الوقت- صادق رئيس السلطة الفلسطيني محمود عباس الخميس على تشكيلة الحكومة الجديدة للاقتصادي محمد مصطفى، والتي تضم 23 وزيرا، كلهم جدد باستثناء وزير الداخلية زياد هب الريح الذي حافظ على منصبه، وأكد رئيس الحكومة الجديدة في تصريح له أن "الأولوية الوطنية الأولى هي وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة"، وأضاف "سنعمل على وضع التصورات لإعادة توحيد المؤسسات بما يشمل تولي المسؤولية في غزة".
اختير مصطفى وهو خبير اقتصاد مستقل لتشكيل هذه الحكومة لإجراء إصلاحات في مؤسسات السلطة الفلسطينية لطالما طالبت بها الولايات المتحدة الامريكية وجهات دولية أخرى، تمهيدا للمرحلة التي ستعقب نهاية الحرب في قطاع غزة، وأصدر عباس قرارا بمنح الثقة للحكومة بموجب القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) الذي يمنح الرئيس هذا الحق في ظل غياب المجلس التشريعي المعطل وخلت التشكيلة التي تضم 23 وزيرا ونشرتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، من أسماء وزراء سابقين، باستثناء وزير الداخلية زياد هب الريح، الذي احتفظ بمنصبه، ويبدو أن وزراء الحكومة من المستقلين والمهنيين، غير أنها حددت التزامها في بيانها الحكومي بمنظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".
من هو محمد مصطفى الذي تسلم مهامه رسمياً كرئيس وزراء فلسطيني جديد خلفاً لإشتية؟
تسلّم رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد مصطفى الاثنين مهامه رسمياً، من سلفه محمد إشتية، وذلك خلال مراسم أُجريت في مقر رئيس الوزراء، بمدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، وتسلّم مصطفى من رئيس الوزراء السابق عدداً من الملفات لمتابعتها والبناء عليها، مثل خطة إعادة إعمار وإنعاش غزة، وكذلك ما يُعرف بخطتيْ الإصلاح والطوارئ، وقال مصطفى إن "إنجازات الحكومة السابقة كانت مقدرة بشكل كبير رغم الصعوبات التي واجهت عملها، والتحديات التي يمر بها الفلسطينيون في ظل الحرب المستمرة في القطاع والضفة الغربية بما فيها القدس، من القتل والدمار والتوسع الاستيطاني"، وفق تعبيره.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد كلّف محمد مصطفى في منتصف مارس/آذار الماضي بتشكيل الحكومة الفلسطينية الـ19، خلال المدة المحددة بالقانون الأساسي المعدل لسنة 2003، وفي نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، استقال رئيس الحكومة السابق محمد اشتية قائلاً: إن المرحلة القادمة لها تحدياتها وتحتاج لترتيبات حكومية وسياسية جديدة، ويأتي تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والتي خلفت أكثر من32 ألف قتيل وأكثر من 73 ألف مصاب.
وتشمل مهام رئيس الوزراء الجديد حسب نص التكليف: تنسيق جهود إعمار قطاع غزة، وإعادة توحيد المؤسسات الفلسطينية، ومواصلة الإصلاح بما يفضي إلى نظام قائم على الحوكمة والشفافية ويكافح الفساد، والتحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في كل المحافظات الفلسطينية بما فيها مدينة القدس، وفق ما نشرت وكالة الأنباء الفلسطينية.
وُلد محمد مصطفى السفاريني (69 عاماً) في مدينة طولكرم بالضفة الغربية المحتلة، والتحق عام 1972، بجامعة بغداد حيث نال منها شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية عام 1976، وفي عام 1983، التحق بجامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية والتي حصل منها عام 1985 على شهادة الماجستير في الإدارة، وواصل تعليمه في ذات العام 1985، بجامعة جورج واشنطن حيث حصل منها على شهادة الدكتوراة في إدارة الأعمال والاقتصاد عام 1988.
الدكتور محمد مصطفى هو عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأحد أكبر رجال الأعمال الفلسطينيين، وشغل منصب مدير في السابق في مجموعة الاتصالات الفلسطينية "بال تل"، وصندوق الاستثمار الفلسطيني، التابع للسلطة الفلسطينية، بأصول تبلغ نحو مليار دولار لتمويل مشروعات في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، كما شغل العديد من المناصب في البنك الدولي بالعاصمة الأمريكية على مدار 15 عاماً.
