الوقت- لقد أثبت اليمنيون أنهم يمثلون مشكلة مستعصية على الولايات المتحدة وحلفائها، بعد الهجوم غير المسبوق والناجح بطائرات دون طيار على تل أبيب، والذي كشف بشكل كامل فشل الدرع الدفاعي للعمليات البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، ولقد أظهر إسقاط الطائرة الأمريكية دون طيار MQ9 المتقدمة هذه المرة أن التهديدات التي تنطلق من اليمن ازدادت وأصبحت مشكلة كبيرة للاستراتيجية العسكرية الأمريكية في غرب آسيا، ولقد أعلن الجيش اليمني، الأحد الماضي، أنه تمكن من إسقاط طائرة أمريكية دون طيار من طراز MQ-9 Reaper للمرة الثالثة، كما بثت صورا للمجاهدين اليمنيين وهم يصلون إلى حطام هذه الطائرة دون طيار.
وطائرة MQ-9 Reaper هي طائرة مسلحة ومتعددة المهام ومتوسطة الارتفاع وبعيدة المدى ويتم توجيهها عن بعد وتستخدم في المقام الأول ضد الأهداف في العمليات الهجومية وثانيًا كأصل لجمع المعلومات الاستخبارية، ونظرًا لمدة طيرانها التي تفوق (20 ساعة)، فهي أيضا مجهزة بأجهزة الاستشعار بعيدة المدى، ومجمع الاتصالات متعدد الأوضاع، والأسلحة الدقيقة، وتتمتع هذه الطائرة دون طيار بقدرة فريدة على الهجوم والتنسيق وتحديد الأهداف القيمة والعابرة والحساسة.
وتعد هذه الطائرة أيضا واحدة من أكثر الطائرات دون طيار تجهيزًا جيدًا ويمكن تسليحها بعدد كبير من القنابل والصواريخ، وعلى عكس جيلها السابق، فإن هذه الطائرة قادرة على ضرب ستة أهداف عالية الكثافة في طلعة واحدة، ما يجعلها سلاحا قويا.
إن استهداف هذا الطائر الأمريكي المتطور والمكلف عدة مرات ما هو إلا دليل على تحسن قدرات اليمن الذي نفذ عملية بالطائرة دون طيار يوم ال 19 من يوليو الماضي إلى تل أبيب ولقد تمكنت الطائرة اليمنية من الطيران لمدة 16 ساعة وعلى مسافة أكثر من 2600 كيلومتر، حيث إن قدرات اليمنيين المتزايدة على استخدام هذا النوع من الطائرات سلطت الضوء على تكنولوجيا الطائرات دون طيار.
قوة اليمن في الحرب غير المتكافئة... التكاليف الباهظة للعمليات البحرية الأمريكية
ورغم أن قوات أنصار الله أطلقت العديد من الطائرات دون طيار والصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة منذ أكتوبر من العام الماضي دعماً لمقاومة غزة، إلا أن هذه كانت المرة الأولى التي تتمكن فيها طائرة يمنية دون طيار من ضرب عاصمة الكيان من خلال مرورها عبر طبقات مختلفة من دفاعات الجو الإسرائيلية.
لقد منحت تكنولوجيا الطائرات دون طيار والقوة الصاروخية وتطورها السريع أنصار الله ميزة تكتيكية، ما سمح لهم بالبقاء دائمًا متقدمين بخطوة واحدة على العدو، وقد تمكنت هذه الجماعة المقاومة من تحديد نقاط ضعف العدو واستغلالها، وشن هجمات ناجحة من خلال الابتكار التكنولوجي المستمر، وتوسيع الأهداف العسكرية، وانخفاض استعداد الأعداء لقبول المخاطر المرتبطة بالحرب على أراضيهم والقريبة من مصالحهم المالية.
ومن المرجح أن تستمر هذه الوتيرة المذهلة للابتكار في الأسلحة الاستراتيجية دون طيار وأسلحة الصواريخ في المستقبل، ما يعني أن قوات انصار الله يمكن أن تستمر في تحديد أهداف جديدة وتطوير استراتيجيات جديدة، وفي المقابل، فإن قدرة المعسكر المناهض لليمن في البحر الأحمر على التكيف مع استراتيجيات أنصار الله وفي الوقت نفسه سد الفجوة التي خلقتها الحرب غير المتكافئة أظهرت أنها غير متوازنة.
لقد اشترت المملكة العربية السعودية بالفعل أنظمة دفاع جوي جديدة وطلبت المزيد، لكن من غير المرجح أن تتمكن من تحييد تهديد الطائرات دون طيار بشكل كامل، وفي الوقت نفسه، فإن الغربيين، الذين يواجهون صنعاء بعملية "حرس الرفاهية" لدعم الكيان الصهيوني، يعانون من الضربات العسكرية المباشرة في اليمن والتكاليف الباهظة لإسقاط طائرات دون طيار رخيصة الثمن بصواريخ باهظة الثمن.
