الوقت- شهدنا في الأسابيع الماضية أخباراً عن تقدم مفاوضات التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني، ما يدل على تزايد جهود الولايات المتحدة والصهاينة لتحقيق التطبيع مع السعودية، وتزايدت في الأسابيع الأخيرة التصريحات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع بين النظام الصهيوني والمملكة العربية السعودية، ومؤخراً، قال "جون كيربي"، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي: "إن المشاورات تمضي قدماً بهدف التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل (الكيان الصهيوني) ".
وأضاف: "حتى الآن، أدت هذه المشاورات إلى وضع اللمسات النهائية على الإطار الرئيسي للاتفاق المستقبلي بشأن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب"، وقال: "إن السعودية وإسرائيل حددتا الإطار الأساسي لهذا الاتفاق من أجل المضي قدما نحو تحقيقه".
وذكر ديفيد ماكوفسكي، المتابع منذ زمن لشؤون الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تدوينة على منصة إكس، المعروفة سابقا باسم تويتر، أن الاجتماع "يحدث بعد 265 يوما من تولي نتنياهو منصبه، وهي أطول فجوة منذ 1964".
وقال "الإمكانات الهائلة للتوصل إلى اتفاق مع السعودية لم تترك خيارا أمام بايدن ونتنياهو سوى الاجتماع معا رغم الاختلافات".
وترى إدارة بايدن أن الولايات المتحدة قد تجني عائدات كبيرة من مثل هذا الاتفاق الضخم إذا استطاعت التغلب على العقبات الصعبة".
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للصحفيين في السابع من سبتمبر أيلول "كثير من العناصر التي تمهد لتطبيع العلاقات مطروحة على الطاولة الآن، ليس لدينا إطار عمل، ليست لدينا شروط معدة للتوقيع، هناك عمل يستلزم القيام به".
كما أعلنت قناة "أي 24" نقلاً عن مصادر دبلوماسية أن "أنتوني بلينكن" وزير خارجية الولايات المتحدة الذي يقوم بزيارة إلى الأراضي المحتلة، إضافة إلى وجوده في رام الله وتل أبيب، سوف يقوم برحلة إلى المملكة العربية السعودية لتمهيد الطريق أمام خططه في المنطقة.
وحسب التقرير الذي نشرته قناة أي24 يوم (الثلاثاء 3 أكتوبر)، فإن هذه الرحلة ستتم في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري وستكون جزءًا من جهود واشنطن لدفع عملية تطبيع العلاقات بين النظام الصهيوني والمملكة العربية السعودية.
إن إحياء واستمرار مشروع التطبيع تحت عنوان الاتفاقيات الإبراهيمية أمر في غاية الأهمية بالنسبة للصهاينة، وفي الأشهر الأخيرة، لم يكن هناك أي تطبيع مع الدول الإسلامية، وفي الشهر الماضي، وبعد الكشف عن المفاوضات بين ليبيا والكيان الصهيوني، توقف مشروع التطبيع الصهاينة مع هذا البلد، ولذلك، ومن أجل فتح طريق التطبيع مع الدول الإسلامية والعربية الأخرى، لا بد من التطبيع مع الدولة المركزية بين الدول العربية في المنطقة، وهي المملكة العربية السعودية.
وفي الأشهر القليلة الماضية، تمت متابعة مسألة التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني بطريقة خاصة من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وفي الأسابيع الأخيرة اتخذت شكلا أكثر جدية، ورغم الشروط الصارمة للسعوديين، بما في ذلك موضوع التخصيب النووي والاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، يبدو أن الجانبين الأمريكي والصهيوني مستعدان لمنح ابن سلمان الامتيازات المطلوبة مع بعض المرونة.
لكن الحقيقة أن الأمريكيين، خلافاً لموقفهم خلال السنوات الماضية بعدم منح الإذن للسعودية بالتخصيب النووي على أراضيها، فهم يتفاوضون الآن حول هذا الأمر، وكذلك حكومة النظام الصهيوني، خلافاً لعقيدتها السابقة، تحاول تلبية هذا الطلب، ويظهر هذا الأمر أن تحقيق التطبيع أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لحكومة النظام الصهيوني والولايات المتحدة.
