الوقت- في أبريل 2016، كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن برنامج طموح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يُسمى "رؤية 2030"، وكان هدفه الرئيسي تقليل اعتماد المملكة العربية السعودية على عائدات النفط وبناء اقتصاد متنوع ومستدام وقادر على المنافسة عالميًا.
في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، واجهت المملكة العربية السعودية تحديات اقتصادية جسيمة، بما في ذلك اقتصاد شبه أحادي المنتج قائم على النفط، وارتفاع معدلات البطالة، وهياكل حكومية غير فعالة، وضعف الشفافية والرقابة. في ضوء هذه المشاكل، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030 في عام 2016 لتغيير مسار البلاد نحو اقتصاد متنوع ومجتمع ديناميكي.
يمكن تقييم رؤية السعودية 2030 من خلال ثلاثة محاور عامة: اقتصاد متنوع وديناميكي يهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وزيادة حصة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، واستبدال النفط بالتقنيات الحديثة، أما المحور الثاني، فهو زيادة المشاركة والديناميكية في المجتمع، بهدف تحسين جودة حياة المواطنين، وتطوير الخدمات العامة كالصحة والتعليم، وزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، أما المحور الأخير، فهو تعزيز دور المملكة العربية السعودية في الاقتصاد العالمي والتجارة والطاقة، وتعزيز العلاقات الدولية.
شملت المرحلة الأولى من تنفيذ رؤية 2030 إنشاء مؤسسات حكومية متخصصة، وإعادة هيكلة نظام الحوكمة، وتحديد مشاريع الاقتصاد الكلي.
ومنذ انطلاق البرنامج، بدأت مشاريع مثل تطوير المدن الذكية، والإصلاحات الاقتصادية، وجذب الاستثمار الأجنبي، كما شمل البرنامج إصلاحات اجتماعية وثقافية، مثل زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتوسيع الفرص التعليمية والثقافية.
لقد أثارت التغطية الإعلامية للفعاليات الباذخة والتصاميم المفاهيمية الشبيهة بأفلام الخيال العلمي، والتي كانت شائعة للغاية وقت انطلاق المشروع، دهشة الناس، ولكن الآن، وبعد ما يقرب من عقد من الزمان على انطلاقه، تساور الكثيرين شكوك جدية حول جدواه وسهولة الوصول إليه، ما أثار الكثير من الشكوك حول المشروع.
تشير الأدلة الميدانية والتقارير الدولية إلى أن بعض برامج رؤية 2030 الشهيرة لم تتأخر فحسب، بل إن بعضها الآخر يخضع بالفعل لتقليص أو إصلاح شامل.
تشير التقارير الإخبارية إلى أن مشروع "نيوم"، وخاصة الجزء المثير للجدل من مدينة الطاقة الخضراء المستقبلية المعروفة باسم "ذا لاين"، يتعرض لضغوط لمراجعة ميزانيته ونطاقه؛ وتقول مصادر مقربة من المشروع إن ميزانية نيوم للعام المقبل لم تُعتمد بعد من قبل صندوق الاستثمارات العامة، وهناك مؤشرات واضحة على تقليص الأهداف.
كان من ركائز تنفيذ رؤية 2030 ضخ رأس مال ضخم من خلال صندوق الاستثمارات العامة واستخدام قدرته كمحرك تمويل للمشاريع. على الرغم من إصرار التقارير الرسمية على نمو الأصول، إلا أن الضغط لتأمين السيولة للمشاريع المتزامنة وارتفاع تكاليف البناء قد زاد من مخاطر السيولة؛ بمعنى آخر، لا تضمن الأصول الكبيرة للصندوق سيولة فورية، وقد تُشكل التكاليف المرتفعة للمشاريع العملاقة ضغطًا على السيولة التشغيلية.
كما أدى انخفاض عائدات النفط وارتفاع الالتزامات الرأسمالية إلى تضييق الحيز المالي، وقد قيّمت وكالات التصنيف الائتماني، بما في ذلك وكالة فيتش، نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على أنها في ارتفاع، وحذرت من أن العجز الموسمي والإنفاق على المشاريع قد يدفعان نسبة الدين إلى الارتفاع في السنوات القادمة؛ وتشير هذه التحذيرات إلى هشاشة الهيكل المالي لتنفيذ المشاريع العملاقة في مواجهة صدمات أسعار النفط.
