الوقت- أيّام قليلة تفصلنا عن تاريخ انتهاء عقد تأجير أراضي الغمر والباقورة الأردنيتين للكيان الإسرائيلي بموجب اتفاقية "وادي عربة"، وبذلك يستعيد الأردنيون بعد ربع قرن المنطقتين من الاحتلال الإسرائيلي.
الأردنيون ينتظرون بشوق يوم السادس والعشرين من الشهر الحالي حيث ستعمّ الفرحة على الأردن من شماله حيث تقع الباقورة إلى جنوبه حيث توجد الغمر وما بينهما من شعب أردني مقاوم، يرفض التطبيع ويرفع لواء القضيّة الفلسطينية، ففي تاريخ 26 تشرين الأول الحالي يمضي على اتفاقية السلام بين الأردن والكيان الإسرائيلي 25 عاماً، وينتهي فيها عقد التأجير لأراضي منطقتي الباقورة والغمر، بموجب الملحقين 1/ب و1/ج حيث ينص الملحقان في البند السادس منهما على تأجير المنطقين لمدة 25 سنة من تاريخ دخول معاهدة السلام حيز التنفيذ.
العام الماضي أبلغ الأردن الكيان الإسرائيلي بعدم تجديد الاتفاقية، كون الملحقان ينصان على التجديد تلقائياً لمدد مماثلة، ما لم يخطر أي الطرفين الآخر بإنهاء العمل بالملحقين قبل سنة من تاريخ التجديد، وقد أوضح المحامي الأردني الأسبق صالح العرموطي إن 10 تشرين الثاني المقبل هو موعد تسليم المنطقتين للأردن، لأنه تاريخ نشر اتفاقية السلام مع الكيان الإسرائيلي بالجريدة الرسمية ودخولها حيز التنفيذ.
لطالما اعتقدنا أن الحقّ الذي أخّذ بالقوة لن يستردّ إلاّ بالقوة، وبالتالي نتوقع المماطلة والمحاولات المساومة الإسرائيلية قبيل تسليم هاتين المنطقتين الأردنيتين، وهنا نشير إلى التالي:
أوّلاً: الكيان الإسرائيلي هو كيان عدواني بطبيعته، ولا ندري مدى التزامه ببنود الاتفاقيّة، فهل سيتسلّم الأردن أراضيه في الموعد المحدد أم إن الكيان الإسرائيلي سيماطل ما يُجبر الأردن على اللجوء للتحكيم الدولي، واستصدار قرار قضائي يجبر الكيان المحتلّ على إعادة الباقورة والغمر.
ثانياً: بعيداً عن مصير هاتين المنطقتين، فإن تجربة 25 سنة من السلام "الباهت" فشلت في وضع الشعب الأردني على سكّة التطبيع، بل إن أشكال المقاومة تزداد يوماً بعد آخر.
رئيس الموساد الأسبق "إفراييم هليفي" قال بمُناسبة مرور 25 عاماً على توقيع اتفاق السلام بين "إسرائيل" والأردن: "إنّه يرى خطراً كبيراً على اتفاق السلام مع الأردن".
اليوم، إن أي تصرّف أرعن من الحكومة الإسرائيلية التي أمعنت في السنوات الأخيرة من احتقار الأردن والتقليل من وزنه والاستخفاف به، سيزيد من حدّة الغضب الأردني وسيحوّل الأردن إلى نار مشتعلة قد يصل لهيبها إلى ما بعد الأغوار.
ثالثاً: ترى مصادر في تل أبيب أن الرأي العام في الأردن ضدّ سياسة الكيان في المناطق الفلسطينيّة المُحتلّة، بالإضافة إلى ذلك، حادثة إطلاق النار من قبل الحارس في السفارة الإسرائيليّة على مواطنين أردنيين اثنيْن وقتلهما، وذلك في الـ23 من شهر تموز (يوليو) من العام 2017، فضلاً عن محاولة تقويض السيادة الأردنية على القدس المحتلّة، في حين قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، الدكتور نضال الطعاني: "لكل حادث حديث، وكل السيناريوهات مطروحة، والأردن يستعد دائماً للتعامل مع أسوأ الظروف، وإن الأردن متمسّك بتسلّم تلك الأراضي في الموعد المتفق عليه، وهناك ضغوطات شعبية كبيرة لاستردادها، بجانب إصرار ملك الأردن على عودة هذه الأراضي لسيادتنا، مرة أخرى"، كما تحدّثت تقارير إعلاميّة إسرائيلية عن اتصالات مكثفة يجريها الكيان الإسرائيلي مع الأردن لمحاولة تمديد الاتفاقية، حيث كشفت صحيفة "ميكور ريشون" الإسرائيلية أن مجلس الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء، يجري اتصالات مع الجانب الأردني بشأن أراضي الغمر والباقورة، وبالتالي، إن إعلان نتنياهو ضم مناطق غور الأردن، وشمال البحر الميت، تؤكد أن مهمة صعبة ستقودها الدبلوماسية الأردنية، لاستعادة الأراضي إلى سيادتها، وليس من السهل استلام الأردن لمنطقتي الباقورة والغمر من دون عراقيل.
رابعاً: الدكتور نادية سعد الدين، الكاتبة الأردنية والباحثة في العلوم السياسية أشارت إلى أنه صدرت عدة تصريحات من مسؤولين إسرائيليين مؤخراً لاستهداف الاتفاقيّة، مشيرةً إلى أنّه هناك مراوغة من الجانب الإسرائيلي، والذي قد يلجأ إلى التلاعب بنصوص الاتفاق، لمحاولة إيجاد ثغرات قانونية تحسب لمصلحته. لا نستبعد أن يساوم نتنياهو على غور الأردن مقابل هاتين المنطقتين، بطبيعة الحال سترفض الأردن هذا الطرح، وبالتالي يحتفظ الكيان الإسرائيلي بالغور والباقورة والغمر.
ختاماً، الأردن سيخرج رابحاً من المعركة التي تنتظره ففي حال استعادة أراضيه يكون قد حقّق أهدافه، والحكومة هي الرابح الأكبر، وأما في حال المماطلة الإسرائيلية فإنها ستزيد نبض المقاومة في الشارع الإردني، وسيكون هذا الملف حجر عثرة أمام صفقة القرن، وبالتالي سيكون الكيان الإسرائيلي هو الخاسر الأكبر.
نعتقد أن هذه التجربة أيضاً ستزيد من قناعتنا التي أسلفتها أعلاه بأن الحقّ الذي أُخذ بالقوة لم ولن، يُستردّ إلاّ بالقوّة.