الوقت - قدّمت خمس منظمات حقوقية، اليوم الخميس، التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية طالبت فيه بإلزام سلطات الاحتلال باستئناف الإخلاء الطبي العاجل لمرضى قطاع غزة نحو مستشفيات الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس المحتلة، في ظل الانهيار الكامل للمنظومة الصحية في القطاع.
وأكدت المنظمات الإسرائيلية: أطباء لحقوق الإنسان، “وجيشاه – مسلك”، ومركز الدفاع عن الفرد، ومركز عدالة، وجمعية حقوق المواطن، أن نحو 16,500 مريضًا في غزة يواجهون خطرًا حقيقيًا على حياتهم، بينهم أطفال ونساء وكبار سن، بعدما غابت العلاجات المنقذة للحياة عن المستشفيات.
ويورد الالتماس صورة شديدة القتامة للبنية الصحية المدمَّرة في القطاع؛ إذ خرج ثلثا المرافق الصحية (647 منشأة قبل أكتوبر 2023) عن الخدمة، ولم يبقَ فعليًا سوى ثلاثة مستشفيات تعمل بكامل طاقتها. كما تراجع عدد الأسرّة من 3500 إلى 1952 سريرًا فقط لخدمة أكثر من مليوني إنسان.
ووفق الالتماس، تكاد الخدمات الأساسية كالعلاج الكيماوي، التصوير الطبي المتقدم، العناية المركزة، جراحات الأورام، وعلاج الأطفال تختفي بالكامل، فيما يواجه أكثر من 11,000 مريض سرطان نقصًا حادًا في الأدوية بعد اختفاء نحو 75% من العلاجات الكيماوية.
ويشير إلى أن الظروف المعيشية القاسية لمئات الآلاف في المخيمات، إلى جانب انتشار الأمراض المعدية والإصابات وغياب رعاية الأمراض المزمنة، تجعل كل يوم تأخير في نقل المرضى تهديدًا مباشرًا لحياتهم.
وتدعم الالتماس إفادات طبية متخصصة، بينها شهادة الدكتورة كارين لبانون، أخصائية الأورام في منظمة أطباء لحقوق الإنسان، التي تقول إن انقطاع العلاج “يقلّل بشكل حاد من فرص الشفاء من السرطان أو حتى من الوصول إلى متوسط عمر طبيعي”.
ومنذ إغلاق معبر رفح في مايو/أيار 2024، تلاشت تقريبًا إمكانية نقل المرضى إلى دول ثالثة مثل مصر وتركيا والإمارات. فعلى الرغم من الحاجة الهائلة، لم يُنقل سوى 2,933 مريضًا منذ الإغلاق، وتراجعت الأعداد مؤخرًا إلى عشرات فقط شهريًا، بينما ينتظر آلاف المرضى دورهم في طوابير طويلة.
ويحذر الالتماس من أن الرحلات الطويلة عبر دول وسيطة غير مناسبة طبيًا، وقد تسبّبت في تدهور خطير للحالات وفي وفيات أثناء الطريق. كما أن العديد من الحالات الحرجة، خصوصًا الأطفال ومرضى السرطان، لا يمكن نقلهم خارج فلسطين أصلًا، ما يجعل بقائهم في غزة بمثابة “حكم بالإعدام”.
ويشير إلى أن الحل الأسرع والأكثر واقعية لإنقاذ الأرواح يكمن في المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية، التي لا تبعد سوى أقل من ساعة عن غزة. فقبل الحرب، شكّلت هذه المستشفيات المركز العلاجي الرئيسي للحالات المعقدة؛ إذ تلقّى 57% من مرضى غزة المحوّلين علاجهم فيها خلال سنوات 2019-2021.
ويُعد مستشفى أوغستا فيكتوريا في القدس نموذجًا لهذه الإمكانات، إذ يضم 170 سريرًا وخدمات أورام متقدّمة، وكان يستقبل نحو 40% من مرضى غزة قبل الحرب. وقد أعلنت مستشفيات المقاصد، الهلال الأحمر، الأميرة بسمة، وعدد من مستشفيات الضفة استعدادها الفوري لاستقبال المرضى وتقديم مسار علاجي مستدام لا يعتمد على دول وسيطة.
ويؤكد الالتماس أن سلطات الاحتلال المسيطرة على المعابر وصاحبة القرار الحصري في السماح بخروج المرضى، “ملزمة قانونيًا بموجب القانون الدولي وقرارات سابقة للمحكمة العليا، بتأمين العلاج للسكان الواقعين تحت سيطرتها الفعلية”.
وتشدد المنظمات على أن سلطات الاحتلال تنتهك هذا الواجب وتعرض حياة المدنيين للخطر عبر منع وصولهم إلى الرعاية.
ويختتم الالتماس بالتشديد على أن “القضية ليست سياسية أو أمنية، بل تتعلق بالتزام أساسي بإنقاذ الأرواح”. فالمعاناة والوفيات بين المرضى في غزة ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة مباشرة لسياسة يمكن تغييرها بقرار واحد”.