منذ يناير/كانون الثاني 2024، أطلقت الولايات المتحدة صواريخ تتراوح تكلفة كل منها بين مليون و4.3 ملايين دولار ضد أهداف انصار الله، ودفعت الضربات باهظة الثمن السيناتور جاك ريد، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، إلى توجيه الاتهام للرئيس جو بايدن في يناير/كانون الثاني، قائلا: "لذلك، لديك المدة الطويلة التي يمكنك فيها الاستمرار في إطلاق الصواريخ باهظة الثمن".
وقال ويليام لابلانت، وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستدامة، خلال شهادته أمام لجنة فرعية بمجلس الشيوخ في مايو/أيار الماضي: "إذا أسقطنا طائرة دون طيار بقيمة 50 ألف دولار بصاروخ بقيمة 3 ملايين دولار، فهذه ليست معادلة تكلفة جيدة"، وأكدت البحرية في يوليو/تموز الماضي أن قوة حاملة طائرات أيزنهاور، التي قادت الأدوار الاعتراضية في معظم صراع البحر الأحمر، كانت تمتلك 155 صاروخًا من سلسلة Standard بالإضافة إلى 135 صاروخ كروز من طراز توماهوك (تبلغ قيمة كل منها حوالي 2 مليون دولار)، وهذا يعني تكلفة أكثر من نصف مليار دولار للعمليات البحرية لفرقة عمل أيزنهاور، التي غادرت البحر الأحمر في يونيو من هذا العام.
بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الطائرات المخصصة لهذه المجموعة الضاربة 420 صاروخًا جو-أرض و60 صاروخًا جو-جو، والتي، وفقًا لقائد يو إس إس أيزنهاور دوايت داي، تضمنت صواريخ جو-أرض AGM-114 وصواريخ جو-جو ,صواريخ جوية من طراز AIM-9X Sidewinder وسعر كل منهما 150 ألف دولار، كما فقدت الولايات المتحدة حتى الآن ما لا يقل عن 7 من طائراتها دون طيار المتقدمة فوق اليمن، بتكلفة 30 مليون دولار لكل منها.
وتتراوح تقديرات التكلفة الإجمالية للعملية بين 260 مليون دولار و573 مليون دولار شهريًا، أي ما بين 1.8 مليار دولار و4 مليارات دولار حتى الآن، وفي الوقت نفسه، لم تتمكن أي من تحركات الولايات المتحدة وحلفائها في البحر الأحمر من إيقاف القدرة التشغيلية لليمن في البحر الأحمر، كما ارتفعت تكلفة النقل والتأمين على السفن، وحتى بايدن نفسه اعترف بأن "الهجمات ضد أنصار الله غير ناجحة".
كسر قرن أمريكا في البحر الأحمر
ولا تظهر هذه التطورات فشل الحملة العسكرية الأمريكية في ردع وإضعاف قدرة المقاومة اليمنية على مهاجمة "إسرائيل" ومصالحها في منطقة الشحن بالبحر الأحمر فحسب، بل إن العالم الآن يواجه وضعا جديدا ويمكن للجميع أن يرى بوضوح أن أمريكا غير قادرة حتى على تأمين قواعدها في المنطقة.
وقالت وكالة أسوشيتد برس في تقرير لها الشهر الماضي نقلاً عن قادة وخبراء عسكريين أمريكيين: إن العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة لحماية المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر أصبحت "أشد معركة بحرية" منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي مقابلة مع الطيارين الذين عادوا بعد 9 أشهر من الصراع البحري مع الجيش اليمني، ذكرت وكالة الأنباء الأمريكية أن الجيش الأمريكي أصيب بالصدمة من هجمات المقاومة اليمنية، وقال بنجامين أورلوف، طيار البحرية وقائد العمليات، للصحفيين في فرجينيا: إن معظم البحارة، بمن فيهم هو نفسه، لم يعتادوا على إطلاق النار عليهم، نظرا لمشاركاتهم العسكرية السابقة في العقود الأخيرة.
قال أورلوف: "كان الأمر مختلفًا تمامًا"، وسأكون صادقًا، لقد كان الأمر مؤلمًا بعض الشيء بالنسبة للفرقة، إنه شيء لا تفكر فيه كثيرًا حتى يتم إخبارك به"، يأتي اعتراف الجيش الأمريكي بتلقي ضربات عسكرية من المقاومة اليمنية بينما شنت جماعة أنصار الله، مطلع يوليو/تموز الماضي، هجوما صاروخيا على حاملة الطائرات أيزنهاور في البحر الأحمر، وعلى الرغم من النفي الأولي لمسؤولي البنتاغون، إلا بعد ساعات قليلة من الهجوم الصاروخي، وبإعلان هذا الهجوم، اضطرت هذه السفينة إلى مغادرة المنطقة.
ولذلك لا بد من القول إن عمليات المقاومة اليمنية في البحر الأحمر أظهرت أن معادلات الماضي العسكرية في هذه المنطقة قد تغيرت تماما، وإن الأمريكي الذي كان حتى وقت قريب يملك شبكة واسعة ومتفرقة من البر والبحر وكانت قواعدها في المنطقة تهدد الدول الأعضاء في التحالف، وهي الآن في خط المواجهة مع أحد أقوى أذرع هذا التحالف، وهي مضطرة إلى الاعتراف بالهزيمة بطريقة يائسة وعاجزة.
