الوقت- في ضوء الاتصالات الحالية للتوصل إلى تهدئة بين الكيان الإسرائيلي وقطاع غزة، والتي تشارك فيها مصر وقطر والأمم المتحدة وبدعم من البيت الأبيض، وفي الوقت الذي يطلق فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" تصريحات السلام من باريس ويؤكد بأنه "لا يريد بأي ثمن حرباً في غزة لا جدوى منها"، كانت وحدة إسرائيلية خاصة تتسلل إلى قطاع غزة، يوم الأحد الماضي، وتحديداً منطقة شرق خان يونس، لتنفيذ عملية أمنية، تستهدف أحد القيادات المهمة في المقاومة، قبل أن ينكشف أمرها من قبل فصائل المقاومة، الذين تمكنوا من حصارها، لتتدخل بعد ذلك المروحيات الإسرائيلية، وتنفّذ قصفاً مكثّفاً موقعة شهداء وجرحى.
الاشتباكات بين المقاومة وجنود الاحتلال، أسفرت عن استشهاد عدد من عناصر "كتائب عز الدين القسام"، من بينهم المسؤول العسكري في المنطقة "نور بركة"، فيما اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل ضابط وجرح آخر، على الفور، عمدت المقاومة إلى قصف "غلاف غزة"، في ردّ استدعى رفع درجة التأهب إسرائيلياً وقطع بنيامين نتنياهو سفره إلى باريس، كذلك أعلنت المقاومة "النفير العام"، علماً بأنها لم تفكّ استنفارها القائم منذ شهور، رغم الطمأنة المصرية والأممية المتواصلة.
تطورت الأحداث بعد ذلك، حيث ردت المقاومة بإطلاق أكثر من 400 صاروخ حتى الآن، أسقطت منها القبة الحديدية مئة فقط، بحسب الإعلام الإسرائيلي، حصيلة الإصابات في صفوف الجنود والمستوطنين، هي قتيلان على الأقل، وأكثر من مئة إصابة بينها خمس بحال الخطر، كما أطلقت سلطات الاحتلال صفارات الإنذار في المستوطنات على نحو متكرر منذ وقوع الحدث.
الكيان الإسرائيلي بدوره صعّد عدوانه على القطاع المحاصر، حيث استهدف بغارات عنيفة جداً قلب مدينة غزة، ومجمع أنصار التابع لوزارة الداخلية، وشنّت طائرات مروحية للاحتلال غارات على أهداف في خان يونس وغرب مدينة غزة، جوبهت بالمضادات الأرضية للمقاومة التي أطلقت النار على الطيران المروحي الإسرائيلي شرق رفح، وفي دليل على إفلاس الكيان الإسرائيلي أقدمت طائراته الحربية على عملية جبانة باستهداف مقرّ قناة الأقصى الفضائية التابعة لحركة حماس، ما أدّى إلى تدميره بالكامل، فيما واصلت المقاومة دكّ مستوطنات غلاف غزة بعشرات الصواريخ والقذائف.
ردّ نوعي للمقاومة
إلا أن رسالة الردع الأقوى بوجه العربدة الإسرائيلية كانت استهداف حافلة الجنود الصهاينة في مستوطنة «مفلاسيم» شرقي غزة عصر أمس الاثنين، بقذيفة "كورنيت"، حيث أظهر التسجيل الذي بثّته المقاومة للعملية، كيف تم الانتظار حتى نزل 30 جندياً من الحافلة، فيما استُهدفت الحافلة وفيها جندي واحد مع السائق، في رسالة أرادت المقاومة منها إخبار العدو بأنها كانت قادرة على إحداث مجزرة في جنوده، وأن التصعيد الإسرائيلي لن يكون بلا ثمن وسيتبعه ضربات موجعة على الأهداف الإسرائيلية، وقد حمل قصف الحافلة التي تقلّ الجنود رسائل متعددة، حول ضعف الاستعداد الإسرائيلي، وقوة المقاومة وجهوزيتها ودقة رصدها وقربها من الجنود، وإتقانها "فن المعادلات" من خلال قياس الخسائر نسبة إلى طبيعة الرد.
الناطق باسم لجان المقاومة الشعبية في غزة أبو مجاهد قال للميادين: إن "كمين العلم إهداء لأبناء الشعب الفلسطيني ومحور المقاومة الذي يواصل دعمنا"، وحذر من أنه "إذا واصل الاحتلال عدوانه سيشاهد المزيد من هذه العمليات النوعية"، كما أكّد أن "قدرة وقوة المقاومة في تصاعد مستمر" مشيراً إلى أن "مشاهد استهداف الحافلة تعبر عن جزء يسير من قدرات المقاومة الفلسطينية".
تطوّر نوعي في قوة الردع
أمام هذا الفشل الإسرائيلي الذريع في تحقيق "إنجاز صامت" لا يؤدي إلى تصعيد، حاول الكيان الإسرائيلي تمرير تسريبات عبر قنوات إعلامية غير رسمية، بأن القيادة السياسية التي تدير مفاوضات التهدئة مع حماس غير راضية عن عملية الخرق الإسرائيلية، حيث قال المحلل في صحيفة "يديعوت أحرنوت" يوسي يهوشع: إنه "من غير المرجّح أن يوافق نتنياهو على عملية اغتيال أو اختطاف مسؤول كبير في هذا الوقت"، وهذا إنما يشير إلى التخبط الإسرائيلي أمام قوة رد المقاومة، وخشية إسرائيلية من انهيار التهدئة بالمطلق، وهو ما لا تريده.
ومن ناحية أخرى سقطت "أسطورة تفوّق قوات النخبة" في جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد وقوع القوة الإسرائيلية المعتدية في كمين فلسطيني محكم، والنجاة من كارثة مُحتمة لولا القوة النارية الكثيفة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي لإنقاذ ضباطه وجنوده؛ وما لا يقل أهمية هو سقوط قواعد اللعبة التي تحاول إسرائيل أن تمليها على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وانتقال المبادرة في هذا المجال إلى الجانب الفلسطيني
وأثبتت فصائل المقاومة مجدداً تصميمها على حماية شعبها وعزمها على منع العدو من فرض معادلات ميدانية، وأنها لن تقبل تقييد إرادتها بالمواجهة تحت عناوين المساعي للتهدئة أو حتى لكونها حريصة على تجنّب نشوب حرب مع العدو في هذه المرحلة.
كما أرسلت فصائل المقاومة من خلال ردها النوعي على العدوان الإسرائيلي رسالة إلى المطبّعين، والمطبّلين "لصفقة القرن"، بأنها لن تكون لقمة سهلة أمام مساعي تصفية القضية الفلسطينية، إذ أكد حجم الرد الصاروخي للمقاومة حرصها على أن يكون بالمستوى الذي يعمّق قوة الردع الفلسطينية، ويرفع مستوى الإرباك في مؤسسة القرار لدى العدو حول المدى الذي يمكن أن تبلغه المقاومة في مواجهة أي تمادٍ إسرائيلي.