الوقت- استدعت البرازيل مؤخرا سفيرها من "إسرائيل" وقالت إنها لا تقبل اتهامات سلطات تل أبيب بشأن “معاداة الرئيس لولا دا سيلفا للسامية”. وقبل ذلك، شبه الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا الحرب التي شنتها "إسرائيل" على غزة، والتي راح ضحيتها نحو 30 ألف فلسطيني، بالمحرقة التي ارتكبها هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، ورافقت تصريحات دا سيلفا هذه رد فعل متسرع من تل أبيب، واتهم الصهاينة الرئيس البرازيلي بمعاداة السامية.
في المقابل، استدعت "إسرائيل" السفير البرازيلي وطالبت بالتراجع عن كلام لولا، لكن البرازيل رفضت طلب تل أبيب وسحبت سفيرها من "إسرائيل".
في الوقت الحالي، وصلت التوترات بين البرازيل و"إسرائيل" إلى أعلى مستوياتها، ويزداد التباعد بين الجانبين كل يوم.
منذ بداية الحرب على غزة، أدانت البرازيل هذه الحرب وقتل النساء والأطفال بأشد العبارات ووصفتها بأنها حرب غير متكافئة، كما دعمت جميع القرارات التي تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة باعتبارها عضوا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على الرغم من أن جميع القرارات التي تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة استخدمت حق النقض (الفيتو) من قبل الولايات المتحدة، وفي العقود القليلة الماضية، كانت البرازيل دائمًا مؤيدة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
العلاقات بين البرازيل و"إسرائيل" في فترتين مختلفتين
بشكل عام، تجدر الإشارة إلى أنه على عكس هذه الأيام عندما تكون علاقات البرازيل مع "إسرائيل" متوترة، شهد الجانبان صعودًا وهبوطًا في الماضي، وفي الواقع، كانت العلاقات بين البرازيل و"إسرائيل" متوترة في فترات مثل اليوم، وكانت العلاقات وثيقة في فترات أخرى.
شهر العسل بين البرازيل والكيان الصهيوني
لعبت البرازيل دورا في قيام "إسرائيل" عام 1948، فيما عرف بيوم النكبة، حيث تولت البرازيل رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947، عندما تم تقديم خطة تقسيم فلسطين لأول مرة، ولعبت الحكومة البرازيلية في ذلك الوقت دورًا مهمًا في الموافقة على هذه الخطة، وأُقرت الخطة التي اقترحها البريطانيون لتقسيم فلسطين من أجل قيام الكيان الصهيوني، من قبل إسفالدو أرانا" وزير خارجية البرازيل الأسبق والذي كان في ذلك الوقت رئيسا للوفد البرازيلي لدى الأمم المتحدة، كما تولى رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة ولعب دورا حيويا في مناقشات خطة التقسيم.
ووفقاً لجرسون ميناندرو غارسيا دي فريتاس، سفير البرازيل السابق لدى إسرائيل، أدرك أرانا في يوم التصويت على التقسيم أن الخطة لم تحظَ بالدعم الكافي، لذلك سخر من المتحدثين عن تأخير الخطة، لكن التصويت في اليوم الثاني حصل على عدد كافٍ من الأصوات لتأسيس الكيان الصهيوني، واليوم هناك شوارع تحمل اسم أرانا في مدينتي تل أبيب وبئر السبع، كما سُميت ساحة في القدس المحتلة باسم هذا الدبلوماسي البرازيلي، وكانت البرازيل أيضًا من أوائل الدول التي اعترفت رسميًا بالكيان الصهيوني في عام 1949، ويعيش حاليا أكثر من 100 ألف يهودي في البرازيل، ما يجعل البرازيل ثاني أكبر جالية يهودية في أمريكا اللاتينية.
