الوقت- الفقر يعدّ ظاهرة عالمية وأحد أهم المشكلات الاجتماعية الموجودة في جميع المجتمعات وعلى الرغم من أن الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية لكل دولة تلعب دوراً مهماً في الحدّ من هذه المشكلة، إلا أنه يكاد يكون من المستحيل إيجاد بلد ما لا يوجد فيه فقراء، وتعرّف المنظمات الدولية الفقر على أنه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات البسيطة من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم، وكل ما يعدّ من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق للحياة، واتسع هذا المفهوم وأصبح أكثر شمولاً خصوصاً بعد قمة "كوبنهاغن" التي عقدت في عام 2006 والتي شددت على أهمية حصول الفرد على الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
أمريكا.. فقر في أغنى دولة في العالم
كشفت تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بالفقر وحقوق الإنسان أن أمريكا تعدّ واحدة من الدول التي يعاني الكثير من شعبها من الفقر المدقع، بالإضافة إلى التمييز الطبقي الفاحش الآخذ بالازدياد مع مرور الوقت، وعلى الرغم من ادعاءات المسؤولين الأمريكيين بأن بلادهم مزدهرة اقتصادياً واجتماعياً، إلا أن الحقائق والتقارير الصادرة عن الهيئات الدولية تكشف بوضوح زيف هذه الادعاءات. وتؤكد الوقائع أن نسبة كبيرة من الأمريكيين يعانون من الفقر والجوع وعدم توفر السكن اللائق، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة ممن يفترشون الأرض لعدم توفر المأوى أو بحثاً عن لقمة طعام يسدون بها جوعهم، وقد أكد مقرر الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان "فيليب ألستون" في تقرير له ارتفاع مستويات الفقر بأمريكا في ظل إدارة الرئيس "دونالد ترامب"، وأشار المسؤول الأممي إلى أن الفقر في أمريكا واسع النطاق ويستفحل في ظل الإدارة الحالية التي يبدو أن هدفها إلغاء شبكة الأمان التي تحمي ملايين الفقراء فيما تكافئ الأغنياء.
والفقر المدقع في أمريكا ليس جديداً، فالسياسات المتبعة منذ الحرب التي أعلنها الرئيس الأسبق "ليندون جونسون" على الفقر في ستينيات القرن الماضي كانت تتسم بالتقصير بكل الأحوال، والسياسات التي تم انتهاجها العام المنصرم لم تكن أفضل من سابقاتها بحسب تقرير الأمم المتحدة، ولقد أكدت العديد من التقارير الإخبارية بأن الفقراء في أمريكا يحصلون على القليل من الملابس، وليس من قبيل الصدفة أن ترى المزيد من المشردين الذين ينامون في الشوارع في "لوس انجلس" أو "نيويورك" وغيرها من المدن الكبيرة.
أوروبا: الحياة السوداء في القارة الخضراء
يعتقد الكثير من الناس بأن قارة أوروبا تعتبر جنة على الأرض ولكن الحقيقة غير ذلك، فلقد أكدت العديد من التقارير الإخبارية بأن القارة الخضراء تعاني أيضاً من مشكلة الفقر وهذا الأمر يؤكده الاعتراف الذي أدلى به "شيفون كولينجوود"، مدير إحدى مدارس مدينة "لانكشاير"، الواقعة شمال غرب بريطانيا، حيث قال بأن طلاب مدرسته يعانون من الجوع لدرجة أنهم يبحثون عن الطعام بعد دخولهم إلى المدرسة في صناديق القمامة ولفت إلى أنه من بين كل عشرة طلاب في المدرسة، هنالك واحد منهم يؤمن احتياجاته الغذائية من بنك الطعام (مؤسسة لمساعدة المحتاجين).
إن قضية الفقر والجوع في أوروبا لا تقتصر فقط على بريطانيا، بل إن هناك العديد من البلدان في هذه القارة الخضراء، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، اللتان تعانيان أيضاً من هذه المشكلة الاجتماعية وهناك الكثير من المدارس في هذه البلدان يعاني طلابها من الفقر والجوع وهناك فقراء ومحتاجون في كل المدن الكبيرة مثل ميونيخ وبرلين وباريس ولندن ويمكن رؤية المشردين والمتسولين في الطرقات ومحطات المترو.
إن أوربا ليست كما يتصور البعض جنة الثراء والرخاء في العالم، بل فيها أيضاً من لا يجد قوت يومه، ومن ليس له مأوى يحميه من برد الشتاء القارص، ورغم أن الاتحاد الأوروبي كان قد أعلن أن سنة 2010 هي السنة الأوروبية لمكافحة الفقر، إلا أن الظاهرة ما زالت موجودة بقوة، وتشير تقارير الاتحاد الأوروبي إلى أن معدلات الفقر في دول الاتحاد وصلت إلى 16% ، وهي مرتفعة في الجنوب عنها في الشمال حيث تصل إلى المستوى الأدنى في الدول الاسكندنافية في حين تصل في إسبانيا واليونان إلى 20% ، أما أكثر الفقراء الأوروبيين فهم المجريون والبلغار والرومانيون.
وفي سياق متصل تفيد العديد من التقارير بأن هناك صناديق مخصصة للأطفال في كوريا الجنوبية التي تعدّ من أغنى دول العالم وفائدة هذه الصناديق هي تسهيل عملية إيجاد وتبني أطفال الآخرين الذين قامت أمهاتهم بوضعهم في هذه الصناديق خوفاً من الفقر والجوع، وأما بالنسبة لدولة سويسرا، فلقد قامت السلطات السويسرية بعمل "ابتكارات" لنشر ثقافة حضانة وتبني الأطفال الرضع، وفي هذا الصدد، قامت الحكومة السويسرية بتركيب نوافذ لوضع الأطفال الرضع بجوار مستشفى مدينة "دافوس"، المدينة التي تستضيف كل عام المنتدى الاقتصادي العالمي والتي تشتهر أيضاً باستضافة واحدة من أكبر منتجعات التزلج على الجليد في البلاد، رغم كل شيء، لا يزال الوضع في سويسرا أقلّ سوءاً مما هو عليه في البلدان الأوروبية الأخرى وهذا الأمر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن ظاهرة الفقر ليست مقتصرة على البلدان الإفريقية والشرق أوسطية وإنما هي ظاهرة عالمية تعاني منها جميع دول العالم.