عُيّن مصطفى قبل عشر سنوات للمساعدة في قيادة جهود إعادة الإعمار في غزة، بعد حرب عام 2014 بين "إسرائيل" وحماس، وكان نائب رئيس وزراء ووزير اقتصاد في حكومة الوفاق الوطني التي شُكّلت عام 2014، واستمر في المنصب سنة واحدة، كما عمل مستشاراً للإصلاح الاقتصادي لدى حكومة الكويت، ومستشاراً لصندوق الاستثمارات العامة في السعودية، وفي يناير/ كانون الثاني من عام 2023، عينه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمنصب محافظ دولة فلسطين لدى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بدولة الكويت، واستمر في ذلك حتى يناير/كانون الثاني 2024 حيث تولى منصب محافظ دولة فلسطين لدى صندوق النقد العربي.
أبرز التحديات
أمام مصطفى مهمة إدارية ودبلوماسية صعبة، وخصوصاً بعد الدمار في غزة بسبب القصف الإسرائيلي المستمر ونزوح معظم سكان القطاع - البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، واحتياجهم إلى المساعدات، كما تشهد الضفة الغربية أيضاً اشتعالاً هو "الأعنف" منذ عقود، فيواجه رئيس الحكومة الجديد مهمة الإشراف على مساعدات دولية متوقعة بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى ذلك، تقول "إسرائيل" إنها "لن تتعاون أبداً" مع أي حكومة فلسطينية ترفض "التبرؤ" من حماس ومن هجومها الذي شنّته في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأسفر عن مقتل 1,200 شخص، واحتجاز 253 رهينة، وفقاً للأرقام الرسمية الإسرائيلية، وفيما يتعلق بموضوع مستقبل حماس، قال مصطفى: "أفضل طريق للمضي قدماً هو أن تكون العملية شاملة قدر الإمكان، أود أن يتّحد الفلسطينيون حول أجندة منظمة التحرير الفلسطينية".
"إصلاحات في العمق وذات مصداقية"
ومن جهته، رحّب البيت الأبيض الخميس بتعيين رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد مطالبا إياه بتشكيل حكومة تعمل على إجراء "إصلاحات في العمق وذات مصداقية"، وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون في بيان "نحضّ على تشكيل حكومة إصلاحية في أقرب وقت ممكن"، مشيرة إلى أنّ "الولايات المتّحدة ستتطلّع لأن تتمكن هذه الحكومة الجديدة من تنفيذ السياسات وإجراء إصلاحات ذات مصداقية وفي العمق"، وكان مسؤولون في إدارة الرئيس جو بايدن قد أوضحوا في السابق أنهم ناشدوا عباس لضخ دماء جديدة، بما يشمل شخصيات من التكنوقراط ومتخصصين في الاقتصاد، إلى السلطة الفلسطينية بعد تجديدها للمساعدة في حكم غزة بعد الحرب، لكنهم قالوا إنهم لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يمارسون الضغط من أجل الموافقة على أفراد بعينهم أو رفضهم.
"إعادة توحيد غزة والضفة الغربية"
وقال مصطفى إن السلطة الفلسطينية تستطيع القيام بما هو أفضل من حيث بناء مؤسسات أكثر كفاءة وحكم أكثر رشدا "حتى نتمكن من إعادة توحيد غزة والضفة الغربية"، لكنه أضاف: "إذا لم نتمكن من إزاحة الاحتلال، فلن تتمكن أي حكومة إصلاحية أو مؤسسات بعد إصلاحها من بناء نظام حكم جيد وناجح أو تطوير اقتصاد مناسب"، وصرح في الـ17 من يناير/ كانون الثاني بأن إعادة بناء المنازل وحدها ستحتاج إلى 15 مليار دولار، وقال إنه سيواصل التركيز على الجهود الإنسانية على المدى القصير والمتوسط، معربا عن أمله في فتح حدود غزة وعقد مؤتمر لإعادة الإعمار.
وردا على سؤال عن الدور المستقبلي الذي يتوقعه لحماس، قال مصطفى أيضا إن "أفضل طريق للمضي قدما هو أن تكون (العملية) شاملة قدر الإمكان"، مضيفا إنه يود أن يتحد الفلسطينيون حول أجندة منظمة التحرير الفلسطينية، هذا، ويأمل الزعماء الفلسطينيون في أن يظهر الآن كشخصية لتوحيد الفصائل في ظل استعداده لإعادة إعمار القطاع بعد مرور خمسة أشهر على القصف الإسرائيلي الذي أعقب هجوم الحركة الفلسطينية على "إسرائيل" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.