رئيس أمريكا الكبير والفاشل
وبالنظر إلى ملف أداء جو بايدن، يمكن القول إن حكومته نالت لقب إحدى أكثر الحكومات فشلاً في التاريخ الأمريكي، إدارة بايدن فشلت في احتواء إيران والصين وروسيا ولم تحقق شيئا في مجال السياسة الخارجية، الأمر الذي يعتبر كارثة على الرئيس الأمريكي، فكيف يعقل أن رئيس دولة عظمى لم يحقق النجاح في أي جزء من العالم لمدة أربع سنوات متواصلة وبكل جهوده؟ لماذا فشلت أمريكا في تحقيق إنجازاتها في السنوات الأربع الماضية؟
وتُظهر مثل هذه الأسئلة أن أولئك الذين يدخلون البيت الأبيض كرئيس، يعد مسألة كرامة ومفتاحا لاستمرار حياتهم السياسية وهذا هو الوضع الذي يعيشه بايدن وحكومته اليوم.
حاليًا، اقتربت بداية الحملات الانتخابية والأنشطة الانتخابية في أمريكا، وقد أعلن بايدن أنه ينوي المشاركة في الانتخابات، وإذا ظل الوضع على ما هو عليه، فسيتعين على جو بايدن دخول الانتخابات بسلة فارغة، ونظراً للانتقادات الواسعة التي تتعرض لها حكومته في مجالات مختلفة، بما في ذلك الفشل على الساحة الخارجية، ففي ظل هذه الظروف، سيخسر بايدن انتخابات 2024، ما لم يحدث تغيير كبير في اللحظات الأخيرة.
إن تحقيق التطبيع بين المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني كواحدة من أكبر الدول الإسلامية في العالم وتمهيد الطريق لتطبيع عدة دول إسلامية أخرى مع النظام الصهيوني سيكون بالتأكيد تغييراً تاريخياً ستكون له عواقب وخيمة وأيضاً وستكون هذه مكافأة ضخمة لبايدن وفريق السياسة الخارجية التابع له، وهي المكافأة التي لم يتمكن أي رئيس أمريكي آخر من تحقيقها على الإطلاق.
والآن لم تعد أمام إدارة بايدن فرصة كبيرة لتحقيق هذا الإنجاز المهم للتعويض عن إخفاقاتها في السنوات الأخيرة، ولذلك، فإن هذا الشكل من تغيير موقف البيت الأبيض فيما يتعلق بالملف النووي السعودي والتحضير لتوقيع اتفاقية دفاعية أمنية مع المملكة العربية السعودية يجب أن يفسر في هذا السياق، مثل هذا التغيير في الموقف تجاه المملكة العربية السعودية، وكذلك من قبل الحكومة. وبايدن الذي لم يظهر السعادة لابن سلمان في بداية مسيرته، يثبت ما يبحث عنه بايدن، ولذلك يمكن تقدير أن ضغط حكومة بايدن على السعودية لقبول التطبيع في أسرع وقت ممكن سيستمر.
نتنياهو في ثقب الخلافات السياسية الأسود
بنيامين نتنياهو في ثقب أسود من الأزمة السياسية، وبعد عشرة أشهر فقط من بداية حكومته، تسببت أفعاله في دخول النظام الصهيوني في أكثر فتراته حساسية، والتي يمكن أن تؤدي، حسب العديد من الخبراء، إلى تشكيل الاستعدادات لانهيار النظام الصهيوني، ويحاول نتنياهو تهدئة الوضع الداخلي وإيجاد حل للخروج من هذا الوضع، والآن بعد أن أضرت الاحتجاجات بموقفه ومقبوليته، ووجد خصومه مكانة أعلى منه، يحاول نتنياهو تسجيل أحد أعظم الإنجازات التاريخية للكيان الصهيوني، إنجاز اسمه التطبيع مع أهم دولة عربية في العالم، المملكة العربية السعودية
ويبدو أن نتنياهو يرى في الوقت الحاضر أن المخرج الوحيد من الوضع الذي هو فيه، هو النجاح في تحقيق التطبيع مع السعودية ومن ثم التطبيع مع عدة دول إسلامية أخرى، وهو ما يمكن، حسب الصهاينة، أن يكون وضعا يحسن النظام الصهيوني في البلاد. العالم، كما يمكن لهذه القضية أن تعوض بشكل كبير فشل نتنياهو في مواصلة مشروع الاتفاقات الإبراهيمية، لذلك، فإن هذا الأمر مهم للغاية بالنسبة لنتنياهو لدرجة أنه على استعداد لتجاهل عقيدة بيغن واستراتيجية النظام الصهيوني لسنوات عديدة، وعلى الرغم من المعارضة الواسعة في الأراضي المحتلة، فإنه ينوي متابعة الوضع النووي السعودي تحت مراقبة إشراف أمريكا، مع الأخذ بالاعتبار شروط جو بايدن وبنيامين نتنياهو والوضع غير المناسب للحكومتين، يمكن فهم سبب تسريع جهود التطبيع والمفاوضات والقبول بالشروط الصارمة للسعوديين من قبل بايدن ونتنياهو.
