الوقت- إن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الكيان الصهيوني يعد دائما نقطة تحول في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني، إن هذا الحدث لا يشكل انتصاراً قانونياً وسياسياً لحركات المقاومة فحسب، بل له أيضاً تأثير عميق على النفسية الجماعية للشعب الفلسطيني وحتى المجتمع المضطهد من قبل النظام الصهيوني، ومن وجهة نظر جبهة المقاومة فإن كل أسير محرر هو رسول حي لثقافة الاستدامة وتذكير بأن القضية الفلسطينية لا تقهر.
إن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، سواء الذين تعرضوا للتعذيب في الحبس الانفرادي لسنوات أو المراهقين الذين يتم اعتقالهم بتهمة إلقاء الحجارة، هم رموز للشرف والكرامة في نظر الشعب الفلسطيني والعالم الإسلامي.
إن إطلاق سراح هؤلاء الأسرى لا يعني عودة الأحباء من براثن العدو فحسب، بل يؤكد أيضاً أن المقاومة، حتى في أصعب الظروف، تحقق نتائج، إن كل عملية تحرير تنقل رسالة إلى الجيل الشاب من الفلسطينيين مفادها بأن "المقاومة تنتصر في النهاية".
يسعى الكيان الصهيوني إلى كسر معنويات الفلسطينيين من خلال سجن آلاف الأشخاص دون محاكمة عادلة، لكن كل إطلاق سراح يخلق أملاً جديداً في قلوب العائلات والشباب، إن صور الاستقبال الحماسي للأسرى المحررين في مدن رام الله وغزة وجنين لا تعمل على تعزيز الفخر الوطني فحسب، بل تشجع الجيل الجديد على مواصلة النضال والمقاومة بدلاً من الاستسلام، على سبيل المثال، بعد صفقة تبادل الأسرى في عام 2011 (صفقة الشيخ أحمد ياسين)، خرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشوارع وهم يهتفون: "الطريق إلى القدس يمر عبر سجون الاحتلال!".
إن إطلاق سراح الأسرى قضية متفق عليها بين كل الفصائل الفلسطينية، وهذا يؤدي إلى وحدة مؤقتة للجبهة الداخلية الفلسطينية ويثبت أن الطريق الوحيد لتحقيق الحقوق هو المقاومة المسلحة والدبلوماسية القوية، حتى المجموعات التي كانت تختلف سابقًا حول أساليب القتال تقف جنبًا إلى جنب أثناء تبادل الأسرى.
منذ عقود من الزمن، حاول الكيان الصهيوني تقديم نفسه باعتباره "قلعة منيعة" في الشرق الأوسط، لكنه في كل مرة يضطر إلى إطلاق سراح العشرات من السجناء الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح جنوده أو جواسيسه (كما في حالة "جلعاد شاليط)، هذه الصورة المزيفة تتكسر.
إن المجتمع الصهيوني الذي يتعرض باستمرار لدعاية نظامه الأمنية، يقبل تدريجيا أن حتى أقوى المؤسسات الأمنية لا تستطيع الصمود في وجه إرادة المقاومة الفلسطينية.
ويؤدي إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وخاصة الذين شاركوا في العمليات العسكرية، إلى خلق موجة من الخوف في المستوطنات الصهيونية غير الشرعية، وتفيد وسائل إعلام عبرية في كثير من الأحيان بأن المستوطنين يحذرون من "تكثيف هجمات المقاومة" بعد كل عملية تبادل أسرى، ويؤثر هذا الخوف على الحياة اليومية ويؤدي إلى تفاقم الهجرة العكسية لبعض المستوطنين إلى أوروبا أو أمريكا.
تتحول كل عملية تبادل أسرى في "إسرائيل" إلى نقاشات ساخنة بين أحزاب اليمين المتطرف والتيارات المعتدلة على ما يبدو، ويصف اليمينيون مثل بنيامين نتنياهو وإيتامار بن غفير إطلاق سراح السجناء بأنه "استسلام للإرهاب"، في حين يضطر آخرون إلى التفاوض للحفاظ على ماء الوجه الدولي، ويؤدي هذا التناقض إلى زيادة عدم ثقة الصهاينة بنظامهم، ويؤدي في بعض الأحيان إلى الاحتجاجات في الشوارع (مثل التجمعات أمام مقر رئيس الوزراء).
ورغم محاولات الدعاية الصهيونية لشيطنة الأسرى الفلسطينيين، فإن حريتهم، وخاصة النساء والأطفال، تؤثر في بعض الأحيان بقوة على الرأي العام العالمي، وإن نشر صور الأسرى الذين تظهر على أجسادهم علامات التعذيب يضع المجتمع الصهيوني أمام السؤال التالي: هل هذه هي نفس الحكومة التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وحتى في الأراضي المحتلة، تتحدث منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة بتسيلم أحياناً عن ظروف السجن غير الإنسانية، وهو الأمر الذي يكشف بشكل أكبر عن الفضيحة الأخلاقية للنظام الحاكم.
لقد كانت صفقة تبادل جلعاد شاليط التاريخية في عام 2011، والتي أجبرت "إسرائيل" خلالها على إطلاق سراح 1027 أسيراً فلسطينياً، بما في ذلك شخصيات بارزة مثل أحمد سعدات، نقطة تحول في تاريخ النضال الفلسطيني، ولم يؤد هذا الحدث إلى زيادة شعبية حماس في الضفة الغربية وغزة فحسب، بل أظهر أيضاً مدى ضعف تل أبيب في مواجهة عودة أسراها.
وفي أعقاب التبادل، أظهرت استطلاعات الرأي في "إسرائيل" أن 72% من المواطنين يعتقدون أن الاتفاق عزز الروح المعنوية الفلسطينية، ومن ناحية أخرى، اعترفت وسائل إعلام صهيونية مثل صحيفة هآرتس بأن هذا الفشل الاستراتيجي ألقى بظلال ثقيلة على الشعارات الأمنية للحكومة اليمينية، لكن وضعها الآن أصبح أسوأ، حيث اضطرت إلى التصالح مع نفس المشكلة التي وعد الكيان بتدميرها.
إن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، سواء من خلال التبادل أو المقاومة المسلحة، هو الرابط بين النضالين الماضي والمستقبل، ومن ناحية أخرى، تعمل هذه الأحداث على تعزيز روح المقاومة، وخاصة بين جيل الشباب، ومن ناحية أخرى، فإنها تواجه الجسم المريض للمجتمع الصهيوني بالشكوك الأمنية والأخلاقية، لقد أثبتت التجربة التاريخية أنه لا يمكن لأي جدار أمني أو سلاح تقدمي أن يقاوم الإرادة التي تناضل من أجل الحرية، فلسطين حية، وكل أسير يعود إلى حضن الوطن هو بشرى فجر يوم يرفرف فيه علم فلسطين على سقف القدس.