الوقت - الجماعات الإرهابية تتخندق في معقلها الأخير في محافظة إدلب غرب سوريا منذ عام 2016، في الأسابيع الأخيرة، وللخروج من هذا السياج الأمني، نفذوت هجمات على المدنيين في محافظتي حماة واللاذقية لإثبات أنه لا يزال لديهم القدرة على جعل الأراضي السورية غير آمنة. لكن نتيجة هذا العمل كانت مؤلمةً للإرهابيين، حيث قام الجيش السوري بمساعدة الروس بتوجيه ضربات قاتلة للإرهابيين.
شن الطيران الحربي السوري والروسي المشترك، منذ يوم السبت، غارات جوية على عدة نقاط في منطقة "جبل الزاوية". وكانت هذه المواقع تابعةً لهيئة تحرير الشام وإرهابيي "الحزب الإسلامي التركستاني"، التي كانت مركز ثقل الهجمات في شمال اللاذقية ومحيط إدلب.
كما استهدف سلاح الجو الروسي مقرات الإرهابيين المسلحين في محيط مدينة "جسر الشغور" بريف إدلب الشمالي الغربي. کذلك، استهدفت مقاتلات روس مقرات هيئة تحرير الشام وحلفائها في غرفة العمليات المعروفة بـ "الفتح المبين" في مدينة أريحا، الواقعة جنوب إدلب.
من جهة أخرى، شن الطيران الحربي الروسي هجمات مكثفة على مقرات ومخازن أسلحة وذخائر الجماعات الإرهابية في أطراف إدلب واللاذقية، ما أدى إلى تدمير 12 مقرًا ومستودعًا للجماعات الإرهابية.
وحسب التقارير، فقد دمرت الطائرات الحربية الروسية بشكل كامل القاعدة العسكرية الواقعة على التلال قرب بلدة الناجية بريف إدلب. ويقال إن إرهابيي هيئة تحرير الشام استخدموا هذه القاعدة لإطلاق طائرات مسيرة.
كما استهدفت القوات الجوية السورية والروسية، الآليات التي كان التكفيريون يختبئون بها في التلال الصخرية بعد استهداف مواقع الجيش السوري. وقد نفذ إرهابيون من الجماعة الإرهابية التابعة للحزب التركستاني هذه الأعمال الإرهابية في محور جبل أبو علي بريف اللاذقية الشرقي.
كانت هجمات الجيش السوري بمعظمها مدفعية، واستهدفت عدة مخازن ذخيرة تابعة للإرهابيين في إدلب. وقد قُتل خلال هذه الهجمات عدد من الإرهابيين، لكن لا توجد إحصائيات عن إصاباتهم.
كما تراقب طائرات الاستطلاع التابعة للجيش السوري تحركات تحرير الشام و"الحزب الإسلامي التركستاني" في محاور مدينتي بادامة والناجية وتلال الخادر بريف إدلب الغربي، من أجل الحصول على معلومات مفصلة عن مواقع الإرهابيين.
إن الحصول على معلومات دقيقة من مقار التكفيريين يمنع وقوع إصابات بين المدنيين، ومن المهم للحكومة السورية إنقاذ حياة السكان المحليين. لأن السبب الوحيد لوقف عمليات الجيش السوري ضد الجماعات الإرهابية، هو وجود أكثر من مليوني مدني يعيشون في إدلب، والذين لطالما استخدمهم الإرهابيون كدروع بشرية لإبطاء تقدم قوات المقاومة.
وقد أعلنت السلطات الروسية أن الهدف من هذه العملية، هو الرد على هجمات الإرهابيين بطائرات بدون طيار وقذائف الهاون على المدنيين. وانتشرت مجموعات إرهابية في مدينة إدلب وأجزاء من ريفها، ينتمي أغلبهم إلى هيئة تحرير الشام المدرجة على لائحة الإرهاب الدولي. وتهاجم هذه الجماعات مناطق آمنة في ريف مدينة حماة بالصواريخ والطائرات المسيرة، ما يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين، وإلحاق أضرار مادية بالممتلكات العامة والخاصة.
مقتل العشرات من الإرهابيين
على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لقتلی الإرهابيين في العمليات التي جرت في الأيام القليلة الماضية، إلا أن الروس أفادوا بمقتل ما يقرب من 200 إرهابي في هذه الهجمات.
لكن لأن التكفيريين تكبدوا أيضًا إصابات في قصف مدفعي للجيش السوري، وأيضًا بسبب حجم الضربات الجوية، فإن عدد القتلى من الإرهابيين أعلى من هذا.
قُتل 75 إرهابياً في غارات جوية يوم الأحد وحده، وقتل 65 تكفيرياً آخر يوم الاثنين. وقالت السلطات السورية إن من بين القتلى عدد من قيادات الجماعات الإرهابية، من بينهم عبد الكريم أبو داود التركستاني وسيف الله أبو عبد الحق التركستاني.
