الوقت - في الخريف المقبل، أي بعد نحو ثمانية أشهر، يغادر الرئيس الأمريكي باراك أوباما البيت الأبيض. هو نجح في توقيع اتفاق نووي مع ايران، تصالح مع كوبا وزارها، وينهي عهده بكلام قاس وانتقادات ضد الحلفاء وبينهم السعودية وتركيا، ويزداد التنافر بينه وبين بنيامين نتنياهو. هو يسعى أيضاً للابقاء على التفاهم مع روسيا واخماد نار الحروب المشتعل معظمها في دولنا العربية، دون القدرة حتى الآن على ايجاد حلول فعلية لسوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان ودون الأمل لينجز شيئاً لفلسطين.
العالم منقسم في تقييم الرئيس الأمريكي قبيل رحيله، ثمة من رأى فيه أفضل الرؤساء الأمريكيين وأكثرهم ذكاءاً وحيوية وأكثرهم رغبة في انهاء ووقف الحملات العسكرية والبحث عن تفاهمات، أما البعض الآخر اتهمه بالعجز ووصل الأمر ببعض الكتاب في الدول الخليجية الى مقارنته بـ داعش، فما المنتظر من أوباما فيما بقي له من أشهر في البيت الأبيض؟، خصوصاً حيال الملفات الكبرى كسوريا، الباقي رئيسها حتى أجل غير معروف، بينما يرحل من دعى الى رحيله منذ خمسة أعوام، أو كالعراق الواقف على أعتاب ألف قنبلة سياسية وأمنية، أو ليبيا واليمن وغيرهما.
لنبدأ أولا من الشغل الذي شغل العالم في الأيام الماضية، من السعودية وجديدها، حيث على ما يبدو أن هناك اشارات جدّية للحليف الأمريكي. رؤية ولي ولي العهد محمد بن سلمان، مشروع اقتصادي طموح جداً وشبه الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، ونقل آرامكو الى مرحلة صناعية كبيرة، أيضاً كثير من الحريات التي تتعلق بالمرأة بالفن والمسرح وما الى ذلك، هنا يطرح السؤال نفسه هل هناك ارضاء للغرب؟ أم هناك تحول جدي حيث وصل بالبعض الى وصفه بالبريستوكا السعودية؟
يمكن القول إن الرؤية السعودية لـ 2030 هي مشروع اقتصادي اجتماعي، اذ لا يمكن اليوم أن تبدأ بالتفكير باقتصاد حديث، متطور وسياحي، دون أن تربطه بالوضع الاجتماعي. يقول بعض المحللين السعوديين المطلعين على الرؤية إنه لولا الضغط الأمريكي الغربي على السعودية لما خرجت السعودية بهذه الرؤية الاقتصادية الاجتماعية، وتجلى هذا الضغط الأمريكي في تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى مجلة الأتلنتيك، حيث تكلم أوباما بصراحة مذهلة عن السعودية حيث قال إن "السعودية تؤجج الصراعات في الشرق الأوسط وتصدر التطرف الوهابي الى دول العالم"، أيضاً خلال قمة أوبك(A P E C ) قال الرئيس الأمريكي للرئيس الأسترالي مالولم تورنبول "إن السعودية والدول الخليجية الأخرى أرسلت عدداً كبيراً من الأئمة الى سوريا، وأغدقت الأموال على المدارس الوهابية حيث يدرس الاسلام المتعصب الذي تفضلة العائلة الحاكمة في السعودية" وحين سأله الرئيس الأسترالي "أليس السعوديون أصدقاءك؟ ابتسم أوباما وقال "انها قصة معقدة"، أيضا من مظاهر السخط على النظام الحاكم في السعودية يتجلى في الاعلام الغربي، حيث لا يمر أسبوع ولا يكون فيه مقال أو حلقة عن ضرورة التغيير في النظام السعودي وفي الدول الخليجية بشكل عام، أيضا لا يجب أن ننسى الاستشارات التي جرت داخل الكونغريس الأمريكي حول الداعشية السعودية وغيرها من الأمور التي تدل على الغضب الغربي والذي دفع بالسعودية نحو التغيير.
ما هو المنتظر في الفترة المتبقية لسوريا؟
منذ سنة كان الرئيس الأمريكي يرفع شعار رحيل الرئيس بشار الأسد، أما الآن فقد تغير الواقع تمامًا، الرئيس بشار الأسد باقٍ وهو راحل، حيث هناك الآن تمسك واضح بالجيش السوري والنظام والرئيس، وذلك لعدم تكرار التجربة العراقية والليبية، حيث أصبحت واشنطن واعية تماماً أنه لا يمكن أن تدفع بالأمور الى الفوضى، لأن الفوضى ستكون مدمرة للمنطقة، ويعتقد المحللون السياسيون الأمريكيون أن الفترة المتبقية لحكم أوباما لن تشهد أي تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية، ويؤكدون أن الدور الأمريكي في سوريا الى الاضمحلال وذلك جراء التدخل الروسي الفعال الذي نجح في تأمين ادارة الأسد.
أيضاً يرى بعض المحللين الأمريكيين الأخرين أن الحل السوري في المنطقة هو ما يقوم به الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، و يجب أن يبقى كذلك بعد رحيل الرئيس الأمريكي الحالي أوباما، فليس هناك طريق آخر غير الشراكة الدولية من خلال الأمم المتحدة في ايجاد حل في سوريا، بمعنى أنه ليس مسموحاً الآن بانهيار النظام السوري ويجب أن يبقى الجيش السوري قوياً.
أمام هذا المشهد المعقد أمناً وسياسة واقتصاداً وارهاباً وفساداً يبقى الأمل معقوداً على صحوة الضمائر، العراق، سوريا، اليمن وليبيا يستحقون تسوية سياسية توقف التفكك، بلادنا العربية بلاد الحضارات تستحق أن يقفز أمراؤها وساستها فوق المذاهب والطوائف ويأتلفوا في تحالف حقيقي لضرب الارهاب ويؤسسوا لعيش مشترك بين جميع الأديان.