوري هو القوة الفاعلة على الأرض في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
إنها تصريحات تشير إلى عدم وجود توافق بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا لأن الخلاف الرئيسي بينهما هو إزالة الرئيس السوري من معادلة الانتقال السياسي، لكن القيادات الأمريكية والأوروبية باتت تتراجع في مواقفها عندما اعتبرت وجود الرئيس بشار الأسد مهماً ولا يمكن عزله مع إصرار الحفاظ على جميع المؤسسات السورية بما فيها الجيش السوري.
يتضح من ذلك أن العمل الروسي مستقل عن القرار والإرادة والتوجيه الأمريكي، وتنظيم داعش الإرهابي هو اللاعب الذي تفهمه جيدا الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا وروسيا بأنه صناعة أمريكية تهدف إلى تزخيم التدخل الأمريكي في المنطقة.
الجهود الروسية المكثفة لحل الأزمة السورية تستند إلى الحفاظ على موقع سوريا الجيوسياسي ومنع محاولات نقلها إلى موقع آخر، على هذا الأساس تتحرك موسكو مع الدول المعنية بالأزمة السورية للبحث عن تسويات سياسية، لتؤكد روسيا كلما دعت الحاجة أن الرئاسة السورية شأن داخلي.
روسيا ترى اليوم أن حلف واشنطن يتقاطع مع تنظيم داعش الإرهابي لتوظيف خدماته في دول المنطقة لذلك فإن الاقتراح الروسي بتشكيل جبهة إقليمية لمواجهة داعش دليل واضح على الفهم الروسي للعبة الأمريكية الخداعة.
موسكو التي ترى في سوريا دولة مركزية، تراهن على الجهود الدبلوماسية، لكن الدبلوماسية يعززها رد العين بالعين. فحكومة موسكو أصبحت توقن جميع المخططات الغربية في المنطقة، وهي تاريخ حافل جعل من أفغانستان مستنقعا للمجموعات التكفيرية والمتطرفة وسوقا لتصدير المخدرات، ودعم نظام صدام في العراق لإخماد الثورة الإسلامية في ايران، واستمرار المخطط في العراق بعد حرق ورقة صدام التي لم تعد تنفع وتقديم وعود بمكافحة تنظيم داعش شريطة تغيير الحكومة العراقية؛ تغيرت الحكومة ولم تبصر الوعود النور بل أصبحت المخططات تستند إلى تقسيمه وتشتيته.
وفي ليبيا ترى موسكو في إسقاط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي بداية لتطبيع مخطط المصالح الغربية بإشراف أمريكي فأصبحت ليبيا محطة لعرس حلف الناتو الدموي عام 2011.
فواشنطن التي اختارت حلولا أمنية في حدود محاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق، تحرص على تقاطع المصالح مع تنظيمي القاعدة وداعش أملا بتوظيف تمدد إلى الشرق وتفتيت البلدان العربية في القضاء على حطام الدول والجيوش والمؤسسات. وفي هذا السبيل تعزز دول تحالف واشنطن الإنهيار الذي يتضخم فيه تنظيم داعش في ليبيا واليمن أو تسعى إلى إطالة أمد الأزمات كسوريا والعراق.
وعلى نقيض هذه الاستراتيجية، تنشط الاستراتيجية الروسية باتخاذها مواجهة تنظيم داعش الإرهابي أولوية تفوق ما عداها، وفي هذه الاستراتيجية ترى روسيا أن حل الأزمة في سوريا يعزز مواجهة الإرهاب، لكنها استراتيجية إقليمية ودولية مشتركة تتجاوز جهود كل بلد بمفرده في البحث عن حماية حدوده التي تتعرض إلى مخاطر وجودية. وواشنطن التي باتت تشعر بعبء استراتيجيتها تتقدم خطوة بمحاذاة موسكو خشية أن يفوتها القطار لكنها لا تلبث أن تتراجع أيضا.
لکن قيادات الكرملين تلاحق جميع المخططات الغربية في المنطقة وباتت تدرك أنها مخططات مصالح قد تتعدى وتصل لقلب روسيا، ما تراه من تخريب غربي لدول كثيرة يؤدي إلى تلبية المصالح الصهيوأمريكية التي عنونتها في كل خطواتها بمكافحة الإرهاب وإحلال السلام والديمقراطية والعدالة. فموسكو ترى في دمشق مركزا للوقوف في وجه المخططات الأمريكية فلا تقبل بأن تتكرر التجربة الليبية والعراقية على الأراضي السورية ولا ترضى بأن تصبح سوريا دولة ديمقراطية على التفصيلة الأمريكية، فإذا خرج الرئيس بشار الأسد من الميدان الحكومي السوري تصبح التوجهات الروسية في المنطقة وخاصة في سوريا سرابا وتخرج روسيا من دائرة المصالح مهزومة.