الوقت- في الوقت الذي يقترب فيه الاجتماع المهم للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، مع رئيس أمريكا دونالد ترامب، من نهايته، فإن التصريحات التي أدّلى بها المسؤولون الأمريكيون، وبعض الكوريين، تشير إلى رؤية أوضح حول أهداف واستراتيجيات الجانبين تجاه هذه المحادثات.
فمن ناحية كوريا الشمالية، تشير الأخبار بشكل عام إلى أن كوريا قد وافقت على نزع السلاح النووي، ولكن طريقة ذلك أو الامتيازات التي ستقدّمها مقابل ذلك ما زالت غير معروفة، وزير الخارجية الأمريكي مايك بامبيو وعد كوريا الشمالية في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية كوريا الجنوبية بعد انتهاء زيارته الثانية إلى كوريا الجنوبية بأن بلاده مستعدة لمساعدة برنامج إعادة الإعمار الاقتصادي في كوريا الشمالية شريطة موافقة بيونغ يانغ على وقف برنامجها للأسلحة النووية وأن تخطو في "الطريق الصحيح".
وقال، إذا اختار كيم جونغ الطريق الصحيح، يمكن التنبؤ بمستقبل سلام و "ازدهار اقتصادي" لشعب كوريا الشمالية، إذا اتخذت كوريا الشمالية خطوات سريعة لنزع النووي، فإن أمريكا مستعدة للتعاون مع أصدقائها في كوريا الجنوبية من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي لها.
وبالتزامن مع الوعود الاقتصادية، واصلت أمريكا اتباع سياسة التهديد ضد كوريا الشمالية، وفي وقت سابق من هذا الشهر، صرّح دونالد ترامب أن أمريكا لم تقدّم أي تنازلات لكوريا الشمالية وتدعو إلى نزع السلاح النووي.
وقال ترامب تأكيداً على ضرورة قيام كوريا الشمالية بنزع أسلحتها النووية: "نخوض مفاوضات جيدة جداً، ما نراه هو أنّ كيم جونغ أون، تصرّف بشكل محترم وبسعة صدر برأيي، ثم قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: "تقييمنا هو أن حملة الضغط الكبيرة كانت مفروضة ضد كوريا الشمالية، ولن نتهاون فيها حتى نشاهد إجراءات ملموسة".
إحدى النقاط البارزة حول التوترات بين بيونغ يانغ وواشنطن هي الوتيرة السريعة للتطورات على مدى الأسابيع القليلة الماضية، بحيث زار مايك بومبيو كوريا الشمالية على مدى أسبوعين في مقام رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووزير الخارجية والتقى بكيم جونغ أون وأجرى مباحثات معه، بالإضافة إلى ذلك، قامت كوريا الشمالية مؤخراً بإطلاق سراح 3 متهمين أمريكيين كانوا قد ظلّوا في السجن لفترة طويلة في أمريكا وذلك من دون فرض أي شروط. قد تكون هذه الوتيرة السريعة للتطورات في كوريا الشمالية خلقت فكرة أن بقية الطريق سيكون سهلاً وسريعاً قدر الإمكان.
لكن بالنظر إلى التطورات التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية، بالإضافة إلى استعراض تاريخ تطورات كوريا الشمالية والتجارب التاريخية على مدى العقود الماضية، أظهروا أن هذه العقلية سطحية للغاية، ومن غير المحتمل أن تنزع كوريا الشمالية سلاحها النووي دون الحصول على الضمانات اللازمة، فضلاً عن الحصول على الامتيازات اللازمة ضد أمريكا، التي تهدف إلى تغيير النظام الكوري الشمالي حتى يومنا هذا.
