الوقت– رغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بحكومة طالبان المؤقتة وحكومة الإمارة الإسلامية في عزلة سياسية، يبدو أنه بعد مرور نحو 3 سنوات على عودة هذه الجماعة إلى السلطة؛ وبمرور الوقت، يتزايد عدد الجهات الفاعلة الإقليمية التي تغير نهجها تجاه حكام كابول الجدد.
وتعد الإمارات إحدى هذه الدول التي طورت علاقاتها مع الحكومة المؤقتة منذ وصول طالبان إلى السلطة ووصلت إلى مرحلة التعاون والتقارب، ويمكن رؤية ذروة هذه التفاعلات في الزيارة الأخيرة التي قام بها سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في حكومة طالبان ورئيس شبكة حقاني الإرهابية، إلى أبو ظبي.
وفي هذا الصدد، أثار نشر صور سراج الدين حقاني في الإمارات وهو يلتقي ويصافح مسؤولي هذه الدولة، تكهنات ونقاشات ساخنة.
وحسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام)، التقى سراج الدين حقاني، الأربعاء الماضي (4 يونيو)، على رأس وفد يضم مولوي عبد الحق وثق رئيس منظمة الإعلام الأفغاني، وناقش مع محمد بن زايد آل نهيان حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة.
ولا توجد معلومات تفصيلية عن فحوى زيارة حقاني إلى الإمارات، لكن وكالة أنباء وام ذكرت أن الجانبين بحثا تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، وسبل تطوير العلاقات الثنائية على أساس المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي، ولا سيما في المجالات الاقتصادية ودعم التنمية وإعادة الإعمار في أفغانستان.
ولا يعد اجتماع مسؤولي أبوظبي مع قادة طالبان خبرا جديدا، ففي وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول 2022، التقى بن زايد مع الملا محمد يعقوب، وزير دفاع طالبان، بشأن سلامة عمليات المطار الأفغاني.
ولكن الآن، أدى التفاعل غير المتوقع بين مسؤول كبير في طالبان والزعيم الإماراتي إلى إثارة الجدل حول تطور الديناميكيات في المنطقة، وإن النتائج المحتملة لمثل هذا الاجتماع رفيع المستوى بالنسبة لأفغانستان، الدولة التي تعاني حالياً من الفقر المدقع والمعزولة إلى حد كبير والتي تخضع لعقوبات شديدة، قد تكون كبيرة.
وكانت الإمارات من الدول القليلة التي حافظت على قنوات اتصال مع طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان، على الرغم من الانسحاب الأمريكي والفوضى التي أعقبت ذلك، وحسب موقع "خليج أونلاين"، فإن الهدف من هذه العلاقات هو تحقيق أهداف متعددة، منها الأمنية والاقتصادية والسياسية، مع مراعاة المؤثرات الإقليمية والدولية.
ومن ناحية أخرى، فإن لهذه العلاقات أيضا اعتبارات استراتيجية، حيث تسعى الإمارات إلى تعزيز دورها كوسيط فعال في الصراعات الإقليمية والدولية، في حين تنظر إليها حركة طالبان كشريك اقتصادي محتمل يمكن أن يساعد في إعادة بناء أفغانستان بعد عقود من الحرب.
بالإضافة إلى ذلك، دفعت التطورات الإقليمية والدولية، بما في ذلك المنافسة بين القوى العظمى والتوترات المستمرة في منطقة الخليج الفارسي، البلدين إلى تبني نهج أكثر واقعية في سياساتهما الخارجية.
وحسب معهد كارنيغي الأميركي، أدركت الإمارات منذ أغسطس 2021 حقيقة أن إمارة أفغانستان الإسلامية هي الحكومة الفعالة الوحيدة في البلاد، لذا ترى أبوظبي في هذا الوضع فرصة لتعزيز مكانتها كشريك قيم لـ "القوى الغربية".
كما لعبت الإمارات دورا مهما في إجلاء الدبلوماسيين الأجانب و28 ألف مواطن أفغاني عندما استعادت حركة طالبان السيطرة على البلاد، بالإضافة إلى إرسال المواد الغذائية والمساعدات إلى البلاد، ورغم أن الإمارة تستضيف أشرف غني، الرئيس الأفغاني الهارب، إلا أنها لا تزال تحاول تحسين علاقاتها مع حكام كابول الجدد.
