الوقت- لبنان هذا البلد الصغير بحجمه الكبير بتأثيره على محيطه القريب والبعيد، لا يكاد ينجو من فتنة داخلية حتى يُحضر له فتنة أخرى لزعزعة أمنه واستقراره الداخلي، وقد شهدنا مؤخرا سلسلة مخططات لاستهداف لبنان وزعزعة السلم الأهلي فيه وجميعها سقطت بفضل وعي الشعب والحكومة والقيادة واليوم يتم الكشف عن مخطط جديد لاستهداف لبنان عبر آل الحريري ولكن هذه المرة عن طريق شقيقة رئيس الحكومة السابق الشهيد "رفيق الحريري" الذي طالته يد الغدر في في 14 فبراير/شباط عام 2005 مع تسعة من مرافقيه في الاعتداء الذي استهدف موكبه داخل إحدى المناطق الساحلية في بيروت، في حادثة هزت الأوساط المحلية والعالمية وشكلت بعدها محكمة للنظر في القضية.
كيف تم التحضير لاغتيال النائب بهية الحريري ومن المسؤول ولماذا؟!
لا يختلف اثنين بأن اسرائيل كانت وما زالت السبب الرئيس في زعزعة استقرار لبنان منذ سبعينات القرن الماضي عبر استهدافها لشخصيات ورموز لبنانية وفلسطينية لتغييب أي دور فعال للمقاومة اللبنانية والفلسطينية والقضاء على أي منظمة أو حكومة أو جماعة تقف في وجه مخططاتها التوسعية الاستعمارية ولا أحد يستطيع أن ينسى اجتياحها للبنان في عام 1982 واحتلالها للجنوب، ليتبع ذلك اعتداءات أخرى في مناسبات مختلفة إلى أن كسرت شوكتها عبر "حزب الله" اللبناني في حرب الـ 33 يوم عام 2006، ومع ذلك لم تتوقف اسرائيل عن تقويض أي نشاط فعال في لبنان يهدف إلى لم الشمل بين الأحزاب اللبنانية عبر تجنيد عملاء لتحقيق مشاريعها التقسيمية والفتنوية والتي كان آخرها استهداف النائب بهية الحريري شقيقة والد رئيس الحكومة الحالي، سعد الحريري والذي استهدف هو الآخر وأجبر على الاستقالة في السعودية لخلق فتنة جديدة في لبنان والقضاء على أي دور فعال له ومن ثم محاصرة المقاومة اللبنانية وتوريطها بحرب داخلية ولكن من سوء حظ السعودية أن مشاريعها تبوء بالفشل الواحدة تلو الأخرى.
أن تستهدف اسرائيل لبنان وسلمه الأهلي ووحدته الوطنية وبنيته الاجتماعية والثقافية الغنية والمتنوعة هذا أمر نفهمه ولكن أن تتقاطع مصالح اسرائيل مع السعودية في لبنان وتعمل الأخيرة على زعزعة استقرار لبنان هذا أمر يدعو للحيرة والاستغراب ممن تعد نفسها حامية الحمى والمدافع الأول عن العرب وسلامتهم وأمنهم ووحدتهم الوطنية.
بكل الأحوال وبالعودة للمشروع الصهيوني الجديد في لبنان كشفت مصادر قضائية في لبنان عن مخطط لاغتيال بهية الحريري عقب إعلان رئيس الحكومة استقالته من السعودية كانت تحضر له اسرائيل، وفي التفاصيل صدر قرار ظني عن قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا اتّهم فيه الموقوف محمد مصطفى الضابط والفار من وجه العدالة وليد حسن ناقوزي بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي والتحريض على اغتيال النائب بهية الحريري.
وكان من اللافت التوقيت الذي اختارته إسرائيل لاغتيال النائبة الحريري، بالتزامن مع احتجاز ابن شقيقها الرئيس سعد الحريري في السعودية بهدف إذكاء الفتنة الداخلية في البلاد. واعترف الضابط أنّه بعد استقالة الرئيس سعد الحريري "في 4 تشرين الثاني / نوفمبر الفائت "، طلب منه الفار من وجه العدالة وليد حسن ناقوزي المقيم في "إسرائيل"، العمل والتخطيط لاغتيال النائب بهية الحريري لافتعال خضّة في الداخل اللبنان، كذلك تصوير مراكز حزبية وجمع معلومات عن كوادر وقيادات حزب الله.
ووفقا للقرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق الأول أبو غيدا، قال النقوزي للضابط "عليك افتعال خضّة في الداخل اللبناني لضرب السلم الأهلي"، فأجاب الضابط: "مش فارقة معي.. المهم يتحسّن وضعي المادي". وأضاف العميل النقوزي: "عليك القيام بعملية اغتيال النائب بهية الحريري، وبعد الاغتيال يصبح وضعك فوق الريح وننسق سفرك إلى تركيا، لا تضيع هذه الفرصة عليك".
هذا الكلام ليس إلا دليل جديد يؤكد بأن اسرائيل متورطة في قتل الأخ سابقاً "رفيق الحريري" وحاليا تريد قتل الأخت، والهدف من ذلك تقويض أعداءها عبر ورقة الاغتيالات، وجميعنا يذمر الفتنة التي تلت اغتيال الحريري في لبنان واتهام سوريا ولاحقاً حزب الله، وما أشبه اليوم بالأمس.
هذا الامر درس كبير لأي مرحلة ضبابية مغلقة باعتبار أن اسرائيل تسعى للاصطياد في الماء العكر. يجب التريث قبل توجيه أي اتهام لأي جهة داخلية، ولو نجح هذا الأمر لوجهت اصابع الاتهام تجاه حزب الله، بغية ايجاد فتنة داخلية برعاية سعودية تحدّث عنها السبهان.
ويبدو أن هناك تنسيق اسرائيلي سعودي في هذا الصدد، وقد لانستغرب ذلك لأن هناك سوابق لهذا الأمر تحدث عنها السيناتور الأمريكي البارز تشاك غراسلي، في خريف العام 2016 في مقابلة مع مجلة "بوليتيكو" قال حينها: إن " بعض الوثائق التي تم الحصول عليها حديثا أظهرت أن إسرائيل نفذت عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري بمساعدة من السعودية"، مضيفاً: " هناك بعض الأدلة القطعية تثبت دور المملكة المباشرة في العمليات الإرهابية الأخرى بما في ذلك اغتيال رفيق الحريري".
في الختام؛ يجب أن نذكر بأن الوحدة الوطنية في لبنان هي التي حالت وتحول دون تحقيق هذه المشاريع الفتنوية، ولكن يجب التحذير في الوقت نفسه بأن المشروع الاسرائيلي لزعزعة استقرار لبنان لن يقتصر على بهية الحريري فقد نشهد اغتيالات مقبلة ستسعى اسرائيل لاتهام حزب الله بالوقوف خلفها بغية اشغاله لسنوات اضافية في الداخل اللبناني، تماما كما حاولت اشغاله لسنوات في سوريا.