أولاً وقبل كل شيء، ليس واضحاً بالضبط ما تعنيه عبارة "موافقة بيونغ يانغ على نزع السلاح" من قبل المسؤولين الأمريكيين والكوريين. وقال جيم بولتون، مستشار الأمن القومي لترامب، يستوجب على بيونغ يانغ أن تحتفظ بأسلحتها النووية في مكان داخل أمريكا! هل ستنزع كوريا الشمالية سلاحها النووي ثم تجلس على طاولة المفاوضات، كما يقول المسؤولون الأمريكيون؟ هذا ما أسماه بولتون "النموذج الليبي"، الذي قوبل بردّ سريع من قبل كوريا الشمالية.
وقد ردّت كوريا الشمالية فوراً على توهمات بولتون وانتقدته بشدة. وفي بيان لها قالت بيونغ يانغ: إن كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، بمن في ذلك بولتون، يتحدثون بصراحة عن نواياهم الخاصة بـ "نزع الأسلحة النووية، ثم تقديم امتيازات" في تنفيذ نموذج نزع السلاح الليبي. هذه التصريحات لا تشير إلى نوايا الجانب الأمريكي لحل القضايا من خلال الحوار، لكنها تشير بشكل أساسي إلى أفعالهم الشريرة لفرض مصير ليبيا والعراق على الأمة الكورية الشمالية المرموقة، إنّ العالم يعرف جيداً أن بلادنا ليست العراق ولا ليبيا.
هذا البيان النادر من كوريا الشمالية، والإشارة الخاصة إلى مصير ليبيا والعراق، يظهر أن بيونغ يانغ لن تجازف، وهي على دراية كاملة بالأحداث التاريخية وما فعلته أمريكا في الدول الأخرى.
الاتفاق النووي الإيراني وعدم التزام أمريكا بها هي قضية أخرى يجب الإشارة إليها، رغم أنّ بعض المحللين يقولون إن الانسحاب لن يكون له أي تأثير على المفاوضات مع كوريا الشمالية، ولكن ينبغي القول إنه لم يتم بعد إجراء أي مفاوضات لاستنتاج أن تعهدات واشنطن تتعلق باهتمام كوريا الشمالية.
في الوقت الحالي، يمكننا القول إن تفاؤل الغربيين والموالين للغرب بشأن كوريا الشمالية أصبح تشاؤماً على مدار أيام. وبصرف النظر عن بيان كوريا الشمالية، على سبيل المثال، ينبغي الإشارة إلى ردّة بيونغ يانغ على إجراء مناورات مشتركة بين أمريكا وكوريا الجنوبية.
ووصفت كوريا الشمالية هذه المناورة بأنها إجراء عدائي يتعارض مع جهود تقليل الصراعات التي قد تؤدي إلى إلغاء لقاء ترامب وكيم جونغ أون، التهديد الكوري الشمالي دفع أمريكا على الفور للتخلي عن مشاركة قاذفاتها النووية في المناورة، ومع ذلك، ليس من الواضح بعد أن كوريا الشمالية اقتنعت، وربما قد تلغي أو تؤجل زيارة ترامب.
كما أعلنت بيونغ يانغ يوم الجمعة أنها ستمنع الصحفيين الكوريين الجنوبيين من تغطية الأحداث المتعلقة بإغلاق موقع التجارب النووية، الأمر الذي زاد من إبهامات الصراع في شبه الجزيرة الكورية.
في النهاية، ينبغي التأكيد على أن كوريا الشمالية كانت تحت العقوبات الاقتصادية لأمريكا وحلفائها على مدى الستين عاماً الماضية، وأن مصيرها النووي، فضلاً عن تعزيز مفاعلاتها الصاروخية، هو نتاج مقاومة شعبها وحكومتها لمحاولات واشنطن تغيير نظامها.
من غير المحتمل أن تنخدع بيونغ يانغ، التي تذوّقت طعم المفاوضات مع أمريكا عدة مرات والخسارة فيها منذ التسعينات، بالوعود الاقتصادية الأمريكية، التي تعدّ واحدة من أحدث أدوات البلاد للتغلغل الناعم والتخريب، ولن تقع في الفخ الأمريكي بمجرد وعود بتنمّي اقتصادها وثرواتها.