الوقت- بدأ مسعود بارزاني مرحلة الترويج الإعلامي لشخصه وذلك قبيل الموعد المقرر للاستفتاء حول مصير إقليم كردستان العراق. استفتاء يأتي في سياق معارضة دولية وإقليمية وعراقية واسعة، معارضة لم يعرها الأخير أي أذن صاغية كما يبدو أنه ليس مهتما بموقف الأطراف المعارضة في داخل الإقليم وخصوصا كركوك التي يصر بارزاني أن تشارك في الاستفتاء كما بقية المناطق على رغم وجود شريحة شعبية واسعة تخالف هذا التوجه.
كركوك وما لها من حيثية سكانية وشعبية تعتبر اليوم التحدي الأكبر أمام استفتاء إقليم كردستان، وسبب هذا الأمر اعتبارات مختلفة سنحاول تسليط الضوء عليها في معرض مقالنا هذا.
الرفض العربي التركماني للاستفتاء
منذ اليوم الأول أعلنت الأطراف العربية والتركمانية الموجودة في الإقليم (13 حزب عربي و7 أحزاب تركمانية) رفضها لأي قرار يهدف للانفصال عن العراق، وقد قاطعت هذه الأحزاب والقوى الفاعلة في كركوك كل الأنشطة المتعلقة باستفتاء إقليم كردستان، ووجهت نداءا لمناصريها للامتناع عن المشاركة في الاستفتاء المزمع.
الأحزاب التركمانية ومن خلال بيان مشترك لها يوم السبت والأحزاب العربية البارحة الأحد أعلنت أن قرار إجراء الاستفتاء الذي تم في جلسة المحافظة بتاريخ 29 أغسطس آب الماضي بغياب الأحزاب العربية والتركمانية هو قرار غير قانوني ومغاير للقانون العراقي الذي تتبع له المحافظة.
هذا الكلام والمواقف العربية والتركمانية تأتي في وقت انشغل فيه بارزاني بتقديم مقابلات تلفزيونية لشبكات كالعربية والبي بي سي، لقاءات ألمح فيها بارزاني إلى أن الأكراد جاهزون للحفاظ على كركوك من خلال قوة السلاح. معتبرا كركوك نموذجا للتعايش بين القوميات والأديان المختلفة. مشترطا من أجل تأخير الاستفتاء إقرار البرلمان العراقي بحق كردستان في تقرير المصير والأهم والأخطر القبول بضم كركوك إلى المناطق المزمع إجراء الاستفتاء داخلها.
هذا الكلام لبارزاني يتنافى بشكل قاطع مع موقف الأحزاب العربية والتركمانية في كركوك. كركوك التي لا تزال تابعة إداريا للحكومة العراقية المركزية في بغداد. كلام بارزاني حول جهوزية الأكراد للدفاع عسكريا عن كركوك يؤكد أن الأمور قد تنحو باتجاه سيء فيما يخص إجراء الاستفتاء في كركوك.
هنا من الجدير التذكير أن قرار مجلس محافظة كركوك إجراء الاستفتاء مع إقليم كردستان والذي تم أواخر الشهر الماضي أتى بأغلبية 26 من 41 عضو وهم الأعضاء الأكراد في مقابل مقاطعة بقية الأعضاء من العرب والتركمان. إذا أين وحدة الحال والتعايش التي يتحدث عنها بارزاني وقد امتنع أكثر من ثلث أعضاء المحافظة من المشاركة في جلسة تصويب الاستفتاء. استفتاء لا شرعية شعبية له ولا قانونية وكافة القوميات الموجودة في كركوك ترفضه بشكل قاطع.
رفض الحكومة المركزية في بغداد إجراء الاستفتاء في كركوك
محافظة كركوك وعلى عكس إقليم كردستان تتبع بشكل كامل ومباشر للحكومة العراقية المركزية التي تخالف بشدة الاستفتاء وتعتبره غير مشروع. طبعا هذا لا يعني أن الاستفتاء في إقليم كردستان مشروع، بل إنه مرفوض ويخالف القانون العراقي أيضا، ومن المفترض أن يكون العراق هو أول من يعطي المشروعية لهكذا استفتاء وما يمكن أن يصدر عنه، أو أنه بطبيعة الحال سيكون غير قانوني ولا يمكن أن يتم ترتيب أي اثر عليه.
تحدي الرفض الدولي والإقليمي
ناهيك عن الموقف العراقي الداخلي الرافض فإن المجتمع الدولي ودول الجوار أكدت مرارا أنها ضد تقسيم العراق. فأمريكا والغرب بشكل عام لم يبدو موقفا مشجعا لهذا الأمر وكذلك دول المحيط كتركيا وإيران فهي من أشد المخالفين لهذه الخطوة التي من شأنها إضعاف العراق وليس تعزيز قوته.
طبعا تبقى بعض الدول التي تريد الفتنة ولها مآربها تشجع هذا الأمر وتدعم التوجه الكردي ومنها الكيان الإسرائيلي والسعودية والإمارات.
التحدي القانوني
الموضوع القانوني بدوره هو واحد من التحديات التي تواجه إقليم كردستان، فالقانون العراقي لم يعطي الحق للأكراد (أو لغيرهم) بتقرير مصيرهم، كما أن دستور الإقليم لم يشر إلى هذا الحق بالمطلق.
وطالما أشرنا إلى دستور الإقليم الذي يقره مجلس نواب الإقليم فإن هذا المجلس معطل منذ سنوات والسبب الخلاف بين رئيسه وبارزاني على بعض البنود التي تتعلق برئاسة الإقليم. ولذلك يفضل بارزاني تعطيل البرلمان واللعب على ساحة الإقليم كما يحلو له ودون وجود أي سلطة رقابية عليه.
منذ أيام تتحدث مصادر كردية من داخل الإقليم عن مسعى لبارزاني لعقد جلسة للبرلمان بهدف إضفاء شرعية معينة على الاستفتاء دون وجود رئيس البرلمان. وبالفعل أعلن اليوم عن اتفاق بين المكونين الكرديين الرئيسيين في الإقليم على إعادة جلسات البرلمان وتشكيل جلسة خلال الأيام المقبلة للتصويت على قانون خاص يعطي بعض الشرعية للاستفتاء المزمع مع تأخير البحث في موضوع رئاسة الإقليم وهو مطلب بارزاني.
إذا هي أيام مصيرية قليلة تفصلنا عن الاستفتاء الغير قانوني المزمع في الخامس والعشرين من هذا الشهر، استفتاء وبغض النظر عن أهداف بارزاني يشق الصف العراقي والكردستاني داخل الإقليم ومن الممكن أن يؤسس لعداوة ومواجهة في المستقبل بين مختلف القوميات الموجودة في الإقليم وفي كركوك التي يرفض جزأ كبير من سكانها أن تنضم لإقليم كردستان.