الوقت- أرمينيا، باعتبارها واحدة من الدول المحورية في جنوب القوقاز، تجد نفسها منذ سنوات في صراع بين توجهاتها الغربية وعلاقاتها التقليدية مع روسيا.
وتعيد البلاد، المعروفة بأنها واحدة من أقرب حلفاء موسكو منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، النظر في سياستها الخارجية الآن، لقد أدت التحركات الأخيرة التي اتخذتها يريفان نحو الاقتراب من الاتحاد الأوروبي وربما الانضمام إلى هذه المؤسسة إلى إحداث تغيير جذري في المعادلات الجيوسياسية في المنطقة.
تحاول هذه المقالة دراسة آثار هذا التطور على روسيا وإظهار كيف يمكن لمثل هذا التغيير أن يشكل تحديًا للنظام الإقليمي التقليدي.
أسباب تحول أرمينيا نحو الغرب
كانت العلاقات بين أرمينيا وروسيا في العقود الأخيرة تعتمد على الروابط الاقتصادية والعسكرية والتاريخية، لقد تم الاعتراف دائمًا بروسيا كضامن أمني رئيسي لأرمينيا وشريكها الاستراتيجي في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي(CSTO).
ومع ذلك، هناك عدة عوامل أدت إلى ميل أرمينيا تدريجيا نحو الغرب والاتحاد الأوروبي، لقد أدت خيبة الأمل من عدم دعم روسيا في حرب كاراباخ الثانية عام 2020 وهزيمة أرمينيا امام أذربيجان إلى إضعاف ثقة يريفان في الدعم العسكري من موسكو.
ولم تكن روسيا غير قادرة على وقف تقدم أذربيجان فحسب، بل اعتبر العديد من السياسيين والشعب الأرمني أن دورها كوسيط في هذا الصراع غير كافٍ.
لقد أدى النفوذ الغربي المتزايد في السياسة الداخلية الأرمنية إلى قيام حكومة نيكول باشينيان، الذي تولى السلطة منذ عام 2018، بتبني سياسة خارجية أكثر توازناً وإظهار استعداد أكبر للتعاون مع الاتحاد الأوروبي.
وتشكل الإصلاحات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية المحورين الرئيسيين لتعاون أرمينيا مع الغرب، إن الضغوط الاقتصادية والحاجة إلى تنويع الاقتصاد الأرميني تعتمد بشكل كبير على روسيا، ولكن التعاون مع الاتحاد الأوروبي يمكن أن يمهد الطريق لجذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز التجارة الخارجية للبلاد.
عواقب عضوية أرمينيا في الاتحاد الأوروبي على روسيا
إن توجه أرمينيا نحو الاتحاد الأوروبي وإمكانية عضويتها في هذه المؤسسة سيكون له عدة تأثيرات على روسيا، ويمكن دراسة هذه العواقب في ثلاثة أبعاد: السياسية والأمنية والاقتصادية.
البعد السياسي؛ إضعاف النفوذ الجيوسياسي لروسيا لقد كانت منطقة جنوب القوقاز منذ فترة طويلة جزءًا من مجال نفوذ روسيا، إن عضوية أرمينيا في الاتحاد الأوروبي تعني ابتعاد البلاد عن مجال نفوذ موسكو والميل نحو السياسات الموجهة نحو الغرب.
ومن الممكن أن يؤدي هذا التغيير إلى تقليص مصداقية روسيا وقوتها التفاوضية في المعادلات الإقليمية، أرمينيا عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
إن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى انسحاب أرمينيا من هذه المؤسسات أو تقليص التزاماتها، وهو ما قد يضعف بنية التحالفات الإقليمية التي تقودها روسيا، إن توجه أرمينيا نحو الاتحاد الأوروبي يمكن أن يصبح نموذجاً لدول أخرى في جنوب القوقاز مثل جورجيا وحتى أذربيجان، وهو ما من شأنه أن يشكل تحدياً استراتيجياً للسياسة الخارجية الروسية.
البعد الأمني؛ إن النفوذ العسكري والسياسي المتزايد للغرب في جنوب القوقاز، بالقرب من أرمينيا، قد يؤدي إلى زيادة حضور حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في المنطقة، وقد يشكل هذا التطور تحديا للنظام الأمني التقليدي في المنطقة، والذي كانت روسيا تهيمن عليه.
وستكون هذه القضية أيضًا عاملاً في تعطيل دور روسيا كضامن لأمن أرمينيا، باعتبارها شريكها العسكري الرئيسي والضامن لأمنها ضد التهديدات من أذربيجان وتركيا.
إن العضوية في الاتحاد الأوروبي قد تضعف دور روسيا في ضمان أمن أرمينيا، وربما تؤدي إلى انسحاب القوات الروسية من القواعد العسكرية في البلاد، حتى الآن، لعبت روسيا دور الوسيط التقليدي في الصراع في كاراباخ، إن التقارب بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى دخول أطراف جديدة في الصراع وإضعاف موقف روسيا كوسيط.