التنافس مع الجهات الفاعلة المؤثرة في أفغانستان
لقد سرج الجيل الجديد من حكام الإمارات، الذين يطمحون إلى أن يصبحوا القوة الأولى في المنطقة، خيولهم من أجل الدخول بقوة إلى الشؤون الداخلية لأفغانستان، وتحاول الإمارات أن تلعب دورا مهما في الهياكل السياسية لأفغانستان من خلال التقرب من الحكومة المؤقتة لطالبان وتولي المبادرات السياسية الإقليمية التي تجري تحت إدارة إيران وروسيا.
تجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الثلاث الماضية لعبت دول مثل تركيا وإيران وقطر دورا بناء في حل الأزمات السياسية والاقتصادية في أفغانستان من خلال التقرب من حكومة طالبان، وتحاول الإمارات مواكبة ذلك.
ولذلك فإن وجود حقاني في الإمارات يدل على أن حكام أبوظبي فتحوا حسابا خاصا لخياراتهم في الحكومة المؤقتة من أجل تحقيق أهدافهم في أفغانستان، وبما أن شبكة حقاني لديها معتقدات متطرفة معادية للشيعة ونفذت هجمات ضد الهزارة في أفغانستان وحتى الشيعة في باكستان في العقدين الماضيين، لذلك، من وجهة نظر قادة أبو ظبي، يمكن أن يكون حقاني خيارًا جيدًا لمنع نفوذ إيران في أفغانستان، ويحاولون اصطفاف هذه الجماعة المتطرفة مع سياساتها وكسب الكثير من النفوذ في حكومة طالبان.
وتعد مواجهة النفوذ القطري في أفغانستان إحدى الخطط الرئيسية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي العقدين الأخيرين كانت قطر الداعم الرسمي الوحيد لجماعة طالبان وخصصت لها مكتبا في الدوحة، وأيضا لعبت قطر دور الوسيط في المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير 2020، والتي وكان ذلك مقدمة لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتسليم السلطة لطالبان، ولهذا السبب، فإن حكام كابول الجدد لم ينسوا أبدا الدعم السياسي الذي تقدمه قطر، ويقيمون علاقات ودية مع هذا البلد، وإذا اعترف المجتمع الدولي بالحكومة المؤقتة، يمكن لقطر أن تكتسب المزيد من النفوذ في الحكومة الأفغانية، وهذا تهديد لمصالح دولة الإمارات في افغانستان.
على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة مركز عالمي للأعمال، إلا أن قطر رائدة في السياسة الإقليمية، وتسلط التباينات الكبيرة في التحالفات الإقليمية، وخاصة مع تركيا وإيران وسوريا واليمن، الضوء على الاختلافات الصارخة بين قطر والإمارات العربية المتحدة، ولذلك، تحاول الإمارات كسب النفوذ في أفغانستان من خلال توسيع علاقاتها مع حركة طالبان وزيادة ثقلها في معادلة آسيا الوسطى أمام منافسيها، وفي هذا الصدد، وصف سيمبسون هندرسون، المحلل السياسي الأمريكي والخبير في شؤون الخليج الفارسي، اللقاء بين حقاني وابن زايد بالاستثنائي في حديث لموقع الحرة وقال: “بهذا الإجراء تسعى الإمارات إلى تحدي احتكار قطر الدبلوماسي لقادة طالبان".
وبالنظر إلى أن تركيا وقطر تدعمان جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة وتربطهما علاقات جيدة مع الحكومة المؤقتة، فإن حكام أبوظبي لا يريدون أن يغير منافسوهم وجهة نظر طالبان تجاه حركة الإخوان وجعل أفغانستان مركزا لأنشطة لهذه الجماعات، وبعبارة أخرى، فإن الجهود التي تبذلها الإمارات لتعزيز موطئ قدمها في أفغانستان هي بمثابة عرقلة تنفيذ خطط المنافسين الآخرين.
