الوقت - رداً على تماديهم واعتداءاتهم المتكررة، أطلقت إيران فجر الأحد المرحلة الثالثة من ضرباتها النوعية تحت مسمى “الوعد الصادق 3”. وفي هذه العملية الواسعة النطاق، هوت الصواريخ الإيرانية كالصاعقة على عدة مدن صهيونية، وبالأخص تل أبيب وحيفا وأشدود وميناء إيلات، مستهدفةً إياها بصورة مباشرة، مما أسفر عن تصدع البنى التحتية وتدمير المنشآت العسكرية وتقويض المناطق السكنية في الأراضي المحتلة.
بلغت فداحة الانفجارات وجسامة الدمار مبلغاً عظيماً، حتى أن المشاهد المنبثقة من هذه الهجمات غدت محاكيةً للمشاهد التي صنعها الكيان الصهيوني في غزة طوال العامين المنصرمين. فسلسلة الانفجارات المهولة والنيران المستعرة وسحب الدخان التي حجبت ضوء السماء، أثارت موجةً من الذعر والفوضى العارمة اجتاحت مستوطنات الكيان بأسرها.
وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الصارم والقيود المشددة التي فرضها الكيان الصهيوني على تداول أنباء الخسائر الفادحة جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية، فقد تسربت صور وتقارير تكشف عن نقل المصابين إلى المراكز الطبية والوضع المتأزم في المناطق المنكوبة. وبحسب التقارير الواردة، فإن الهجوم الصاروخي على مدينة حيفا، وتحديداً في منطقة طمرة، ألحق أضراراً جسيمةً، حيث سقط عدد من القتلى والجرحى الصهاينة، فضلاً عن آخرين ما زالوا يرزحون تحت أنقاض المباني المتهاوية.
أفصحت بعض المصادر الإسرائيلية أن حصيلة القتلى في حيفا ناهزت خمسة أشخاص. وتكشف الصور المنتشرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن حالة من الفوضى العارمة في منطقة “طمرة”، حيث اندلعت صدامات بين السكان وقوات الشرطة أفضت إلى اضطرابات متعددة في أرجاء المدينة. كما أفادت التقارير بأن ما يربو على واحد وستين مبنى قد طالته يد الدمار جراء هذه الهجمات.
وفي أعقاب الهجوم الإيراني المزدوج بالصواريخ والمسيرات، دوت صفارات الإنذار المتواصلة في شتى أنحاء الأراضي المحتلة، مما حدا بملايين الإسرائيليين إلى الفرار نحو الملاجئ مذعورين. وبعد أن طالت الصواريخ الإيرانية مصفاة حيفا، غرقت العديد من المستوطنات الصهيونية في ظلام دامس جراء انقطاع التيار الكهربائي.
تل أبيب تغرق في بحر الأزمات
نقلت مصادر صهيونية عن شهود عيان أنباء تصف هول الدمار الذي خلفته الصواريخ الإيرانية في منطقة “بات يام” جنوب تل أبيب. وأقرت إذاعة جيش الكيان الصهيوني بأن الخراب الذي حلّ بـ بات يام جراء إصابة الصواريخ الإيرانية يفوق كل تصور. وأدلى أحد شهود العيان لإذاعة الجيش الصهيوني بشهادة مروعة قائلاً: “لقد حلّ ببات يام دمار لم يشهد له التاريخ مثيلاً نتيجة الهجوم الصاروخي الإيراني”.
ونقلت قناة الجزيرة عن مصادر صهيونية أن عدد ضحايا الهجمات الصاروخية الإيرانية على منطقة بات يام في تل أبيب، قد ارتفع إلى عشرة قتلى. وأضافت هذه المصادر أن حصيلة الجرحى تصاعدت لتبلغ مائتين وأربعين شخصاً.
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن التقديرات تشير إلى فقدان خمسة وثلاثين شخصاً في موقع سقوط الصاروخ الإيراني في بات يام. وأماطت وسائل الإعلام العبرية اللثام عن محاصرة مستوطنين داخل مبنى مركز “وايزمان” للأبحاث في منطقة “برحوفوت” في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني، منوهةً بالأضرار البالغة التي لحقت بهذا المرکز.
