الوقت - وفق ما أفصحت عنه المصادر الرسمية المتصلة بالأجهزة الأمنية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد نجح جهاز الاستخبارات الإيراني في اختراق الحصون المنيعة للكيان الصهيوني، ليظفر بسيل جارف من المعلومات والوثائق الاستراتيجية والحساسة، يتصدرها آلاف الوثائق المتصلة بمخططات ومنشآت ذلك الكيان النووية.
وكان جهاز الشاباك وشرطة الاحتلال قد أماطا اللثام قبل سبعة عشر يوماً، في بيان رسمي، عن إلقاء القبض على “روي مزراحي” و"ألموغ أتياس"، وكلاهما في الرابعة والعشرين من العمر، من قاطني “نشر” في شمال الأراضي المحتلة، بتهمة التخابر مع إيران.
وأفادت وكالة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية بأن القبض على هؤلاء الأشخاص، إذا ما كان متصلاً بالقضية الراهنة، قد تمّ بعد أن أبحرت شحنات الوثائق خارج الأراضي المحتلة.
وأماطت هذه المصادر اللثام عن أنه على الرغم من أن عملية الاستيلاء على الوثائق المذكورة قد أُنجزت منذ برهة، إلا أن الحجم الهائل للوثائق وضرورة النقل الآمن لجميع الشحنات إلى أحضان الوطن، استدعى فرض تعتيمٍ إعلامي حتى التيقن من وصولها جميعاً إلى الملاذات المحصنة المنشودة، كما أفضت المصادر المطلعة إلى وكالة الإذاعة والتلفزيون، بأن وفرة الوثائق بلغت من الضخامة حداً استغرق فيه مجرد فحصها ومعاينة الصور والأفلام وقتاً يُعتد به.
هذه العملية، التي تُعد ضربةً قاصمةً للهيبة المزعومة والسمعة المتضخمة لأجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية، تنطوي على أبعاد متشعبة لإيران والكيان الصهيوني على حد سواء.
تعزيز الصدارة الاستخباراتية
إن الوصول إلى وثائق في غاية الحساسية للكيان الصهيوني، وبالأخص تلك المتعلقة بالمنشآت النووية، من شأنه أن يُعلي من شأن الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية ويرفع قدرها في الداخل والخارج.
يجسّد هذا الإنجاز الفذّ قدرة إيران الفائقة على اختراق أحد أكثر الأنظمة الاستخباراتية تحصيناً وتدريعاً في المنطقة، وكان رئيس الشاباك قد أقرّ سابقاً، في تقريره السنوي بمناسبة انقضاء العام الميلادي، بأن عمليات التجسس لمصلحة إيران خلال عام 2024 قد تضاعفت بما يفوق أربعة أضعاف.
وکتبت صحيفة هآرتس في تقرير حول هذا الشأن، نقلاً عن بيانات أفصح عنها الشاباك: “شهد عدد المعتقلين بسبب أنشطة التجسس لمصلحة إيران (وفقاً لمزاعم هذا الجهاز الأمني الصهيوني) ارتفاعاً بنسبة 400%، ما ينمّ عن اختراقٍ واسع النطاق من قبل أجهزة الاستخبارات الإيرانية للأراضي المحتلة”.
ورقة ضغط سياسية وإعلامية ذات حدين
بوسع إيران توظيف هذه الوثائق كأداة للدعاية السياسية، أو ممارسة الضغط الدبلوماسي، أو حتى المساومة في ساحات التفاوض الدولية (على غرار المفاوضات النووية)، فالكشف الانتقائي عن المعلومات، قد يزجّ بالكيان الصهيوني في موقفٍ دفاعي محرج.
وفي هذا المضمار، کتب راز زيمت، الخبير في الشؤون الإيرانية لدى الكيان الصهيوني: “في أعقاب زيارة عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، إلى القاهرة الأسبوع المنصرم، كشفت لورا روزن، الصحفية الأمريكية، أن طهران تتدارس إدراج مطلب ‘شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية’ ضمن ردّها المضاد على العرض الأمريكي الأخير المقدم إليها، وكما قد تستحضرون، كانت مصر متورطةً سابقاً في مطالب مماثلة من "إسرائيل".
سيُعقد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع المقبل، حيث قد يُتخذ قرار حاسم بإعلان إيران دولةً غير متعاونة مع الوكالة بشأن برنامجها النووي، ليس محض صدفة أنه عشية المؤتمر وترقباً للرد الإيراني المضاد على العرض الأمريكي، تسعى طهران إلى تحويل دفة النقاش صوب البرنامج النووي الإسرائيلي”.
