الوقت - شكلت معركة "طوفان الأقصى" صدمة قوية للكيان الصهيوني، كشفت عن هشاشة أسسه وعن قوة المقاومة الفلسطينية، لم تكن هذه المعركة مجرد اشتباكات عسكرية عابرة، بل كانت بمثابة زلزال هزّ أركان العدو، وأظهر للعالم أجمع حقيقة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
بدأ العدوان الصهيوني بغارات جوية عنيفة، وسرعان ما تحول إلى حرب شاملة، استخدم فيها العدو أعتى أسلحته، ورغم كل هذه القوة العسكرية الهائلة، فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه، وظل عالقا في مستنقع غزة، فقد كانت المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام، صامدة ومتماسكة، وقدمت نموذجاً فريداً للمقاومة البطولية، ولعل من أبرز المشاهد التي هزت الكيان الصهيوني، ظهور مقاتلي كتائب القسام في كامل قوتهم خلال عملية تسليم الأسيرات الإسرائيليات.
هذه اللحظة كانت بمثابة صفعة قوية لنتنياهو، وكشفت عن فشله الذريع في تحقيق أهدافه، فبدلاً من أن يخرج من المعركة منتصراً، خرج مهزوماً ومحطماً، وقد ذهب هدفه الأساسي في القضاء على المقاومة أدراج الرياح.
ولم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، فقد ظهرت قوة الإرادة الشعبية الفلسطينية بشكل جلي، حيث لم تؤثر المجازر والدمار التي ارتكبها العدو في نفوس الشعب الفلسطيني، بل زادت من تمسكه بالمقاومة، هذه الحاضنة الشعبية القوية هي التي تمكنت من الصمود في وجه العدوان، ودعم المقاومة بكل ما تملك.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني من ويلات الحرب، يعيش الكيان الصهيوني أزمة داخلية حادة، فالفشل في غزة كشف عن عمق الخلافات السياسية، ووضع نتنياهو في موقف حرج.
يواجه نتنياهو اتهامات بالفشل الذريع، والتسويف في إتمام صفقة تبادل الأسرى، ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة إليه، حيث إن ما يحدث في فلسطين يؤكد أن الكيان الصهيوني ليس كما يصوره الإعلام، بل هو كيان هش وضعيف، يعتمد على القوة الغاشمة وقمع الشعوب، وإن المقاومة الفلسطينية هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال.
انقسام عميق في الحكومة الإسرائيلية
هدّد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار مع غزة، والتي تتضمّن وقف الحرب، فيما يدعو هو إلى مواصلتها بهدف "القضاء على حماس بشكل نهائي".
وخلال مقابلةٍ مع إذاعة "كان"، قال سموتريتش في تصريحات وصفها الإعلام الإسرائيلي بالمثيرة للجدل، أنّ صفقة تبادل الأسرى مع حماس هي "خطأ كبير"، واعتبر ما حصل بمثابة رسالة مفادها بأنّ "من يريد إخضاع إسرائيل ليس بحاجة إلى صواريخ أو برنامج نووي".
وأشار سموتريتش، الذي صوّت ضد الصفقة في "الكابينت"، إلى أنّ الصفقة الحالية هي ذاتها التي عُرضت في تموز/يوليو الماضي، مُعرباً عن مخاوفه من عودة قيادات حماس إلى شمال غزة حيث قال: "لا شيء يمنع محمد السنوار من العودة".
كما وجّه انتقادات لاذعة لرئيس الأركان هرتسي هاليفي، واصفاً سياساته بأنها "توجّه يساريّ تقدّميّ"، ومشدّداً على أنه "لا يمكن هزيمة حماس من دون السيطرة على غزة بالكامل".
وفيما يتعلّق بفترة ما قبل الحرب، أقرّ سموتريتش بمسؤوليته عن "عدم تغيير سياسة الجيش خلال الأشهر العشرة التي سبقت الحرب"، مؤكّداً أنه كان عليه إسقاط الحكومة في وقت سابق، بسبب "تخاذلها في ردع حماس".
وكان وزير "الأمن القومي" للاحتلال الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، أعلن استقالته، أمس، من حكومة بنيامين نتنياهو احتجاجاً على اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، والذي وصفه بـ"المشين".
فشل ذريع واعتراف ضمني... تعمق الخلافات الصهيونية
تُمثل تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش انعكاساً صادقاً للأزمة العميقة التي يعيشها الكيان الصهيوني في أعقاب معركة "طوفان الأقصى"، فبينما يسعى نتنياهو وحكومته إلى إدارة الأزمة والوصول إلى هدنة، يصر سموتريتش وآخرون على مواصلة العدوان وتصفية المقاومة الفلسطينية حسب زعمه، ما يكشف عن عمق الخلافات داخل المؤسسة الصهيونية حول كيفية التعامل مع التحدي الفلسطيني.