وتجسّد المشاهد المصورة لحظات الرعب التي عاشها المستوطنون إثر إصابة الصواريخ الإيرانية لأهداف في قلب تل أبيب، حيث تعالت صرخات الفزع والذعر من المستوطنين في المناطق المحيطة. وفي لحظة الضربة المدمرة، هرع السكان في حالة من الهلع المستشري إلى الملاجئ، وتحولت المناطق المستهدفة برمتها إلى ساحة من الفوضى والاضطراب. وأفادت مصادر محلية عن حالة من التخبط والهلع المستحكم بين أوساط المستوطنين.
وإلى جانب حجم الدمار الهائل، شكّل انعدام الملاجئ في بعض المناطق معضلةً خطيرةً للمستوطنين. وأفصح مستوطنون صهاينة، ممن اضطروا لقضاء ساعات في العراء بعد الهجمات الإيرانية الكاسحة، أن عشرات الآلاف من المباني القديمة في تل أبيب تفتقر إلى الملاجئ الآمنة. وصرح مستوطنون في تل أبيب بمرارة: “ليس لدينا ملاجئ، وجيراننا يوصدون أبواب ملاجئهم في وجوهنا”. ولذا تبرز المشاهد المصورة لجوء بعض المستوطنين إلى الأنفاق فراراً من الصواريخ الإيرانية، مما تسبب في اختناقات مرورية خانقة.
وتكشف تقارير وسائل الإعلام العبرية أن أربعين بالمائة من قاطني تل أبيب، يقطنون في مبانٍ تفتقر إلى ملاجئ واقية. ويأتي ذلك في وقتٍ ما انفك المسؤولون الصهاينة يتشدقون بوجود ملاجئ وافرة في الأراضي المحتلة.
ومع تصاعد الموجة الجديدة من الضربات الإيرانية، استشرى الخوف والهلع في أوصال الأراضي المحتلة، مما أجبر حكومة نتنياهو المتطرفة على إغلاق العديد من المرافق. وکتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” قائلةً: “اتخذ المسؤولون الإسرائيليون، في خضم التوتر المتصاعد مع إيران، قراراً بتعليق نشاط المدارس والمؤسسات التعليمية والمنشآت الصناعية”.
ليلة عصيبة أذاقت الصهاينة مرارة الخوف
بلغت الأوضاع في الأراضي المحتلة مبلغاً عصيباً، اضطر معه المسؤولون الصهاينة إلى الإقرار بعظمة القدرة العسكرية الإيرانية. وأعلن قائد الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني في هذا الصدد: “مرت على إسرائيل ليلة بالغة القسوة، ونحن نواصل في ‘بات يام’ البحث عن ناجين تحت أكوام الأنقاض”.
كما أقر “يائير لابيد” رئيس المعارضة في الكيان الصهيوني قائلاً: “لقد كانت الليلة الماضية، مع وابل الموت الإيراني، ليلةً قاسيةً ومميتةً بكل المقاييس”. وفي السياق ذاته، اعترف “إيهود باراك” رئيس الوزراء السابق للكيان الصهيوني، مشيراً إلى الهجمات الصاروخية الإيرانية: “إننا نواجه امتحاناً عسيراً طويل الأمد”.
لقد حملت الضربات الصاروخية والمسيرة الإيرانية على الأراضي المحتلة، التي بثّت الرعب في قلوب الصهاينة وألحقت دماراً فادحاً في شتى المناطق، رسالةً بليغةً وتحذيراً صارماً بأن عهد الإفلات من العقاب قد ولى إلى غير رجعة بالنسبة للكيان الصهيوني، وأن أي اعتداء على الأراضي الإيرانية سيقابل بردٍ حازم وحاسم. وإذا أصر قادة تل أبيب على المضي في مغامراتهم الطائشة، فعليهم أن يترقبوا عواقب أشدّ وطأةً وأنكى أثراً. هذه المرة، شهد الصهاينة والمستوطنون بأم أعينهم شذرات من الدمار والمعاناة التي أذاقوها لأهل غزة الصامدين على مدى سنوات طويلة. والحقيقة الجلية التي تتجلى اليوم هي أن شبح انعدام الأمن وأهوال الحرب لن يظلا حبيسي أرض فلسطين، بل ستهوي الصواريخ الإيرانية الباطشة في قلب الأراضي المحتلة، لتزرع في نفوس الغاصبين الخوف الذي طالما زرعوه في نفوس الآمنين.