الاستثمار في أفغانستان
ومن القضايا الأخرى التي جعلت الإمارات أكثر حساسية تجاه أفغانستان هي الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية في هذا البلد، وتحاول الإمارات، التي تتمتع بحضور فاعل في القطاعات الاقتصادية بفضل ثروتها الضخمة من بيع النفط والغاز، زيادة نفوذها في أفغانستان وجس نبض أسواقها من خلال الاستثمار في البنية التحتية للبلاد، وأفغانستان غنية بالموارد المعدنية التي يمكن لدولة الإمارات أن تدخلها في هذا القطاع وتجني لنفسها فوائد عديدة.
وقال عبد الجبار باهر رئيس المركز المركزي للإعلام والدراسات في أفغانستان لـ«الحرة» عن اللقاء بين حقاني وابن زايد: «ناقش الجانبان توقيع اتفاقيات اقتصادية مشتركة وأهمها منح إذن للإمارات لتطوير مطار أفغانستان".
ومن أبرز مظاهر تطور العلاقات بين حركة طالبان والإمارات، الاتفاق الموقع بين المديرية العامة للطيران في مملكة الإمارات ومسؤولين من حركة طالبان لتقديم المساعدة الأرضية والخدمات الأمنية في المطارات الرئيسية في أفغانستان، وفي هذا الصدد، قالت لانا زكي نسيبة، مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة: «في مايو 2022، تم تمديد العقد لمدة 18 شهراً ويشمل مطارات كابول وقندهار وهيرات»، وأعلن الاتحاد للطيران مؤخراً عن إطلاق تعاون مشترك مع خمس شركات جديدة من بينها شركة كوم إير في أفغانستان.
ويبدو أن الإمارات تحاول تسهيل وجود الشركات الاستثمارية في أفغانستان من خلال إقامة جسر بين هذا البلد وأفغانستان وتسهيل ظروف التنقيب عن الموارد المعدنية والطاقة في هذا البلد.
وبما أن حكومة طالبان المؤقتة ترحب بأي مساعدات خارجية بسبب العزلة الدولية من أجل التغلب على جزء من مشاكلها الداخلية، فإن الإمارات تستغل هذه الفرصة لتعزيز موطئ قدمها ونظرا للظروف الفوضوية التي تعيشها أفغانستان، فإنها تستطيع أن تفعل ذلك بأقل التكاليف والحصول على أكبر قدر من الفوائد.
ومن ناحية أخرى، تلقي الإمارات أيضًا نظرة على الموقع الجيوسياسي الفريد لأفغانستان عند تقاطع ممرات دولية مهمة، وستلعب أفغانستان دورا مهما في هذا الممر الحديدي في المستقبل نظرا لموقعها على طريق الحرير الصيني الذي يعتبر جسرا يربط بين الشرق والغرب، وهذا الممر يجمع دول المنطقة في نادي أعمال كبير، وهناك منافسة جدية بين دول المنطقة للعب دور أكبر في هذا المشروع العملاق.
وتشكل ممرات العبور الإيرانية، بما في ذلك الممر الشمالي الجنوبي الإيراني، جزءاً من هذا المشروع الصيني العملاق الذي يربط أفغانستان وآسيا الوسطى بالمياه المفتوحة للمحيط الهندي والخليج الفارسي، ولذلك، إذا تم الانتهاء من ممرات السكك الحديدية هذه، فإن دور إيران في الهياكل الاقتصادية لأفغانستان سوف يتوسع، وستحاول الإمارات العربية المتحدة منع هذا التقارب الإضافي بين طهران وكابول، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الإمارات أكثر نشاطا في البنية التحتية الاقتصادية لآسيا الوسطى، وأفغانستان مدرجة في خطط بن زايد الطموحة للسيطرة على التجارة من الخليج الفارسي إلى آسيا الوسطى.
وبما أن الإمارات لا تملك طريقاً برياً للتفاعل مع أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى بسبب موقعها الجغرافي، فإنها تستخدم وسيلة نفوذها الوحيدة، وهي الاستثمار في البنية التحتية لهذه الدول الفقيرة، حتى تتمكن من مواءمتها معها وتختصر سياساتها وتمنع أيادي الجهات الأخرى في المنطقة من النشاط في قطاعها الاقتصادي.
