الوقت- قالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن ما نحتاج إليه ليس جيشًا أوروبيًا، بل 27 جيشًا أوروبيًا قادرًا على العمل معًا بشكل فعال للدفاع عن أوروبا، وفي هذه الحالة، يبدو أن دولاً مثل ألمانيا في أوروبا تحاول التحرك نحو تحالفات دفاعية وعسكرية عبر غربية.
ولقد أثارت الخطة المثيرة للجدل التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا عبر اتفاق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتن، قلق الزعماء الأوروبيين.
التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الثلاثاء، وفداً روسياً برئاسة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهدف إنهاء الحرب في أوكرانيا، ووصف اللقاء بالمثمر، ويأتي اللقاء في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، بعدما اتفق ترامب مع بوتين الأسبوع الماضي على المضي قدما في محادثات السلام لإنهاء الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا دون مشاركة حلفائه الأوروبيين.
وقال ترامب أيضًا إنه قد يلتقي بوتين في السعودية، وفي الوقت نفسه، كان اللقاء الأخير بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي في السعودية هو اللقاء الأول بين المسؤولين الأمريكيين والروس منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
ترك أوروبا وحدها
إن عودة دونالد ترامب إلى السلطة تثبت حاجة الدول الأوروبية إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، منذ أكثر من 75 عامًا، عمل حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة على ضمان أمن أوروبا، لكن اليوم قد ينسحب الرئيس الأمريكي الجديد من هذه الضمانات ويترك أوروبا لوحدها، وانتقد ترامب حلف شمال الأطلسي علانية باعتباره تحالفا عبر الأطلسي، وزعم مرارا وتكرارا أن الدول الأوروبية تستغل أمريكا.
وتتذرع الولايات المتحدة في الضغط على حلف شمال الأطلسي بأن الدول الأوروبية، حسب مزاعمها، لا تقدم تمويلاً كافياً لحلف شمال الأطلسي، وأن الجزء الأكبر من تكاليف هذه المنظمة العسكرية يقع على عاتق الولايات المتحدة.
في عام 2014، تعهدت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بالمساهمة بما لا يقل عن 2% من ناتجها المحلي الإجمالي في الميزانية العسكرية للحلف، ولكن الآن، بعد أكثر من عشر سنوات، لم يفِ سوى 23 دولة من أصل 32 دولة عضو في الحلف بالتزاماتها، وفي الوقت نفسه، دعا ترامب أعضاء حلف شمال الأطلسي إلى تخصيص خمسة في المئة من ناتجهم المحلي الإجمالي لميزانية الحلف، وهي المهمة التي لم يقم بها أي عضو في الحلف حتى الآن.
خيارات أوروبا في مواجهة ترامب
عندما ينخرط الأمريكيون بشكل علني وواضح في محادثات مع روسيا بشأن أوكرانيا ولا يقومون حتى بدعوة المسؤولين الأوكرانيين أو أي مسؤولين أوروبيين إلى المحادثات، فإنهم يرسلون رسالة مفادها بأن أمريكا لن تفعل أي شيء من الآن فصاعدا من أجل أمن أوروبا.
من ناحية أخرى، فإن الخوف الرئيسي في أوروبا يتمثل في احتمال وقوع هجوم روسي خارج أوكرانيا وعلى دول أوروبية أخرى، كما تشير التقارير الإعلامية أيضا إلى أن الولايات المتحدة تريد سحب بعض قواتها من أوروبا، وقد دق هذا الوضع ناقوس الخطر بشأن الأمن الأوروبي، الآن سيكون أمام أوروبا عدة خيارات قبل أن تنفصل عن أمريكا:
1. الجيش الأوروبي: وضعت بعض الدول الأوروبية الاستقلال العسكري والاستراتيجي على جدول أعمالها، بهدف تحقيق القوة العسكرية الكافية لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، على مدى السنوات الثماني الماضية، كانت البرامج العسكرية للاتحاد الأوروبي بمثابة بداية لاتجاهات جديدة في تطوير القدرات والإمكانات العسكرية، وترى بعض الدول، مثل فرنسا، أن جهود الدفاع التي يقودها الاتحاد الأوروبي هدفها إنشاء جيش أوروبي واحد مستقل كبديل للولايات المتحدة، وتحاول التحرك نحو تشكيل جيش أوروبي واحد.
