الوقت- أعادني مشهد دهس الشاب البحريني علي عبدالغني من قبل القوات البحرينية إلى مشاهد ألفناها ولكن ليس من شرطة عربية بل عبرية. أعادني هذا المشهد عدّة سنوات الوراء حيث دهست سيارة إسرائيلية في مطلع آذار/مارس 2010 طفلاً فلسطينياً خلال المواجهات في رأس العمود في القدس.
مشهد الأمس كان مشابها لما حصل يوم الثلاثاء 20 يناير/كانون الثاني 2015 في مدينة رهط جنوب الكيان الإسرائيلي عندما قامت سيارة تابعة للشرطة الإسرائيلية بدهس فتى إثر مواجهات بين الشرطة وشبّان عرب. دهس عبد الغني يتماهى في الشكل والمضمون مع الجريمة المماثلة التي إرتكبتها الشرطة الإسرائيلية قبل أسبوعين تقريباً لمواجهة في بلدة حورة في النقب حيث أقدمت سيارة شرطة على دهس الفتى أمير محيسن أبو القيعان.
للوهلة الأولى، وعند قرائتي لخبر الـ"الدهس" ردّدت في قلبي "أعان الله الشعب الفلسطيني على محنته" ولكن عند التدقيق مليا في الخبرً أدركت أن عملية الدهس هذه تمّت في البحرين، ليردّد لساني هذه المرّة "أعان الله الشعب البحريني على محنته"، وتتسلّل إلى ذهني أفكاراً حول الصلة بين الجانبين الإسرائيلي والخليجي، فهل هذا ما قدّمه الجانب الإسرائيلي للسعودية، التي تدير الوضع البحريني سياسياً عبر القنوات الخاصّة وعسكرياً عبر درع الجزيرة، خلال الزيارة الأخيرة التي كشفت عنها القناة العاشرة الإسرائيلية قبل عدّة أسابيع تحت عنوان "وفد إسرائيلي رفيع يزور مدينة الرياض"؟ هل هذا هو القصد من كلام ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال إستقباله في المنامة، قبل شهر تقريبا، الحاخام الإسرائيلي مارك شنايرً عندما قال إن "العلاقات بين بعض الدول العربية و"إسرائيل" مسألة وقت" في ثالث لقاء بين الرجلين؟ هل عملية الدهس هي نتيجة طبيعية "لرفرفة" العلم الإسرائيلي في العاصمة القطرية الدوحة التي تستضيف، اليوم، البطولة الدولية لكرة الطائرة الشاطئية، بمشاركة 54 دولة، من بينها الكيان الإسرائيلي، رغم أنه في الفترة السابقة كانت البعثة الإسرائيلية تتخفّى وراء دول آخرى؟
فجأة ينقطع حبل أفكاري إثر سماعي لكلام والدة الشهيد التي أكّدت أن دم إبنها سيكون فاتحة لتحرير الوطن، لتعيدني مجدّداً إلى السمفونية الإسرائيلية والعبارات التي تردّدها الأمهات الثكلى في فلسطين. نعم، إن حكاية عائلة الشهيد علي عبدالغني هي حكاية العشرات من عوائل الشعب الفلسطيني الذين يقدمون أبنائهم شهداء في حين يقبع أشقّائهم في الأسر، فقد أبت العائلة أن تنجز مراسم التشييع حتى تضمن الإفراج عن شقيقه المعتقل جميل.
وللمفارقة تمّت عملية الدهس هذه بالتزامن مع إستضافة ملك البحرين "حمد بن عيسى آل خليفة" أمس الإثنين رئيس المجلس اليهودي العالمي "رونالد لورد" حيث أكّد الأول للأخير أن البحرين تبنّت عدداً من "المبادرات والمؤتمرات التي تدعو إلى التقارب بين مختلف الأديان والمذاهب"، معتبراً البحرين "معبر وميناء الحضارات في العالم، وجمعت مختلف الديانات في بلد واحد" على حد قوله. الغريب في الأمر أن الحكومة البحرينية التي تستميت لإظهار"التسامح والتعايش" بين مختلف المذاهب والأديان في البلاد، تمارس أقسى أنواع العنف والإضطهاد والتمييز الطائفي ضد الغالبية الشيعية التي لازالت رغم مرور خمس سنوات على هذه الثورة تمارس نشاطاتها بسلمية، مع العلم أن قوات الأمن البحرينية المدعومة من درع الجزيرة إرتكبت مئات الجرائم والإنتهاكات بحق الشعب البحريني المظلوم.
إحدى أبرز مشكلات النظام البحريني اليوم، هي تعويله على وعي المتظاهرين دون خشيته من اللجوء إلى الأسلوب الغير سلمي، ولعل هذا الأمر يقف بشكل رئيسي خلف تمادي القوات الخليفية بإنتهاكاتها. ردود الأفعال بالأمس إقتصرت على التنديد ومطالبة الغاضبين الذين خرجوا بأعداد كبيرة للحكومة الخليفية بإجراء تحقيق عادل لكشف ملابسات الحادثة. هذا أيضاً ما طلبته عائلة الشهيد حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وفاة ابنهم والكشف عن تفاصيل وملابسات حادث اغتياله. جمعية الوفاق أيضاً، طالبت بتحقيق مستقل لمحاسبة المتسببين في استشهاد الشاب "علي عبد الغني"، ومع إدراك النظام البحريني لردّة الفعل المسبقة للشعب لازال يرتكب هذه الجرائم.
لا ريب في أن الحكومة البحرينية التي تسعى لتغليب الخيار الأمني، وتغييب الحل السياسي الذي يعزز التوافق الوطني تتحمّل مسؤولية ما حدث مع الشاب عبد الغني الذي واسى بدمائه شهداء إنتفاضة الأقصى، لذلك على الحكومة أن تعترف أنها كانت غلطة وتعاقب المسؤولين، ونرجو الله ألا تعاود الكرّة فللصبر حدود.