واستجابةً لهذه الضغوط، عدّلت الحكومة السعودية والجهات المنفذة سياساتها، وراجعت تصميم وحجم المشاريع، وأعادت ترتيب أولويات الاستثمارات نحو مجالات العائد السريع (التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي)، وأعلنت عن تخفيضات في النفقات الرأسمالية على المدى القصير.
ولكن هذه الاستجابات، بدلًا من أن تُمثل حلاً للمشكلة، تُمثل نقلًا للمخاطر وتأجيلًا للتكاليف إلى المستقبل؛ إن إعادة تخصيص الموارد لمشاريع قصيرة الأجل قد تُقوّض المكاسب طويلة الأجل وهيكل التحول الاقتصادي.
من ناحية أخرى، لا تزال بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية التي تناولتها رؤية 2030 تُظهر تحسنًا، إلا أن هذه التحسينات لا تشير بالضرورة إلى استدامة النموذج المالي: ففي السنوات الأخيرة، شهد قطاع السياحة قفزة كبيرة، حيث سُجّل أكثر من 100 مليون زائر في عام 2023، و27.4 مليون سائح دولي ضمن هذا النمو، إلا أن هذا النجاح السياحي لا يُمكنه، عمليًا، تعويض جميع الضغوط الناجمة عن النفقات الرأسمالية الضخمة والالتزامات طويلة الأجل.
فيما يتعلق بالإنتاج والتوظيف، شهد الاقتصاد غير النفطي نموًا (يُشير التقرير الرسمي إلى أن النمو غير النفطي يقارب 4-5%)، إلا أن معدل البطالة في السعودية لا يزال يُسجّل حوالي 7%؛ وتُشير هذه المفارقة إلى أن النمو الاقتصادي لم يُترجم بالكامل بعد إلى تحسن في سوق العمل المحلي وخلق قوة عاملة ماهرة للصناعات المعقدة.
وفي ظل هذه الظروف، فإن الاعتماد على الاستثمار الذي تقوده الدولة والمشاريع الضخمة للغاية لن يؤدي إلى أي نتيجة دون إجراء إصلاحات مؤسسية وتعزيز جاذبية الاستثمار الخاص الأجنبي.
التزمت الحكومة السعودية بتقديم إحصاءات وأرقام حول المشروع بطرق مختلفة خلال السنوات القليلة الماضية، ويُظهر العرض المتكرر لهذه التقارير والأرقام والبيانات الواردة فيها سعي المسؤولين السعوديين إلى زيادة التأثير على الرأي العام من خلال اللجوء إليها، وإلا، فإن العديد من هذه الإحصاءات لا يتطابق مع التقارير التحليلية، بل ذهب الكثيرون إلى أبعد من ذلك، قائلين إن الحكومة السعودية بدأت بالفعل في اختلاق إحصاءات، ولا أساس لها من الصحة.
بشكل عام، تُظهر التطورات الأخيرة أن رؤية 2030 - على الرغم من طموحها وتغطيتها الإعلامية الواسعة - وصلت الآن إلى مرحلة تتطلب مراجعة جذرية، إن توقف أو تباطؤ المشاريع الرئيسية، والانخفاض الحاد في تدفقات الاستثمار الأجنبي، وأزمة السيولة الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، والضغط المتزايد على النفقات الجارية للحكومة، كلها تشير إلى فجوة عميقة بين الأهداف المعلنة والقدرات الحقيقية للاقتصاد السعودي.
ومن غير المستبعد أن تتمكن المملكة العربية السعودية من إنجاز هذه المشاريع حتى على نطاق أصغر، وفي بعض الحالات تتقبل الفشل والانحراف عن الأهداف، من ناحية أخرى، تُظهر الدراسات أنه إذا أرادت السعودية مواصلة هذا التوجه، فبعد سنوات، سنرى هذه المشاريع تكتسب شعبيةً مجددًا في الفضاء الإلكتروني بشكل مختلف، هياكل حديدية غير مكتملة ظهرت في قلب الصحراء، وتبدو أشبه بمدن أشباح منها بالحلم الذي روّج له ابن سلمان للعالم.