إن اعتراف سموتريتش بـ"الخطأ الكبير" الذي ارتكبته حكومته بتوقيع صفقة تبادل الأسرى هو بمثابة اعتراف ضمني بفشل العدوان الصهيوني، فبعد أن شنّت "إسرائيل" حرباً شرسة على غزة، ودمرت الكثير من البنية التحتية، وارتكبت مجازر بحق المدنيين، لم تتمكن من تحقيق أي من أهدافها المعلنة، بل على العكس، خرجت من المعركة وقدمت تنازلات كبيرة، ما زاد من حدة الخلافات داخل المجتمع الصهيوني.
وفي هذا السياق لقد كشفت تصريحات سموتريتش عن الهوة الشاسعة بين الخطاب التهديدي والوعيد الذي يطلقه قادة الاحتلال وبين الواقع على الأرض، فبينما يتوعدون بتدمير المقاومة والقضاء عليها، يجدون أنفسهم عاجزين عن تحقيق ذلك، وهذا يعكس ضعف الكيان الصهيوني وهشاشة أسسه.
إن صمود المقاومة الفلسطينية في وجه العدوان الصهيوني هو الذي أجبر الاحتلال على القبول بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهذا الانتصار للمقاومة هو الذي زاد من حدة الانقسامات داخل المجتمع الصهيوني، وكشف عن زيف ادعاءات القوة التي يروج لها قادة الاحتلال.
من جهةٍ أخرى إن الخلافات العميقة التي ظهرت داخل المؤسسة الصهيونية حول كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية تشير إلى تآكل الشرعية الداخلية لهذا الكيان، ففشل العدوان على غزة، وتصاعد المقاومة الفلسطينية، أضعف من مكانة قادة الاحتلال، وزاد من حدة الانقسامات بينهم، نعم إن تصريحات سموتريتش تعكس حالة من الإرباك واليأس تسود المؤسسة الصهيونية، فبعد أن راهنت على القوة العسكرية لحسم الصراع، وجدت نفسها أمام حقيقة مفادها بأن المقاومة الفلسطينية أصبحت قوة لا يمكن تجاهلها، وهذا الانكشاف للضعف الصهيوني سيعزز من صمود الشعب الفلسطيني، ويزيد من عزلة الكيان الصهيوني على الساحة الدولية.
مستقبل مظلم وحتمي لنتنياهو والكيان الصهيوني... الكيان بين الفشل الذريع والانقسام
مستقبل بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، يبدو مظلماً أكثر من أي وقت مضى، نعم في ظل التطورات الأخيرة، أصبح واضحاً أن مستقبل بنيامين نتنياهو، مظلم ومليء بالتحديات التي لا مفر منها، ولم تعد تكتيكات التهرب والتأخير تجدي نفعاً، حيث يخشى نتنياهو من محاكمات واتهامات بالفشل في إدارة عدوانه على غزة، هذا الخوف يزيد من تعقيد الوضع، ما يجعل مستقبل الحكومة الصهيونية بأكملها محفوفاً بالمخاطر.
العديد من التقارير تشير إلى أن الحكومة الصهيونية ستواجه انقسامات حادة واستقالات، وخاصة في ظل حالة الغضب الشديدة التي تعم عوائل الأسرى داخل الكيان الصهيوني، هذه العائلات تطالب بسرعة إنجاز الصفقة، وتأخير نتنياهو في هذا الشأن خلال الفترة الماضية زاد من غضبهم وجعله عرضة للانتقادات الشديدة.
أمام نتنياهو خياران فقط، وكلاهما يحمل مخاطر كبيرة، يمكنه العودة إلى الحرب، وهو ما قد ينتهي بهزيمة جديدة تضاف إلى هزائمه في غزة، أو يمكنه الذهاب إلى صفقة تبادل الأسرى، والتي ستؤدي حتما إلى الغضب والانقسام داخل حكومته، وفي كلتا الحالتين، جميع المؤشرات تؤكد السقوط القريب لحكومة نتنياهو.
إن مستقبل الكيان الصهيوني والحكومة الصهيونية أصبح مظلماً، حيث تتصاعد التوترات الداخلية وتزداد الضغوط الدولية، ويبدو أن نتنياهو يواجه مأزقاً لا مخرج منه، ومستقبله السياسي بات على المحك.