الوقت - على الرغم من الترويج الغربي للتراجع في العلاقات الروسية الإيرانية، فإن الواقع السياسي في المنطقة والعالم، يدعم يوماً بعد يوم تعزيز المصالح المشتركة بين الطرفين. الأمر الذي يجعل من العلاقة استراتيجية وقائمة على أسس متينة. فيما تُشكِّل تطورات المنطقة مؤخراً، ووضوح السياسة الأمريكية للإدارة الجديدة، أحد أهم التغيرات التي يجب أخذها في معرض تحليل أهمية العلاقة بين الطرفين وبالتالي أهمية الزيارة التي يقوم بها الرئيس الإيراني حسن روحاني الى موسكو بناءاً لدعوة نظيره الروسي. فماذا في الزيارة؟ وما هي حقيقة المصالح الإقتصادية بين الطرفين؟ وكيف يمكن تحليل دلالات العلاقة السياسية والعسكرية الروسية الإيرانية في ظل ما يجري من تطورات؟
زيارة روحاني الى روسيا
يبدأ الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني زيارة رسمية الى روسيا تستغرق يومين تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فيما أعلن الكرملين في بيان له، أن الرئيس الايراني سيصل عصر الإثنين الى موسكو لمتابعة المباحثات بين كبار مسؤولي البلدين. وسيرافق الرئيس الإيراني في زيارته وفد رفيع المستوى يضم عدد من الوزراء وكبار المسؤولين الإيرانيين، وسيلتقي الرئيسان يوم الثلاثاء في الكرملين حسبما ذكر بيان الكرملين. ومن المقرر خلال الزيارة عقد اللقاء التاسع بين روحاني وبوتين خلال السنوات الأربع الماضية، والتوقيع على 10 وثائق مهمة وأساسية ورسم خارطة طريق لتعزيز العلاقات بين البلدين. كما سيتم اجراء مباحثات بين مسؤولي الوفد الإيراني المرافق لروحاني، لا سيما وزير الخارجية محمد جواد ظريف ووزير الإتصالات محمود واعظي ورئيس اللجنة الإيرانية الروسية المشتركة وبين نظرائهم الروس في اطار تنفيذ جدول أعمال تعزيز العلاقات وتسهيل تنفيذ الإتفاقات.
ليس بعيداً عن السياسة: حقائق حول المصالح الإقتصادية والتجارية بين الطرفين
عدة حقائق يمكن أن تصف المصالح التي نشأت بين الطرفين، والتي يبدو أنها استراتيجية. في حين سيُشكل معظمها مدار بحث في الزيارة المرتقبة:
أولاً: إن روسيا وإيران هما أصحاب أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم. الأمر الذي يجعل تعزيز العلاقات بينهم، مناسبة لتحديد كيفية إدارة هذه الثروة، وإخراجها من بوابة التنافس بينهم، خصوصاً بعد أن باتت إيران محج الشركات الغربية التي تبحث عن سوق مُستقرة للإستثمار وهو ما يهم موسكو.
ثانياً: تسعى روسيا لتعزيز أسباب العلاقة الإقتصادية بينها وبين طهران. وهو ما يهدف للحفاظ على الروابط التجارية القائمة في ظل وجود منافسة غربية قوية. الأمر الذي لا يمكن أن يحصل دون توسيع التجارة بين الطرفين. خصوصاً بعد أن باتت السوق الإيرانية في مجالات الطاقة النووية والدفاع، هدفاً للإستثمار الروسي.
ثالثاً: المصالح الإستراتيجية تفرض التعاون العسكري. وهو ما جعل العلاقة بين الطرفين تجلب لروسيا 8 مليارات دولار مقابل معدات عسكرية روسية تتعلق بطائرات هيليكوبتر وأنظمة الدفاع الساحلية. ما يُعتبر مهماً بالنسبة لروسيا التي تقبع تحت ضغط إقتصادي كبير.