معلومات استراتيجية ذات قيمة استثنائية
استناداً إلى المصادر الرسمية، تحوي الوثائق المستولى عليها معلومات بالغة الحساسية حول البرامج النووية والعسكرية والأمنية للكيان الصهيوني، ونظراً لخطورة المسألة وحساسيتها البالغة، لم يُفصح عن أي تقارير أو أنباء بشأن هذا الموضوع حتى إتمام نقلها إلى ملاذ آمن، وعليه، يمكن لإيران الاستفادة من هذه الوثائق والمعلومات النفيسة في وضع خطط استراتيجية، أو تحييد التهديدات المحتملة من جانب الكيان الصهيوني.
تعزيز المكانة والهيبة في الأذهان داخلياً وخارجياً
إن عمليات بهذا القدر من التعقيد والأهمية، وإلحاق الهزيمة النكراء بأجهزة استخبارات الكيان الصهيوني، يمكن أن تُعد انتصاراً استخباراتياً مدوياً في أوساط المسؤولين والرأي العام في أرجاء المنطقة والعالم، وكذلك في عمق المجتمع الإيراني، بما يعزّز ويضاعف الشعور بالفخر الوطني والثقة بالمؤسسات الاستخباراتية والأمنية.
التداعيات الوخيمة على الكيان الصهيوني
خرق أمني فادح
الاختراق والوصول إلى وثائق فائقة السرية، وخاصةً في مجال المنشآت النووية، يكشف عن ثغرات جسيمة في المنظومات الأمنية والاستخباراتية للكيان الصهيوني، ما قد يقوّض الثقة بهذه المنظومات ويزعزع أركانها.
تهديد عملياتي وشيك
إذا كانت الوثائق تنطوي على تفاصيل عملياتية دقيقة، بما في ذلك مواقع المنشآت الحساسة أو الخطط العسكرية، فإن هذه المعلومات قد تكون مميتةً للصهاينة، ولا سيما في حال استثمارها من قبل إيران أو قوى المقاومة كحزب الله اللبناني.
ضغط سياسي ودولي متصاعد
قد يفضي الكشف عن مثل هذه المعلومات الخطيرة، إلى تعريض الكيان الصهيوني لسيل من الانتقادات الدولية، وخاصةً فيما يتصل ببرامجه النووية، ويمكن أن يشكّل ذلك ذريعةً لمزيد من الضغط من قبل الدول التي تعارض برامج الكيان النووية وتناهضها.
تأثير نفسي مدمِّر داخلياً
من شأن هذا النبأ أن يؤجّج مشاعر القلق والخوف في الأراضي المحتلة، ويقوّض أكثر الثقة بالمؤسسات الأمنية لهذا الكيان، والتي سبق أن تصدّعت أركانها جراء إخفاقات مدوية كهزيمة السابع من أكتوبر.
كما أن إلقاء القبض على شخصين بتهمة التخابر مع إيران، قد يفضي إلى توترات داخلية واهتزاز الثقة بشكل مضاعف.
تقويض الصورة الأمنية للكيان في أعين حلفائه
ثمة العديد من دول المنطقة والعالم الإسلامي التي هرولت نحو تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، معوِّلةً في تعاملاتها على القدرات الأمنية لأجهزة استخبارات هذا الكيان للحصول على الخدمات الأمنية والاستخباراتية وتعزيز مؤسساتها الاستخباراتية في مواجهة ما تراه من تهديدات، إن هزيمةً مذلةً كهذه أمام الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية، ستلقي بظلال قاتمة على المكانة الأمنية لأجهزة التجسس والاستخبارات لهذا الكيان في نظر تلك الدول.
يبدو أن صمت قادة الكيان الصهيوني الحالي إزاء نبأ العملية الباهرة لإيران في الاستيلاء على وثائق غاية في الأهمية والحساسية، إنما ينبع من الحذر الشديد تجنباً لإثارة حساسية أكبر فيما يتعلق بهذه القضية الشائكة، لكن ردود فعلهم المقبلة قد تميط اللثام عن أبعاد الكارثة الأمنية المروعة التي حلّت بهذا الكيان.
جدير بالإشارة أنه في نوفمبر 2024، أقرت صحيفة “إسرائيل هيوم” عقب كشف النقاب عن إحدى العمليات الإيرانية التي تكللت بالنجاح في الحصول على تفاصيل دقيقة من المعلومات الشخصية لآلاف الصهاينة، بمن فيهم مسؤولون رفيعو المستوى في الأجهزة الأمنية، قائلةً: “تتيح هذه المعلومات لإيران رصد سلوكيات وخطط هؤلاء الأشخاص المستقبلية، وتوجيه ضربات موجعة لهم في الوقت المناسب”.
يكشف هذا الأمر بجلاء أن الخبراء الصهاينة يقرون بقدرة إيران الفائقة على تنفيذ عمليات سيبرانية أو تجسسية متقنة، وفي الوقت الراهن، وعلى الرغم من الصمت المريب لمسؤولي هذا الكيان، فإن الأفراد والمؤسسات الصهيونية في فلسطين المحتلة، تدرك في قرارة نفسها أبعاد وعمق الهزيمة الأمنية النكراء لهذا الكيان أمام إيران، والتبعات الوخيمة المترتبة عليها.