الوقت- في الفترة الماضية، أثارت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول دوافع قتل اليهود على يد ألمانيا النازية انتقادات شديدة، حيث انتقد مسؤولون ألمان وإسرائيليون بشدة التصريحات الأخيرة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشأن اليهود، وقد ذكر عباس، في خطاب ألقاه في المجلس الثوري لحركة فتح الشهر الماضي، والذي نُشر نصه أمس، دافعاً آخر لألمانيا النازية في قتل اليهود ضمن ما يعرف بـ "المحرقة" أو الهولوكوست، وعلق على أصول اليهود الأوروبيين، وقال إن سبب عداوة هتلر لليهود هو وضعهم الاجتماعي وليس معتقداتهم الدينية، وقد تم تفسير هذه التصريحات على أنها "إنكار للهولوكوست" من قبل الكيان وداعميه، وقال محمود عباس في هذا الخطاب: "يقولون إن هتلر قتل اليهود لأنهم يهود وأن أوروبا كرهت اليهود لأنهم يهود، ولكن هذا غير صحيح".
تصريحات صادمة للغرب
"لقد تم توضيح أن الأوروبيين كانوا معادين لليهود بسبب دورهم الاجتماعي"، هذا ما قاله زعيم منظمة التحرير الفلسطينية إن عددا من الكتاب عبروا عن هذا الرأي، بما في ذلك نقلا عن كارل ماركس، وهو اليهودي نفسه، الذي قال إن "العداء لم يكن ضد اليهودية كدين، ولكن بسبب دورها الاجتماعي"، وقال محمود عباس في شرح تصريحه، إن سبب معارضة الأوروبيين لليهود "متعلق بالمال والربا ونحوهما"، وفي ترجمة لتصريحات الزعيم الفلسطيني من قبل معهد أبحاث الشرق الأوسط، وهو منظمة إسرائيلية، نقل عنه قوله إن اليهود كانوا أحد عوامل هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، كما أعرب أدولف هتلر، زعيم ألمانيا النازية، عن هذا الرأي.
كذلك، قال محمود عباس إن سبب كراهية هتلر لليهود هو أنهم "يقومون بالتخريب" في رأيه، وأضاف "نريد فقط أن نوضح أن الموضوع لا علاقة له باليهودية ومعاداة السامية"، كما كرر الرأي القائل بأن اليهود الأوروبيين (الأشكناز) ليسوا من نسل بني إسرائيل المذكورين في الكتاب المقدس، بل من نسل الخزر، ويشير إلى نظرية مفادها بأن سكان مملكة الخزان الواقعة شمال بحر قزوين، اعتنقوا اليهودية في القرن العاشر الميلادي ثم غادروا لاحقا إلى الدول الأوروبية لأسباب تاريخية وشكلوا الطائفة اليهودية الأوروبية – الأشكناز، وقال: "الحقيقة التي يجب أن نوضحها للعالم هي أن اليهود الأوروبيين ليسوا ساميين، وليس لهم أي علاقة باليهودية".
وردا على كلام محمود عباس، قال جلعاد إردان، سفير "إسرائيل" لدى الأمم المتحدة: "هذا هو الوجه الحقيقي للقيادة الفلسطينية؛ وبينما يلوم عباس اليهود على المحرقة، فإنه يلوم اليهود أيضاً على كل المشاكل في الشرق الأوسط، والمستشار الألماني أولاف شولتز ومحمود عباس – أدانت ألمانيا و"إسرائيل" والولايات المتحدة تصريحات عباس خلال زيارته لألمانيا العام الماضي، كما أدانت اللجنة اليهودية الأمريكية هذه التصريحات، قائلة: "هذا النوع من القيادة لا يجلب سوى العنف، وليس التقدم"، وقالت هذه المؤسسة إنه "على القادة الملتزمين بالسلام في منطقة الشرق الأوسط التوقف عن التسامح مع تصريحات عباس وإدانة خطابه البغيض، كما أدان رئيس المكتب السياسي الألماني في رام الله، مركز الحكم الذاتي، هذه التصريحات "بأشد العبارات الممكنة".
وفي السنوات الأخيرة، أدلى زعيم السلطة الفلسطينية في بعض الأحيان بتصريحات انتقادية حول المحرقة واليهود، وفي شهر مايو من هذا العام، قال إن "إسرائيل" و"تكذب" مثل غوبلز، وزير الإرشاد والدعاية النازي، وفي العام الماضي خلال رحلة إلى ألمانيا، في مؤتمر صحفي مشترك مع مستشار ذلك البلد، اتهم "إسرائيل" بارتكاب "خمسين حالة من المحرقة"، وكان رد فعل "إسرائيل" وألمانيا والولايات المتحدة حادا.
