الوقت- تمضي واشنطن بعيداً في الثأر من حزب الله عبر إجراءات إقتصادية تهدف لتجفيف المصادر المالية لحزب الله حيث من المتوقّع أن يصل مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشؤون تمويل الإرهاب في "مكتب شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية"؛ دانيال غلازر" إلى بيروت في الأسبوع الأوّل من أيّار المقبل،لإبلاغ الجانب اللبناني بتفاصيل القانون الأمريكي الأخير حول " منع التمويل الدولي لحزب الله" والذي حمل الرقم 2297، بعد موافقة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في 18 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي على القانون الذي قدّمه رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في الكونغرس الأمريكي "إدوار رويس"، وأقر بالإجماع في 16 كانون الأوّل/ديسمبر 2015.
"غلازر" سيلتقي من زارهم في مارس/آذار عام 2015 لإبلاغهم بتفاصيل القانون الجديد الذي سيضع المصارف اللبنانيّة أمام ضغوط إضافيةً بدأت مع تباطؤ الإقتصاد اللبنانيّ، ولم تنتهي مع التحدّيات الإقتصاديّة النّاجمة عن تداعيات أزمات المنطقة، لاسيّما الأزمة السوريّة، وهذا ما شاهدناه مؤخراً من خلال إعادة تصنيف لبنان إلى"ب"، من حيث المخاطر السياديّة، ومن "مستقرّ" إلى سلبيّ من حيث الرؤية الطويلة الأمد، من قبل "أستندارد أند بورز"، إحدى وكالات التّصنيف العالميّة.
الوضع المصرفي اللبناني، كما السيادي، لا ينذر بالخير قبيل زيارة "غلازر"، فقد أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن المصارف اللبنانية تتحمل مسؤولية تطبيق قانون مكافحة تمويل حزب الله، ولديها الخيار، فإذا لم ترغب بتطبيقه فلا يكون لها عمل مع الخارج، أي مع المؤسسات المالية الدولية، وبالتالي الإعتزال في صومعة الداخل اللبناني، كما أن رئيس جمعيّة المصارف اللبنانيّة جوزبف طربيه قد قال في لقاء مع الصحافيّين في 19 كانون الأوّل/دسمبر من عام 2015: "إنّ أهمّ مفاعيل هذه التشريعات الجديدة هو عدم هروب الإستثمارات والثروات من لبنان".
أبرز الأهداف:
حمل قرار الإدارة الامريكية، الذي يتّخذ طابعاً ناعماً على العكس من كافّة المواجهات مع الكيان الإسرائيلي أو الجماعات التكفيرية، جملة من الأهداف أبرزها:
أولاً: لاشك في أن أبرز أهداف القرار الأمريكي تكمن في توريط الحزب بمواجهة ناعمة إبتداءً مع الأفرقاء السياسيين في لبنان، وبالتالي العمل على تأطير دوره السياسي عبر البوابة الإقتصادية. إستراتيجية الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" تجاه الحزب تتماهي مع إستراتيجيته في سوريا والعراق في المضمون وإن إختلف في الشكل. أي أن الإدارة الأمريكية تسعى لإضعاف حزب الله من الداخل اللبناني، عبر إدخاله في أتون المواجهة السياسية والإقتصادية مع شريحة كبيرة تخشى خسارة أرصدتها المالية في حال مخالفة القانون الأمريكي عبر إظهار أي مرونة إقتصادية معه، خاصّة أن الأمين العام لحزب الله السيّد "حسن نصرالله،" قد حذّر في خطاب ألقاه من على شاشة المنار، في 21 كانون الأوّل/ديسمبر 2015، من الانصياع إلى الإجراءات الأميركيّة.
ثانياً: إن فشل عدوان تموز في العام 2006، ولاحقاً نجاح الحزب في مواجهة الجماعات التكفيرية في سوريا والحفاظ على كيان الدولة السورية، وبالتالي إسقاط المشروع الأمريكي في المنطقة، يعد سبباً لأخذ الحرب على الحزب المنحى "الناعم" والذي يسعى لكسر الحزب عبر الإقتصاد وإلصاق التهم الكاذبة كالإتجار بالمخدّرات و.. لإسقاطه في بيئته الحاضنة التي تعد من أبرز نقاط قوّته.
ثالثاً: إن البيئة الحاصنة للحزب هي المستهدف الأبرز من خلال هذه العقوبات، فقد أوضح السيد "نصرالله"، في الخطاب نفسه، أنّ لا حسابات ماليّة لحزب الله ولا لأيّ من مؤسّساته لدى أيّ من المصارف اللبنانيّة، كما أنه ألاّ أعمال تجاريّة أو استثماريّة للحزب، مطالباً الحكومة اللبنانيّة بالتنبّه كي لا تؤدّي تلك الإجراءات إلى إلحاق الضرر بالمواطنين اللبنانيّين أو بالمؤسّسات اللبنانيّة. تسعى الإدارة الأمريكية من خلال هذا القرار الذي يقضي على السرية المصرفية التي تميّزت بها المصارف اللبنانية استهداف بيئة معيّنة عبر إرسال لائحة بأسماء أفراد أو شركات تحظّر المصارف اللبنانيّة من التّعامل معها.
رابعاً: من أبرز أهداف الزيارة المرتقبة وضع الإقتصاد اللبناني بين مطرقة واشنطن وسندان الحزب، وبالتالي إظهار الأخير على أنه السبب وراء أي أزمة إقتصادية مرتقبة، ولاشك في أن الكيان الإسرائيلي يعد أبرز المستفيدين من خلال هذه الخطوة المقدمة من نائب الحزب الجمهوري ورئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في الكونغرس "إدوار رويس" المقرّب جدّا من اللوبي في دوائر القرار.
القرار لم يكن الأول، ولن يكون الأخير ففي 22 تمّوز/يوليو من عام 2014، سبق للكونغرس الأميركيّ أن صوّت على قانون 4411، الّذي يهدف إلى قطع التّمويل عن "حزب الله"، لكن الإدارة الأمريكية تعتقد أنه إذا ما نجحت في عزل الحزب لبنانياً، أوإيجاد شرخ مع بيئته الحاضنة، فهذا يعني القضاء على أبرز نقاط القوّة لديه، الأمر الذي يسهّل الإنقضاض العسكري عليه في مرحلة لاحقة.