أهمية العلاقة بين الطرفين ودلالات الزيارة الإستراتيجية
عدة أسباب جيوسياسية وجيوعسكرية، تجعل من العلاقة الإيرانية الروسية ضرورة، خصوصاً في ظل ما يجري من تطورات جديدة. وهو ما تعكسه أي زيارة بين الطرفين. فيما يُمكن الإشارة لذلك في التالي:
أولاً: تدمرت علاقة روسيا مع الغرب وأمريكا لفترة طويلة، نتيجة الأزمة الأوكرانية. واليوم تعود هذه الأزمة لتكون سبباً للتوتر بين هده الأطراف، خصوصاً بعد الحشد العسكري للناتو على كل من الحدود الروسية والبحر الأسود. مما جعل روسيا في واقعٍ جيوسياسي وجيوعسكري يفرض بناءها للعلاقات الإستراتيجية في المنطقة لا سيما إيران.
ثانياً: جعلت الأزمة بين روسيا والغرب موسكو في حالةٍ من الإنفتاح على كل من الصين وإيران. وهو الأمر الذي ظن البعض أنه ظرفي، لكن يبدو أن علاقة الغرب المستمرة في التوتر مع روسيا، دفعت موسكو لتعزيز علاقاتها الإستراتيجية مع الصين وإيران. ما بات يُعتبر بمثابة القوة التي تمتلكها روسيا. حيث يجمع الأطراف الثلاثة، العداء لأمريكا ومقاومة نفوذها. فيما تجد موسكو نفسها أقرب الى طهران من بكين، والتي لها حساباتها الخاصة على الصعيد الدولي.
ثالثاً: يُعتبر القرب الجغرافي بين إيران وروسيا، أمراً يُوحِّد التوجه الإستراتيجي نحو ضرورة ضمان أمن آسيا الوسطى وبحر قزوين من نفوذ أمريكا. وهو الأمر الذي كان سبباً في تعزيز كلتا الدولتين لنفوذهم العسكري البحري في قزوين خلال السنوات الماضية. كما أن المناورات المشتركة التي حصلت بين الطرفين خلال تشرين أول الماضي، جاءت كرسالة دولية لأمريكا حول أهمية الأمن القومي لآسيا الوسطى بالنسبة لكل من موسكو وطهران.
رابعاً: جاءت تطورات الأزمة السورية، والتناغم العسكري بين الطرفين على الساحة السورية، لتؤكد على وجود تحالف يتخطى الحدود السورية. وهو ما تبيَّن من خلال مجريات الأحداث الأخيرة في تدمر وشمال حلب ودمشق. في حين خرج الإعلام الغربي ليُروِّج لأكاذيب تتعلق بتناقضٍ في المصالح، الأمر الذي دحضته الوقائع الميدانية.
خامساً: تأتي الزيارة اليوم في ظل وضوح سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة والتي يبدو أنها بدأت بسياسات هجومية لا سيما تلك المساعي الأمريكية الجادة لمحاصرة التعاظم الإيراني في المنطقة وذلك من خلال الحديث عن حلف عربيٍ ضد إيران يمكن أن يتطور ليُصبح ناتو عسكري. الأمر الذي من المتوقع أن تجده موسكو محاولة أمريكية لزيادة التوترات في المنطقة وهو ما لا يتناسب مع مصالحها. بالإضافة الى اعتبارها إيران بوابتها الضرورية لتعزيز سياساتها في الشرق الأوسط.
سادساً: تأتي الزيارة لتخدم المساعي الروسية فيما يخص الحلف الأوراسي. فقد سعت روسيا لتعزيز الحلف السياسي الإقتصادي الأوراسي، في محاولة لتشكيل جبهة قوية مؤثرة ضد السياسة الأمريكية تمتد من أوروبا إلى آسيا. فيما تجد من إيران طرفاً أساسياً في تعزيز قوة هذا الحلف. وهو الأمر الذي شكَّل هدفاً استراتيجياً لروسيا.
إذن، تأتي الزيارة في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين موسكو وطهران. علاقاتٌ بين الدول التي باتت تتحكم بسياسات المنطقة بشكلٍ مؤثرٍ على الطموح الأمريكي. وهو الأمر الذي يجعل من الزيارة، محطة ضمن مسارٍ استراتيجيٍ يجمع الطرفين.