كما توسعت العلاقات بين البرازيل و"إسرائيل" في عهد الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الذي وصف البرازيل بأنها أفضل صديق لـ"إسرائيل"، وعندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع بولسونارو في عام 2018، قدم الرئيس البرازيلي لنتنياهو جائزة وطنية، وسبق أن قدمت البرازيل هذه الجائزة إلى الملكة إليزابيث الثانية والرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، وقرر بولسونارو لاحقًا نقل سفارة البرازيل في "إسرائيل" من تل أبيب إلى القدس في خطوة مشابهة لخطوة الولايات المتحدة، لكن ذلك أصبح مثيرًا للجدل، وفي رحلته عام 2019 إلى الأراضي المحتلة، رافق بولسونارو نتنياهو من الحائط الغربي للمعبد، جبل المكان الأكثر زيارة لليهودية، وفي تلك الرحلة، بدلا من نقل السفارة بالكامل، افتتح بولسونارو مكتبا تجاريا غير دبلوماسي في القدس.
الفترة المتوترة للعلاقات بين تل أبيب والبرازيل
الأزمة الحالية في العلاقات بين البرازيل و"إسرائيل" ليست المرة الأولى التي يشهد فيها الجانبان توترات تاريخية في العلاقات المتبادلة، وعلى سبيل المثال، في عام 2014، عندما كانت ديلما روسيف، عضو حزب لولا، مسؤولة عن رئاسة البرازيل، انتقدت العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وحينها استدعت البرازيل سفيرها من تل أبيب، ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية البرازيل بالقزم الدبلوماسي، فتصاعدت التوترات.
وصوتت البرازيل أيضًا في عام 2014، إلى جانب 28 دولة أخرى، لصالح إجراء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحقيقًا في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الحرب ضد غزة.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، أعلن الموساد الإسرائيلي علناً أنه تعرف على بعض المجموعات المرتبطة بحزب الله في البرازيل وواجهها، وقد قوبل هذا الأمر بردود فعل غاضبة من البرازيل، ونفى وقتها وزير العدل البرازيلي فلافيو دينو مزاعم سلطات تل أبيب وأعلن أن البرازيل دولة مستقلة ولا يحق لأي قوة أجنبية التدخل في شؤون البرازيل الأمنية، وتفاقمت هذه العلاقات المتوترة مع الهجوم الإسرائيلي على غزة، والآن وصلت الأمور إلى حد أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على وشك الانقطاع التام.
وقال الرئيس البرازيلي في تصريحه الأخير: "إن ما يحدث في قطاع غزة ليس حرباً، بل إبادة جماعية، هذه ليست حرب جنود ضد جنود، إنها حرب بين جيش على درجة عالية من الاستعداد ضد النساء والأطفال الأبرياء".
كما كتب عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم، عن موقف الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا من حرب غزة: "نحن كعرب ومسلمين ندعم المواقف الجريئة لأولئك الذين كسروا الصمت وضد جرائم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة في غزة.. لقد وقفوا مع الفلسطينيين ولن ننسى لهم هذا، وعلى رأسهم لولا دا سيلفا رئيس البرازيل الذي لم يتردد لحظة واحدة في اتهام الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة ومقارنة القتل والتطهير العرقي لسكان هذه المنطقة بالمحرقة، وكانت دول أمريكا اللاتينية مثل بوليفيا وكولومبيا وتشيلي والمكسيك هي التي طردت سفراء الكيان الصهيوني وأغلقت سفارات هذا الكيان، لكن الأخوة العرب لم يجرؤوا على طرد سفير أو إغلاق سفارة، بل سارع البعض منهم وحاول إنشاء ممر بري من الإمارات إلى حيفا مروراً عبر السعودية والأردن، لتوفير المواد الغذائية الطازجة للقتلة الصهاينة بعد الحظر البحري على سفن الكيان الصهيوني والسفن المساندة له في البحر الأحمر على يد الجيش اليمني، بينما أطفال قطاع غزة يموتون من الجوع وليس لديهم كسرة خبز أو علبة حليب".