البعد الاقتصادي؛ يعتمد اقتصاد أرمينيا بشكل كبير على روسيا، وخاصة في مجال الطاقة والعمالة المهاجرة، ومن الممكن أن تعمل عضوية الاتحاد الأوروبي على تقليص هذا الاعتماد وفتح آفاق جديدة للتجارة والاستثمار الأرميني، إن المنافسة الاقتصادية في الأسواق الإقليمية للاتحاد الأوروبي قد تشكل تحدياً لموقف روسيا باعتبارها الشريك التجاري الرئيسي لأرمينيا من خلال تقديم استثمارات جديدة وحوافز اقتصادية.
وقد يؤدي هذا إلى انخفاض حصة روسيا في أسواق جنوب القوقاز، إن إضعاف النفوذ المالي لروسيا في أرمينيا، التي تعد أحد المتلقين الرئيسيين للتحويلات المالية من العمال المهاجرين في روسيا، من شأنه أن يقلل من هذا التدفق المالي ويضعف إحدى أدوات النفوذ الاقتصادي الروسي.
إضعاف النفوذ الجيوسياسي لروسيا في جنوب القوقاز
لقد كانت منطقة جنوب القوقاز معروفة دائمًا بأنها الحديقة الخلفية لروسيا، إن التقارب بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي قد يعني تقليص النفوذ الروسي في المنطقة، وقد يؤدي هذا التطور، وخاصة في ظل ميل جورجيا أيضاً نحو الغرب، إلى إضعاف موقف موسكو بشكل أكبر.
ومن خلال مؤسسات مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، تحاول روسيا إبقاء بلدان المنطقة ضمن إطار منسق، إن انسحاب أرمينيا من هذه المنظمات أو تقليص التزاماتها قد يثير تساؤلات حول مصداقية هذه المؤسسات.
يأتي كل هذا في حين لم تتخذ موسكو حتى الآن أي إجراء حاسم بشأن حضور أرمينيا أو غيابها عن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وقراراتها بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
رد الفعل الروسي المحتمل
لقد كانت روسيا دائمًا تتفاعل مع التغيرات الجيوسياسية في حديقتها الخلفية، وفي حالة أرمينيا، يمكن أن يحدث هذا التفاعل على ثلاثة مستويات:
- الضغوط السياسية والاقتصادية؛ وقد تستخدم موسكو أدوات مثل زيادة التعريفات التجارية، أو تقييد صادرات الغاز، أو فرض عقوبات اقتصادية للضغط على يريفان.
- تعزيز التعاون مع أذربيجان؛ وفي حال توجه أرمينيا بشكل كامل نحو الغرب، فإن روسيا قد تعمل على تعزيز علاقاتها مع أذربيجان، وربما حتى تبني موقف أكثر حيادية بشأن الصراع في قره باغ.
- تزايد الوجود العسكري في المنطقة؛ قد تعمل روسيا على تعزيز وجودها العسكري في أرمينيا أو مناطق أخرى في جنوب القوقاز للحفاظ على نفوذها.
التحديات والفرص أمام أرمينيا
على الرغم من أن القرب من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يجلب فوائد اقتصادية وسياسية لأرمينيا، إلا أن هناك أيضًا تحديات على طول الطريق:
- رد الفعل السلبي لروسيا؛ يجب على أرمينيا أن تستعد لمواجهة الضغوط الروسية.
- تعقيد العلاقات مع أذربيجان وتركيا؛ ومن الممكن أن يؤدي التعاون مع الغرب إلى تفاقم التوترات القائمة مع هذين البلدين.
- الحاجة إلى الإصلاحات الداخلية؛ تتطلب العضوية في الاتحاد الأوروبي إصلاحات واسعة النطاق في المجالات الاقتصادية والسياسية والقانونية.
وبشكل عام، يبدو أن انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه سيناريو طويل الأمد، سوف يشكل تغييراً جوهرياً في السياسة الخارجية للبلاد والمعادلات الإقليمية.
وقد يشكل هذا التغيير تحدياً لنفوذ روسيا في جنوب القوقاز ويمهد الطريق لإعادة تعريف العلاقات بين يريفان وموسكو، ويشكل انضمام أرمينيا المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي تهديدا خطيرا لموقف روسيا في جنوب القوقاز.
إن فقدان النفوذ السياسي والوجود العسكري والمكانة الاقتصادية في هذا البلد قد يغير المعادلات الإقليمية لمصلحة موسكو ويزعزع توازن القوى لمصلحة الغرب، وفي ظل هذه الظروف، يتعين على روسيا أن تضع استراتيجيات جديدة للحفاظ على مكانتها في المنطقة.
