الوقت - مرّة أُخرى تستخدم السعودية سلطتها الدينية ممثّلةً بالمفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حيث أثارت تصريحاته حول دعوة الشباب الخليجي للتجنيد الإجباري موجة من التعليقات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
في الشكل تبدو تصريحات المفتي برّاقةً من خلال حديثه عن "صيانة أمن الخليج (الفارسي) المستهدف من الأعداء المحسود على اتحاده وخيراته" وتعزيز التمارين المشتركة بين دول مجلس التعاون و"الأخذ بأسباب القوة بتدريب الشباب والتجنيد الإجباري لهم" حتى يكونوا قادرين إذا "واجههم أي عدو من الأعداء فعندهم من التسلح الذاتي والفكر الإسلامي الصحيح"، وأما في المضمون فهناك الكثير من النقاط التي تستحق التعليق والبحث.
يحق للبعض التساؤل، كما فعل المعلّقون الخليجيّون على وسائل التواصل الإجتماعي، عن الأعداء الذين تحدّث عنهم "الشيخ" فهل هم أطفال اليمن أم سوريا أم مصر أم ايران أم الكيان الإسرائيلي الذي تغيب مفرداته عن القاموس السعودي؟ وما هو الإسلام الصحيح الذي أنبأنا به، هل هو الإسلام الداعشي الذي ولد من رحم القاعدة الصنيعة الوهابيّة؟ هل يريد لهذا "الإسلام" أن يعيد في دوله أفعال أزلام البغدادي والجولاني؟
لا نريد الإجابة من "الشيخ" لأننا نعلم مسبقاً أنها رهن مشاريع السلطان، إلاّ أن تعليقات بعض الخليجيين على كلام المفتي كانت خير تعبير على ذلك. ففي حين قال بعض المغردين إنّه "لا يوجد تجنيد إجباري لأنّ أمهاتنا لن تبيعنا للحرب"، انتقد البعض الآخر الجيل الحالي وقال إنه لا يستطيع تحمّل فكرة التجنيد أصلاً.
وبما أننا من أصحاب نظرية العلاقة بين السلطتين الدينية والسياسيّة في السعودية، أو العلاقة بين الفقيه والسلطان كما يحب أن يسمّيها البعض، حيث وُضع حجرها الأساس في "ميثاق الدرعية" بين الملك محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، نرى أن هذه الفتوى هي امتداد للسير التاريخي للعلاقات بين السعودية والوهابية والتي بدأت في الدولة السعودية الأولى واستمرت في الدولتين اللاحقتين حيث وجد كل طرف في الآخر ضالّته رغم أن السطوة كانت دائماً للسلطان الذي يستخدم "الفقيه" لتجيير أمور المملكة ومحيطها لصالحه.
لكن، في الفترة الأخيرة وبسبب توسّع المشاريع السياسية للسعودية، ووصول شباب عديمي الخبرة إلى سدّة الحكم أبرزهم محمد بن سلمان، شاهدنا طفرةً غير مسبوقة حيث ظهرت عدّة فتاوى من المفتي العام بغية تأمين الحماية للنظام بدءاً من وصف عاصفة الحزم بـ"الخطوة المباركة والعمل الصالح والدعوة إلى مساندة الجنود المرابطين (عند الحدود اليمنية)"، وليس انتهاءً بتحذيره السعوديين من مصير مشابه لسوريا واليمن – على حد قوله – ان فكروا بالاعتراض على أوامر الملك سلمان التقشفية بتخفيض الرواتب.
أسئلة عدّة تطرح نفسها اليوم بعد هذه الفتوى التي طالت المحيط الخليجي، وكلّها تندرج في سياق السؤال الأبرز الذي يتعلّق بمصير السعودية بعد الأفول الإقتصادي والسياسي العام، والميداني في اليمن وسوريا، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: إن طفرة هذه الفتاوى في هذه المرحلة من الدولة السعودية الثالثة، تعيدنا إلى مرحلة مشابهة في الدولتين الأولى والثانيّة. ورغم أن منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية حديث العهد نسبياً حيث يعود للعام1953 بموجب قرار صدر عن الملك عبد العزيز آل سعود عُين بموجبه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتيًا عامًا للمملكة، إلا أن العائلة السعودية الحاكمة استخدمت السلطة الدينية بالوتيرة التي نشاهدها اليوم قبل العام 1818 إلا أن الدولة السعودية الأولى على يد القوات العثمانية بقيادة إبراهيم باشا، كما أننا نقرأ عن هذه الوتيرة في الفتاوي في حقبة 1891 حيث فشلت الفتاوى الدينية في الحؤول دون سقوط الدولة السعودية الثانية بسبب الصراع والحروب الداخلية التي أضرت بها، إلى أن سقطت على يد آل رشيد حكام إمارة جبل شمر. فهل نحن اليوم على أبواب انهيار الدولة السعودية الثالثة؟
ثانياً: توجّه المفتي السعودي للخليجيّين، دون أن تقتصر دعوته هذه المرّة على الداخل السعودي، كما حصل في المرّات السابقة، فهل السبب في ذلك، يعود لعدم اكتراث السعوديين بفتاوى الشيخ، أم أن هناك مشروعاً سياسياً سعودياً جديداً يستوجب إدخال كافّة الدول المحيطة في البوتقة السعودية؟ وإذا كان كلام المفتي غير مسموع في الداخل السعودي، فكيف له أن يلقى صداه في المحيط الخليجي؟
ثالثاً: تتزامن هذه الدعوة مع المناورات التي تجريها قوات أمنية من جميع دول مجلس التعاون للأسبوع الثالث على التوالي، فضلاً عن الخلاف المصري السعودي الجديد؟ فهل أراد النظام السعودي توجيه رسالة للمحيط الإقليمي بعد وصول ترامب إلى الحكم عبر شدّ العصب الخليجي؟ أم أراد الملك السعودي توجيه رسالة عبر السلطة الدينية للرئيس المصري الذي اشترط الاعتذار من سلمان قبل المصالحة؟
بصرف النظر عن الأسباب التي تقف خلف دعوة المفتي "آل الشيخ"، إلا أنّها إن دلّت على شيء إنما تدل على الأوضاع التي تعشيها السعودية اليوم، فهذه الفتوى التي تغيب فترة الرخاء تحضر في أوقات الشدّة، إلا أن اليوم لم تعد تجدي نفعاً، فما هي الخطوة التاليّة؟