الوقت- منذ بداية الأزمة في سوريا، كان للقوى العظمى وبعض القوى الإقليمية تأثير واضح على سير الأحداث في هذا البلد ولقد أدّى هذا التدخل إلى تأزم الأحداث حتى أصبحت هذه الأزمة أكثر الأزمات تعقيداً في القرن الواحد والعشرين على مدى العقدين الماضيين وبالنظر إلى مجريات الأحداث في سوريا يتبيّن لنا بأن أمريكا وروسيا هما القوتان الرئيسيتان اللتان كان لهما تأثير كبير على سير أحداث هذه الأزمة، كما أن هناك قوى دولية وإقليمية أخرى موالية لإحدى هاتين القوتين الرئيسيتين، وكان لها دور ثانوي في تحديد مستقبل سوريا، وحول هذا السياق نرى بأن الصين هي إحدى القوى الناشئة التي أعلنت بأنها تريد أن تشارك في الأزمة السورية، سواءً على الصعيد الميداني للقضاء على الجماعات الإرهابية أم على صعيد المحادثات التي تسعى إلى إيجاد حلول سياسية مناسبة لكل الأطراف لحل الأزمة في هذا البلد المنكوب.
وفي هذا الصدد، أعلن السفير الصيني في سوريا "تشي تشيانجين" يوم أمس السبت في مقابلة له، عن رغبة بلاده في إرسال قوات إلى سوريا بهدف مساعدة الجيش السوري في عملية تحرير مدينة "إدلب" من أيدي الجماعات الإرهابية وقال "تشيانجين": " إن الجيش الصيني لعب دوراً مهماً في حماية سيادة وأمن وسلامة واستقرار الصين وبنفس الوقت يسعى الجيش الصيني إلى المشاركة في عمليات حفظ السلام في إطار الأمم المتحدة وهناك تعاون جيد بين سوريا والصين في محاربة الإرهاب"، مشيراً إلى أن الصين تراقب الأزمة والقتال في سوريا منذ البداية وبالإضافة إلى السفير الصيني، أعرب "وانغ روي تشنغ" الملحق العسكري الصيني في دمشق، بأن قرار المشاركة في المعارك في سوريا "يحتاج لقرار سياسي"، لافتاً إلى وجود تعاون عسكري بين بلاده وقوات النظام السوري.
الوجود الصيني في سوريا ومشاركتها في التطورات والأحداث التي تعصف بهذا البلد
تعتبر الصين أحد أهم الحلفاء الرئيسيين للحكومة السورية ولقد أعلنت "بكين" بالفعل في ديسمبر من العام الماضي بأنهم قاموا بنشر وحدتين عسكريتين من القوات الخاصة الصينية تسمى "نمور سيبيريا" و"نمور الليل" في سوريا لمساعدة قوات الجيش السوري على التصدي للجماعات الإرهابية، وحتى قبل ذلك، فقد أذنت الحكومة السورية في عام 2015 بحضور خمسة آلاف جندي صيني، لكي يتم نشرهم غرب مدينة اللاذقية" وفي ذلك الوقت أيضاً أعلنت وزارة الدفاع الصينية، بأن مستشاريها العسكريين موجودون بالفعل إلى جانب بعض من أفراد قواتها البحرية والجوية في سوريا.
الوجود المشروع للصين إلى جانب روسيا
لقد استطاعت الصين التنبؤ بمستقبل التطورات السورية ولهذا فإنها أعلنت في وقت سابق عن استعدادها للتعاون مع الجيش السوري لتحرير مدينة "إدلب" ونظراً لقيام العديد من وسائل الإعلام الغربية خلال الفترة السابقة بتلفيق العديد من الأكاذيب للحكومة السورية والجيش الروسي واتهامهما بأنهما استخدما أسلحة محرّمة وغازات كيميائية قاتلة لقتل الأبرياء في بعض المناطق السورية، فإن مشاركة الصين هذه المرة في تحرير مدينة "إدلب" ستعمل على خفض ضغط وسائل الإعلام على عملية تحرير هذه المدينة وسيزيد من مستوى الشرعية الدولية لعميلة التحرير هذه وهنا تجدر الإشارة إلى أن تحالف الصين السابق مع روسيا في مجلس الأمن، يعتبر أهم علامة على وجود ائتلاف وتحالف بين هاتين القوتين الإقليميتين اللتين تدعمان الحكومة السورية وهذا الأمر يظهر بشكل واضح الآن على المشهد الميداني في مدينة "إدلب".
الأعمال التحضيرية المسبقة للصين للدخول والمشاركة في عملية إعادة البناء
يمكن اعتبار دخول الجيش الصيني إلى مدينة "إدلب" مقدمة لمشاركة "بكين" في عملية إعادة إعمار سوريا ولطالما كانت استراتيجية الصين هي تحقيق الكثير من المصالح الاقتصادية من خلال إقامة علاقات دبلوماسية بنّاءة ووثيقة مع الدول الأخرى وذلك لأن هذا الأمر سيزيد بدوره من تأثير الصين على أجزاء مختلفة من العالم وهنا يمكن القول بأن أهمية الوجود المحتمل للصين في إعادة بناء سوريا له أهمية خاصة وذلك لأن حكومة دمشق كانت قد عارضت في السابق مشاركة الأمريكيين والدول العربية والغربية الأخرى في عملية إعادة البناء هذه وبغياب كل هذه الدول، سيكون للصين فرصة للعب دور مهم في مرحلة ما بعد الحرب في سوريا.
بكين تستعرض قوتها أمام واشنطن
إن الحضور الكبير والمتنوع للصين ومشاركتها في معظم الأحداث التي تجري في سوريا، سواءً مشاركتها العسكرية وتدخلها في مدنية "إدلب" السورية، أم مشاركتها خلال فترة ما بعد الحرب لإعادة بناء سوريا، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الصينيين يريدون تعزيز وتعميق نفوذهم في المنطقة والتباهي بقوتهم أمام واشنطن وتُعدّ منطقة غرب آسيا واحدة من أهم المناطق المنافسة للقوى العظمى في العالم وذلك يرجع إلى موقعها الاستراتيجي وخصائصها الجيوسياسية والاقتصادية، وتعتبر الصين التي تسعى أيضاً إلى توسيع نفوذها في المنطقة، من أهم المنافسين لأمريكا وفي خضمّ الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، فإن بكين تسعى للردّ على هذه الحرب الأمريكية بالوجود والمشاركة في الأزمة السورية والوقوف في وجه أمريكا لإجبارها على التراجع عن قرارتها التعسفية المرتبطة بالواردات الصينية إلى أمريكا.