اتهامات متكررة من الكيان وحلفائه
تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثارت جدلاً كبيراً بعد اتهامه للكيان الإسرائيلي بارتكاب "محارق هولوكوست" ضد الفلسطينيين خلال زيارته إلى ألمانيا وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس في ديوان المستشارية الألمانية، وقد وصف الرئيس عباس أحداث القتل والتدمير التي وقعت خلال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بـ "محارق هولوكوست"، مستخدمًا مصطلح "هولوكوست" الذي يشير إلى الإبادة الجماعية التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية وأسفرت عن مقتل ملايين اليهود على يد النازيين الألمان وحلفائهم.
تلك التصريحات أثارت استنكارًا وغضبًا قديما جديدا من قبل "إسرائيل" وبعض الأوساط الدولية، ومن جهة أخرى، أثرت تلك التصريحات في النقاش حول الوضع الفلسطيني الإسرائيلي وتأثيرها على عملية السلام والتوترات في المنطقة، ويجدر بالذكر أن هذه التصريحات تعكس الحساسية الكبيرة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمشاعر القوية المتصاعدة من الجانبين، وتعتبر الحلول السياسية والدبلوماسية والحوار بين الأطراف المعنية أمورًا حاسمة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وإن التصريحات التي تستخدم مصطلح "هولوكوست" لوصف الأحداث والجرائم التي وقعت خلال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تعكس حجم الغضب والاستياء بين بعض الفلسطينيين ومؤيدي قضية فلسطين بسبب الأحداث الوحشية والجرائم التي وقعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعتبر البعض أن استخدام مصطلح "هولوكوست" يهدف إلى إلقاء الضوء على حجم الوحشية التي ارتكبتها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين.
ومن الجدير بالذكر أن استخدام مصطلح "هولوكوست" بشكل عام يرتبط بالإشارة إلى الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية على يد النازيين الألمان، وإن استخدام هذا المصطلح في سياقات أخرى قد يثير جدلاً كبيرًا بسبب الحساسية الكبيرة المرتبطة به، وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من التصريحات يستخدم أحيانًا كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج والاستنكار إزاء التصرفات والجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين، ولكنه يظل موضوعًا حساسًا يمكن أن يثير جدلاً كبيرًا في الساحة الدولية، والنقاش حول تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكيفية استخدام مصطلحات معينة تعكس توترات دائمة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويجب مراعاة أن هذه التصريحات تأتي في سياق تصاعد الأحداث والتوترات في المنطقة نتيجة الاحتلال الإسرائيلي.
ومع هذه التصرفات والجرائم التي ارتكبتها القوات الاحتلالية ضد الفلسطينيين، هناك تشكيك في الأمور الدولية حول هذه الجرائم وتحديداً في الدعم الألماني والغربي لـ"إسرائيل"، وإن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو قضية معقدة وحساسة تشمل تاريخًا طويلًا من الإجرام الإسرائيلي، وإن تكرار تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك وصفه للسياسة الإسرائيلية بأنها "نظام أبارتايد"، وهو مصطلح يُستخدم لوصف تمييز عنصري نظامي في الكيان والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويجب مراعاة أن استخدام مصطلح "نظام أبارتايد" للإشارة إلى الوضع في "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية هو موضوع محل جدل دولي، وهناك كثير من الدول التي تؤيد هذا الاستخدام بناءً على ما يعتبرونه تمييزًا عنصريًا في النظام الإسرائيلي.
يبدو أن دعم تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يأتِ من فراغ، بل استنكار لسياسات "إسرائيل" باعتبار أن الغرب يجب أن يفهم أن تصريحات الرئيس الفلسطيني تظهر الجرائم الإسرائيلية على الساحة الدولية ولا تستحق الاستنكار، وهذا الموضوع يتناول القضية الفلسطينية ويعبر عن الانتقاد بشدة الكيان الإسرائيلي وتصريحاته حول تاريخ فلسطين وحق الشعب الفلسطيني في الأرض، ويشير إلى استنكار الكتاب للمزاعم التاريخية التي تقدمها تل أبيب والتي تحاول اختلاق اسطورة أن أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهودي.
في النهاية، إن جذور القضية الفلسطينية وعلاقتها بالدور الأوروبي، تنبع من التأثيرات التي نتجت عن دعم دول غربية للصهيونية، وخاصة أن بعض الأحداث التاريخية والقرارات الدولية، مثل وعد بلفور والتدخل الدولي، ساهمت في تشكيل الواقع السياسي الأليم في فلسطين، فالقضية الفلسطينية هي قضية معقدة تشمل العديد من الأبعاد والجوانب التاريخية والسياسية والإنسانية التي رافقها تدخل سافر من الغرب والأمريكيين لدعم بقاء الاحتلال، وهناك وجهات نظر متعددة حول كيفية تفسير تاريخ هذه القضية وتطورها، لكنها تتفق جميعها على الدموية وحرب الإبادة التي أنشأ فيها الكيان.