وفي تقرير لها، وصفت مجلة فورين بوليسي اقتراح فرنسا بتشكيل جيش أوروبي واحد بأنه شكل من أشكال الانتهازية الفرنسية، قائلة إن فرنسا لديها تاريخ طويل في النظر بشكل انتهازي إلى الأزمات في أوروبا، إن ما يجعل الفرنسيين انتهازيين إلى هذا الحد هو رغبتهم الديغولية (الجنرال ديغول، الرئيس الفرنسي الأسبق) في قيادة أوروبا واستخدام الاتحاد الأوروبي كوسيلة لتحقيق المصالح الفرنسية.
وفي الوقت نفسه، لا تبدي باريس أي استعداد للتخلي عن مصالحها، مثل تحويل مقعد فرنسا في مجلس الأمن الدولي إلى مقعد مشترك للاتحاد الأوروبي أو الاهتمام بمصالح الحكومات الأوروبية الأخرى، على سبيل المثال، تصر فرنسا على تخصيص ميزانيات الدفاع التابعة للاتحاد الأوروبي للشركات العسكرية الأوروبية فقط، شركات هي في معظمها فرنسية، وهذا يقوض مصالح شعوب شمال وشرق أوروبا، لأنه سيجعل هذه الدول المشترين الحصريين للأسلحة الفرنسية.
2. العلاقات الإقليمية: تسعى بعض الدول الأوروبية الأخرى، مثل ألمانيا، إلى تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية من خلال العلاقات عبر الأطلسي، قالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن ما نحتاج إليه ليس جيشًا أوروبيًا، بل 27 جيشًا أوروبيًا قادرًا على العمل معًا بشكل فعال للدفاع عن أوروبا، وفي هذه الحالة، يبدو أن دولاً مثل ألمانيا في أوروبا تحاول التحرك نحو تحالفات دفاعية وعسكرية عبر غربية، وفي وقت سابق، تحدث مسؤولون ألمان عن إمكانية إجراء مفاوضات مع روسيا.
التحدي الذي تواجهه أوروبا في مجال الاستقلال العسكري
إن أشخاصاً مثل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، على الرغم من ترحيبهم بتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية أو ما يعرف بحلف شمال الأطلسي الأوروبي، إلا أنهم غير متفائلين بشأن هذه القضية نظراً للحقائق على الأرض، وقال روته في اجتماع لحلف شمال الأطلسي مؤخرا إن تحقيق الاستقلال العسكري الأوروبي الكامل سوف يستغرق 15 عاما على الأقل.
وقال خبراء عسكريون أوروبيون أيضا: إن الاستقلال العسكري والدفاعي الكامل لأوروبا يتطلب من جميع الدول الأوروبية تخصيص ما لا يقل عن 8% من ناتجها المحلي الإجمالي للميزانية العسكرية سنويا، بينما تخصص الدول الأوروبية حاليا ما يصل إلى 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للميزانية العسكرية، وبناء على ذلك، يبدو أن الاستقلال العسكري والدفاعي الأوروبي يشكل طريقا صعبا بالنسبة للأوروبيين وليس من السهل تحقيقه.
وضع طارئ
وحضر اجتماع الاثنين الماضي رؤساء حكومات ألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وهولندا والدانمارك، بالإضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي جان بيير بيران أن الطريقة التي تم بها تنظيم القمة الأولى توحي بالوضع الطارئ والاستعجالي الذي تشهده القارة العجوز اليوم "وكأن قادة الدول أخِذوا على حين غرة واكتشفوا فجأة أنهم كانوا ساذجين في طريقة تعاملهم مع الحرب الأوكرانية، وخاصة بعد مؤتمر ميونخ للأمن".
وفي حديث له، يستبعد الكاتب وجود خطة سلام أميركية واقعية بشأن أوكرانيا، مفسرا ذلك بالقول "تولى ترامب رسميا منصبه قبل وقت وجيز، وخطة كهذه تتطلب مفاوضات واتصالات كثيرة لتحقيقها، وبالتالي، ما يوجد فعليا هو مجرد أفكار عامة غامضة.