الوقت- في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، تتجدد المفاوضات بين حركة المقاومة الإسلامية حماس والاحتلال الإسرائيلي في محاولة لوقف نزيف الدماء وإنهاء المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون. هذه الجولة من المفاوضات تأتي وسط تعنت واضح من قبل الكيان الصهيوني الذي يرفض التنازل عن شروطه الأمنية القاسية، ويصر على إبقاء الحصار والاحتلال، في حين تبدي حماس موقفًا وطنياً صلبًا يرفض الاستسلام ويطالب بحقوق شعبها المشروعة، من وقف إطلاق نار دائم، ورفع الحصار، وإطلاق سراح الأسرى.
حماس..جدية التفاوض في مواجهة صلف الاحتلال
حركة حماس تؤكد أنها تخوض هذه المفاوضات بكل جدية ومسؤولية، مدفوعة بواجبها الوطني والإنساني تجاه شعب غزة الذي يعاني حصاراً خانقاً ودماراً واسعاً. فقد أعلنت الحركة عن رد إيجابي على مقترح وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، مع استعدادها للانخراط فوراً في جولة مفاوضات جادة مع الوسطاء القطريين والمصريين، رغم كل التحديات. موقف حماس يعكس إدراكها العميق بأن التهدئة ليست فقط ضرورة إنسانية، بل أيضاً فرصة لإعادة ترتيب الأوراق في مواجهة الاحتلال. في المقابل، ترفض حماس بشدة الشروط الإسرائيلية التي تحاول فرض السيطرة الأمنية على مناطق استراتيجية في غزة، وتطالب بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي ، ورفع الحصار بشكل كامل. هذا الموقف يعكس تصميم الحركة على حماية حقوق شعبها وعدم القبول بأي حلول شكلية أو مؤقتة تكرس الاحتلال.
سيناريوهات متعددة
المفاوضات الحالية تحمل في طياتها احتمالات متعددة، لكن حماس تضع خطوطاً حمراء واضحة أمام أي محاولة لاستمرار الاحتلال أو فرض شروط مجحفة. السيناريو الأول هو التوصل إلى اتفاق تهدئة حقيقي يشمل وقف إطلاق نار دائم، انسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية، وضمانات دولية لعدم تجدد العدوان، وهو ما تسعى إليه الحركة بكل قوة. السيناريو الثاني هو فشل المفاوضات بسبب تعنت الاحتلال، مما قد يدفع حماس إلى تصعيد المقاومة بكل الوسائل المشروعة، بما في ذلك العمليات العسكرية التي تؤكد قدرة الحركة على الردع والدفاع عن شعبها. السيناريو الثالث هو اتفاق محدود يفرضه الاحتلال بشروطه الأمنية، وهو ما ترفضه الحركة جملة وتفصيلاً، معتبرةً أن مثل هذا الاتفاق لن يكون سوى استسلام مؤقت يزيد من معاناة الفلسطينيين. حماس تؤكد أن المقاومة مستمرة، وأن أي تهدئة يجب أن تكون على أساس حقوق الشعب الفلسطيني كاملة، لا تنازلات على حساب كرامته وحريته.
تعنت الاحتلال .. ماذا يخفي الاحتلال؟
الجانب الإسرائيلي، برغم بعض التصريحات الرسمية عن استعداد للمفاوضات، يخفي وراء الكواليس نوايا واضحة للحفاظ على احتلاله وسيطرته الأمنية على غزة. إسرائيل ترفض الانسحاب الكامل، وتصر على إبقاء وجود عسكري في مناطق استراتيجية، كما ترفض الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وتربط أي تقدم في المفاوضات بإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، في محاولة لاستغلال ملف الأسرى كورقة ضغط سياسية وعسكرية. هذا التعنت الإسرائيلي يكشف عن نية واضحة في استمرار الحصار، وفرض شروط تعجيزية تجعل من أي اتفاق وقف إطلاق نار مجرد تهدئة مؤقتة لا تحقق السلام ولا تضمن حقوق الفلسطينيين. كما تستخدم إسرائيل أساليب الابتزاز الإعلامي والسياسي، وتحاول فرض شروطها في اللحظات الأخيرة، مما يعرقل فرص التوصل إلى اتفاق حقيقي. حماس، من جهتها، ترفض هذه الممارسات وتؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي صفقة لا تحقق العدالة والحرية.
دور المقاومة في صناعة القرار ومستقبل غزة
حركة المقاومة الإسلامية حماس ليست مجرد طرف تفاوضي، بل هي قوة وطنية تمثل إرادة شعب يعيش تحت وطأة الاحتلال والحصار. دورها في صناعة القرار في مفاوضات غزة يتجاوز مجرد التفاوض على وقف إطلاق النار، ليشمل حماية الحقوق الوطنية والمقاومة المستمرة ضد الاحتلال. حماس تدرك أن أي اتفاق لا يضمن رفع الحصار وعودة الحقوق لن يكون سوى استراحة مؤقتة في معركة طويلة الأمد. لذلك، فهي توازن بين الاستجابة للضغوط الدولية والإنسانية وبين الحفاظ على ثوابتها الوطنية، مما يجعل موقفها أكثر صلابة وواقعية. المقاومة ليست فقط خيارًا عسكريًا، بل استراتيجية شاملة تشمل العمل السياسي والدبلوماسي والاجتماعي، بهدف بناء قوة فلسطينية قادرة على مواجهة الاحتلال وتحقيق الاستقلال. في هذا السياق، فإن أي مفاوضات يجب أن تُقاس بمدى قدرتها على تحسين حياة الفلسطينيين وإعادة الحقوق المسلوبة، وليس بمجرد وقف مؤقت لإطلاق النار.
في النهاية،في ضوء ما سبق، يتضح أن المفاوضات بين حركة المقاومة حماس والكيان الصهيوني تعكس صراعًا أعمق من مجرد وقف إطلاق نار مؤقت، فهي تجسد معركة وجودية بين شعب مقاوم يسعى للحرية وكيان يحتل ويصر على فرض شروطه التعسفية. تعنت الاحتلال الإسرائيلي في المفاوضات، تمسكه بشروط أمنية مشددة، واستخدامه ملف الأسرى كورقة ضغط، كلها عوامل تعكس عدم جدية حقيقية في إنهاء الاحتلال أو تحقيق سلام عادل. في المقابل، تظهر حماس بموقف وطني صلب، يرفض الاستسلام ويطالب بحقوق شعبها كاملة، معتمدة على المقاومة كخيار استراتيجي لا بديل عنه. مستقبل غزة مرتبط بشكل وثيق بمدى قدرة المقاومة على فرض إرادتها، وبحجم الدعم الإقليمي والدولي الذي يمكن أن يضغط على الاحتلال لرفع الحصار وإنهاء العدوان. وفي ظل هذه المعادلة، تبقى المفاوضات فرصة حقيقية فقط إذا كانت مبنية على احترام الحقوق الفلسطينية، وإلا فإن استمرار الإبادة والدمار سيظل هو السيناريو الأكثر ترجيحًا.