الوقت – ان الانترنت الذي كان في وقت ما أداة بيد القوات العسكرية الأمريكية بات الان أداة صناعية وتجارية للشركات الخاصة الكبرى التي تمارس الحصرية وتبث الدعايات الهادفة وتسرق معلومات مستخدميها وتحلل عاداتهم وتستخدم مراسلين اعلاميين عملاء والكثير من الاساليب الاخرى لكي تضاعف ثرواتها عبر هذه التكنولوجيا.
ولا شك ان للانترنت أثراً كبيراً على العالم فالمدافعون عنه يقولون بحماس انه تسبب ببزوغ عصر جديد من الديمقراطية لكن اعداؤه يقولون بأنه تسبب ببث المعلومات الخاطئة وزاد من العزلة والانطوائية لكن هؤلاء كلهم غافلون عن "الاقتصاد السياسي" الكامن في الانترنت، يقول روبرت ماك تشيسني في احد كتبه ان الرأسمالية التي توسع التكنولوجيا تؤثر على العلاقات الاجتماعية في المجتمع وهكذا يصبح الانترنت مطيعا لأوامر أسياده، ان الانترنت الذي كان يجب ان ينمي ثروات الجميع بات يضاعف فقط الثروات الخاصة.
ويشير هذا الكاتب ايضا إلى تجارية نشاطات الانترنت والتفكك المتزايد للصحافة ويعتبر الانترنت خطرا يهدد الديمقراطية لكنه يعتقد ان الظروف باتت مهيأة لتغيير ثوري يغير النظام السياسي – الاقتصادي والانترنت.
ان الانترنت الذي يتحدث عنه ماك تشيسني هو نتاج أبحاث حكومية أجرتها جهات عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية والان تحول هذا الانترنت الى سلعة خاصة خاضعة لسلطة السوق الذي يريد التحكم بالذين يسمح لهم بالوصول الى المعلومات وكذلك التحكم بالمعلومات التي يسمح بنشرها والذين يحق لهم الحصول على معلومات وفحوى الانترنت.
ان وضع الانترنت تحت سيطرة وأوامر الرأسماليين والشركات الحصرية له تبعات اجتماعية متناقضة فحرية الوصول الى الانترنت غير متكافئة وغير متساوية، فالشركات الكبيرة تتمتع بالخدمات التي تعتبر باقي الشركات محرومة منها ومن هنا تعمد الشركات الكبيرة الى سرقة الأفكار والابداعات وتستفيد من كثرة الدعايات وهذا يدر عليها ارباحا طائلة ويضاعف رأسمالها بأضعاف وهكذا نجد شركات كبيرة مثل جوجل وأبل وأمازون وغيرها قد رصدت اموالا ورأسمالا كبيرا لشراء الاختراعات.
ان الرأسمالية التي تحتاج الى الحصرية تعتبر الدعاية إحدى أهم ادواتها التي تمكنها من جعل الانترنت اداة تجارية فمتصفحو الانترنت ومن اجل الحصول على خدمات مجانية يدخلون فضاءً يسلمون فيه كافة معلوماتهم الشخصية حسب قانون غير مكتوب وعندها تصبح المواقع التي تقدم خدمات مجانية أداة لجمع الكثير من المعلومات.
وعندما نجد ان الانترنت قد اصبح اكبر وسيلة اعلامية للصحفيين فحرية الصحافة هنا تتأثر بإرادة مالكي الانترنت، ان الصحافة المستقلة التي تعتبر حاجة اساسية للمجتمعات الديمقراطية التي تحترم الحريات الفردية باتت تتأثر بالانترنت كمصدر للمعلومات والمعلوم ان الانترنت بات يخدم هنا أهداف الرأسماليين.
ان الصحافة يمكنها ان تحطم الجدران في عصر الانترنت وتتسبب بايصال الاصوات المختلفة الى أسماع الناس لكن الرأسمالية تسعى الى جعل الصحافة تجارية وهكذا يصبح همّ اصحاب الاعلام هو الاعلانات التجارية، ان الصحافة قد تحولت من مهنة لايصال المعلومات للمواطنين الى أداة لكسب رضا المستثمرين، ومع دخول الصحافة الى الانترنت تفاقمت هذه المشكلة وباتت مهنة الصحافة الناجحة أداة لانتاج أشياء تافهة في عصر الحصرية والانترنت.
لقد اجبرت المصادر الخبرية المباشرة على جمع المعلومات من المتصفحين لكي يعلموا اية برامج يحبها هؤلاء ليبثوها لهم ومن بعد ذلك عمد الكتاب المستقلون الى كتابة مقالات يحبها المتصفحون ومن ثم حصلت الشركات الاعلامية على معلومات دقيقة عن القراء ولذلك باتت تبيع مساحات في وسائل اعلامها وحتى في مقالاتها من اجل الدعايات.
لقد اصبحت المسافة بين الدعاية والأخبار ضئيلة الى درجة باتت معدومة وبات المطلوب من الصحفيين الذين يحصلون على اموال اقل ان ينتجوا اكثر وهذا يزيد من الانتاج وكذلك من ارباح الدعايات، ان هكذا استغلال للصحفيين يمنعهم من التحقيق والبحث بشكل كاف ويحول دون تطرقهم للمواضيع الهامة.
ان الدوافع لجمع الارباح من الرأسمالية الحصرية قد اصبحت أقوى في المجال الرقمي وتسبب بوجود نوع من الصحافة العاجزة عن الوقوف في وجه اطماع الشركات وتقاعس الحكومات بل هذا النوع من الصحافة بات يساهم في زيادة هذه الاطماع والتقاعس.
التحكم الحصري بتوسعة الانترنت له تبعات هامة جدا على مستقبل الديمقراطية في كل العالم فهذه الأداة التي كان يمكن ان توحد الشعوب وتفسح المجال امام مختلف الاصوات باتت الآن مجالا للتجارة وجني الارباح، وهنا بإمكان ثورة إجتماعية وحدها ان تسجل الانتصار على الرأسمالية لتحرير رقبة الديمقراطية.
