الوقت- جاء قرار مجلس الأمن الأخير بتمديد العقوبات على اليمن مرة أخرى ليكشف بوضوح أن المجتمع الدولي، ممثلًا بالأمم المتحدة، لم يعد ينظر إلى اليمن كدولة ذات سيادة وشعب يستحق السلام، بل كملف إداري تُدار فيه مصالح القوى الكبرى وتُستخدم فيه أدوات الضغط الدولية لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في البحر الأحمر، فالقرار، الذي صيغ خلف أبواب مغلقة وبضغط واضح من واشنطن ولندن، لا يعكس احتياجات اليمنيين ولا يأخذ بعين الاعتبار التحولات الداخلية أو حق الشعب في مقاومة التدخلات الخارجية، بل يكرّس حالة الوصاية المفروضة منذ سنوات، وبينما تواصل الأمم المتحدة الحديث عن “السلام” و“الاستقرار”، تأتي العقوبات لتُبقي اليمن أسيرًا لحسابات الدول الكبرى التي لم تتعامل يومًا بجدية مع معاناة الشعب اليمني، وهكذا يُستخدم مجلس الأمن مرة أخرى غطاءً لتمرير سياسات لا تمتّ لحقوق الشعوب أو مبادئ السيادة الوطنية بصلة.
العقوبات كأداة لشرعنة التدخل وغياب أي أساس قانوني
يحتاج قرار تمديد العقوبات إلى قراءة تتجاوز النص المكتوب، فالمسألة لا تتعلق بضبط السلاح ولا بحماية الملاحة كما تدّعي القوى الغربية، بل بفرض “شرعية دولية مصطنعة” على تدخل خارجي يمتد منذ ما يقارب عقدًا كاملًا، فالعقوبات تستهدف طرفًا يمنيًا واحدًا وتحابي أطرافًا أخرى شاركت في النزاع وأضرت بالمدنيين، ما يكشف انحيازًا فاضحًا يجعل القرار فاقدًا للمشروعية القانونية والأخلاقية.
كما أن تجاهل مسار التطورات الداخلية في اليمن والتغيّر الكبير في موازين القوى يعكس عقلية أممية تتعامل مع البلاد كملف جامد لا كدولة ذات سيادة، إضافة إلى ذلك، تفتح المقترحات البريطانية بشأن التفتيش البحري الباب أمام نوع جديد من الوصاية، إذ تحاول لندن تحويل البحر الأحمر إلى منطقة مراقبة دائمة تحت ذريعة “الأمن الدولي”، هذا الإجراء، وفق خبراء القانون الدولي، يُعدّ انتهاكًا مباشرًا لحرية الملاحة واعتداءً على سيادة الدول المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمتها اليمن، وبذلك تتحول العقوبات من أداة “سلام” إلى وسيلة لفرض واقع سياسي يخدم مشروعات دولية كبرى، لا مصلحة الشعب اليمني.
اللاعبون الخارجيون.. مصالح اقتصادية تُلبس لباس الأمن الدولي
الدور الغربي في صياغة القرار لا يمكن فصله عن مصالح استراتيجية واضحة تسعى واشنطن ولندن إلى تثبيتها في البحر الأحمر وخليج عدن، فلطالما اعتبرت القوى الغربية هذا الممر البحري أحد أعمدة نفوذها الاقتصادي والعسكري، ومع تراجع هيمنتها أمام صعود قوى جديدة كالصين، تتجه إلى توظيف ملف اليمن لإعادة تشكيل خارطة السيطرة البحرية، ومن هنا يصبح الحديث عن “تهديد التجارة الدولية” غطاءً سياسيًا لتبرير وجود عسكري طويل الأمد في المنطقة. كما أن الدول الغربية التي تصف نفسها بـ"المدافعة عن الاستقرار" هي ذاتها التي سلّحت أطرافًا في الحرب وأسهمت في استمرار النزاع، بينما تتجاهل كليًا مسؤوليتها في الكارثة الإنسانية التي وصل إليها الشعب اليمني.
أما الأمم المتحدة، فبدل أن تمارس دور الوسيط النزيه، أصبحت منصة لتسويق الرؤية الغربية، متجاهلةً حقوق اليمنيين في تقرير مصيرهم، ومن اللافت أن القوى الكبرى تتعامل مع اليمن ليس كأمة تطالب بالكرامة والسيادة، بل كـ“ممر بحري” و“منطقة نفوذ”، الأمر الذي يفرغ الخطاب الدولي من أي مضمون أخلاقي ويحوّل العقوبات إلى امتداد طبيعي لمشروع السيطرة الأجنبية.
الصين وروسيا… اعتراض خجول لا يكسر قواعد اللعبة
على الرغم من امتناع الصين وروسيا عن التصويت، إلا أن مواقفهما بدت أقل حدة مما كان يتوقعه اليمنيون الذين يرون في القوى الكبرى شريكة في ترسيخ نظام العقوبات المفروض على البلاد، فقد اكتفى البلدان بالتعبير عن قلقهما من طابع القرار السياسي، دون اتخاذ موقف صريح يعيد النقاش إلى جوهره: حق الشعب اليمني في السيادة وإنهاء الوصاية الدولية، فالصين، التي يعبر معظم تجارة بضائعها عبر البحر الأحمر، قلقة من الهيمنة الغربية على الممرات البحرية، لكنها لا ترغب في صدام مباشر مع واشنطن ولندن، ما يجعل اعتراضها محدود التأثير.
أما روسيا، رغم انتقادها لاستخدام العقوبات كأداة سياسية، فإن موقفها ظل في إطار المناورة الدبلوماسية، لا في مستوى الدفاع الحقيقي عن سيادة اليمن، والحقيقة أن القوى الكبرى، سواء الغربية أو الآسيوية، تنظر إلى اليمن من زاوية المصالح وليس المبادئ، ولذلك يبقى الشعب اليمني وحيدًا في مواجهة منظومة دولية تتحرك وفق حسابات السوق والجغرافيا السياسية، لا وفق العدالة أو الاستقلال الوطني، ويعكس هذا الواقع أن اليمن لم يعد محطة في صراع داخلي، بل نقطة تقاطع لمشاريع دولية تتنافس على الثروة والموقع الاستراتيجي.
في الختام، يبرهن قرار تمديد العقوبات أن القضية اليمنية تُدار اليوم خارج إرادة اليمنيين، وبما يخدم اللاعبين الخارجيين أكثر مما يخدم السلام، فالأمم المتحدة لم تعد جهة محايدة، بل تحولت إلى منصة تُشرعن التدخلات وتُعيد إنتاج الأزمة بدلاً من حلّها، ففي ظل غياب رؤية تحترم سيادة اليمن وتضع الإنسان اليمني في مركز الاهتمام، تصبح العقوبات مجرد آلية لإدامة الحرب، وإبقاء البلاد تحت خط الفقر، وفتح البحر الأحمر أمام مشاريع الهيمنة الدولية، إن اليمن اليوم بحاجة إلى مسار جديد يخرج من هيمنة القوى الخارجية، ويعيد الاعتبار لحقوق الشعب اليمني في تقرير مصيره، لن يأتي الحل من مجلس الأمن ولا من الدول التي أشعلت الحرب، بل من إرادة اليمنيين أنفسهم حين يقررون استعادة سيادتهم رغم كل الضغوط.