وبالإضافة إلى الخسائر الفادحة في الأرواح، وضعت العمليات الأخيرة الجماعات الإرهابية في وضع سيء. وفي هذا الصدد، أمرت هيئة تحرير الشام بإخلاء المقرات المتبقية لهذه المجموعة الإرهابية، لتجنب استهدافها من قبل القوات الجوية الروسية والسورية. كما قالت مصادر محلية، إن جميع حواجز تحرير الشام في ريف إدلب أصبحت خاليةً من عناصر هذه المجموعة.
من جهة أخرى، قالت مصادر محلية في ريف إدلب لوكالة "سبوتنيك" للأنباء، إن مسلحي تحرير الشام أخذوا 20 عبوة تحتوي على مواد مجهولة التركيب من أحد مقرات هذه المجموعة بريف مدينة جسر الشغور الغربي، ونقلوها إلى منطقة أخرى. وأوضحت المصادر أن طبيعة الحاويات وشكلها وطريقة نقلها، تشير إلى أنها كانت مخصصةً لتخزين الغازات والسوائل السامة.
كما أعلنت هذه المصادر أن عناصر هيئة تحرير الشام، الذين قاموا بتحميل هذه الحزم في المركبات المجهزة للخوذ البيضاء، قاموا بذلك مستخدمين الأقنعة والقفازات لحماية أنفسهم من المواد الخطرة.
هذا فيما حذرت السلطات الروسية في الأسابيع الماضية، من أن إرهابيي هيئة تحرير الشام يستعدون لتنفيذ هجمات كيماوية. في العقد الماضي، حاول الإرهابيون مرارًا وتكرارًا الضغط على الغربيين لمواجهة الحكومة السورية باستخدام هجمات كيميائية مزيفة ونشر مقاطع فيديو مزيفة، لكنهم لم ينجحوا بهذه الطريقة. وهذا السيناريو المصطنع فقد فعاليته، ولا ينتبه المجتمع الدولي لأفعال التكفيريين.
عجز الإرهابيين بعد عملية التطبيع
بعد أن استأنفت الدول العربية وتركيا تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، تحاول قوى المقاومة إزالة أكبر عقبة أمام السلام والاستقرار في هذا البلد، وإذا تم تحرير إدلب، فسيتم القضاء علی الإرهابيين في سوريا إلى الأبد، وبعد 12 عامًا من انعدام الأمن سيرى هذا البلد لون السلام.
في السنوات الأخيرة، كان إرهابيو إدلب يعطلون أي عملية سلام، وفي الوضع الحالي حيث كل شيء جاهز لتدميرهم، فإن الحكومة السورية مصممة على التخلي عن التهدئة وتدمير كل هذه المجموعات بكل قوة ممكنة.
هذه الجماعات، التي فقدت أكبر مؤيديها الإقليميين بعد رغبة تركيا في تطبيع العلاقات مع دمشق، حاولت تنظيم هجمات ضد مناطق مدنية والتظاهر بأنها يمكن أن تستمر في الوجود دون داعميها، لكن حساباتهم خاطئة.
في السنوات الأخيرة، وفقًا للاتفاقيات التي تم التوصل إليها في مناطق خفض التصعيد، كانت روسيا ضد تنفيذ هجمات واسعة النطاق على مقرات الإرهابيين. لكن بعد أن تبين أن أمريكا أرسلت بعض هؤلاء الإرهابيين إلى أوكرانيا للقتال ضد القوات الروسية، غيرت سياستها وتحاول التخلص من هذه الجماعات إلى الأبد.
من ناحية أخرى، مع الجولة الجديدة من الضربات الجوية، تريد روسيا إرسال هذه الرسالة للإرهابيين وداعميها الغربيين، بأن الانشغال بأراضي أوكرانيا لم يتسبب في تقليص دورها واهتمامها في سوريا. والهجمات الأخيرة هي رسالة قوية وواضحة، مفادها أنه لا يمكن التسامح مع الأعمال الإرهابية في الداخل والخارج، وسيتم الرد عليها بحزم.
كما يعتقد بعض الخبراء أن الضربات الجوية الروسية، تهدف إلى منع تركيا من التحايل والخداع على الاتفاقات التي وقعتها أنقرة لكنها لم تنفذها، ومنها خارطة الطريق التي أعدتها موسكو لانسحاب قوات الاحتلال التركية ووقف الجماعات الإرهابية.
جدير بالذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ادعى الشهر الماضي أنه سيبني مليون وحدة سكنية للاجئين في مناطق شمال سوريا، بما في ذلك إدلب، بهدف استمرار الاحتلال التركي. لذلك، فإن الروس بتدميرهم الإرهابيين يحاولون انتزاع ذريعة تركيا وحتى أمريكا للبقاء في أراضي سوريا، لإنهاء احتلال الغزاة من هذا البلد.