الوقت - البلد الذي ما زال يحن إلى الهيمنة والماضي الاستعماري البائد. هكذا اتهمت وسائل الإعلام المغربية والسياسيين باريس، حيث تحولت محاولة الانفراج، التي بدأ الحديث عنها مؤخرا، في العلاقات الفرنسية المغربية، إلى أزمة متجددة إن لم تكن أكبر. فقد أنتج قرار البرلمان الأوروبي، المنتقد صراحة لأوضاع حرية التعبير وحقوق الإنسان في المغرب، ردود أفعال قوية صادرة عن السلطات في المغرب، وضمنها السلطة التشريعية بأحزابها الممثلة في البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين).
ويبدو لافتا أن السلطات المغربية بصدد حملات تجييش مكثفة للرأي العام المحلي ضد فرنسا، وقد راجت اتهامات بكون باريس هي من وراء إقدام المؤسسة الأوروبية في ستراسبورغ على التصويت لمثل هذا القرار.
حيث هاجمت وسائل اعلام مغربية، بشكل غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين الشريكين، في ما يشبه حملة انخرط فيها عدد من السياسيين، السياسة الفرنسية الخارجية، تجاه المغرب، معتبرين أن النظام السياسي في فرنسا مازال يحن الى العهود الاستعمارية الغابرة.
وأفردت عدة صحف ومواقع الكترونية حيزا مهما للرد على الخطوات الفرنسية الأخيرة ضد المغرب، وقالت صحيفة “الجريدة” المغربية، ان أعداء السياسة في المغرب، توحدوا ضد فرنسا، مضيفة أنهم “طووا كل الخلافات بينهم في رص للصف الداخلي وتقوية الجبهة الوطنية في مواجهة بلد يحن إلى زمن الاستعمار، واستمرار التلاعب بمصائر الشعوب عبر إعمال مؤامرات لأجل تحقيق مآرب معروفة للجميع”.
قبل نهاية أيام السنة الماضية، بعثت فرنسا إلى الرباط وزيرتها في الخارجية، كاترين كولونا، لإنهاء الفتور الذي شاب العلاقات بين المغرب وفرنسا، ولإقفال "أزمة التأشيرات"، ثم الإعلان عن صفاء سماء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بإعادة الدفء للعلاقات الثنائية، والتحضير لزيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المملكة في بداية العام الحالي 2023.
والأهم هو تأكيد الوزيرة الفرنسية على أن فرنسا ترغب في أن تكون علاقتها مع المغرب "شراكة مثالية استثنائية أخوية وعصرية".
لكن كيف يحدث ما حدث بهذا الشكل الدراماتيكي، حتى بدأت تصل أصداء عن مغاربة يصدّرون كلاما مباشرا يقول بـ "ضرورة إيقاف غطرسة ما بعد الاستعمار والأزمة الأخلاقية والمعنوية في أوروبا"؟ وأطلقت منصات إعلامية مغربية على الفيس بوك واليوتيوب، لبث حملات منظمة ضد فرنسا، مشيرة إلى ماضيها الاستعماري والاستغلالي الدموي؟
هذا، وأثار خطاب لرئيس الحكومة الأسبق وأمين عام حزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، هاجم فيه السبت الماضي ،فرنسا، ردودا عديدة.
واتهم عبد الإله بنكيران، فرنسا بالوقوف وراء قرار البرلمان الأوروبي الأخير، حول وضعية الحريات في المملكة، معتبرا أنه قرار يحاول من خلال البرلمان الانتقاص من استقلالية القضاء المغربي، قائلا في المؤتمر الوطني الخامس للفضاء المغربي للمهنيين “ليس للبرلمان الأوروبي حق في التدخل في شؤون المغرب”، مشددا على ذلك وهو يردف “نحن أمة حرة مستقلة، ولا نقبل أن يمس أحد استقلالنا”.
ووجه بنكيران انتقادات شديدة اللهجة إلى باريس، حيث ذكر بأنه في فرنسا “مات 19 ألف رجل وامرأة من فئة المسنين لأنهم لم يجدوا من يمنحهم الماء بسبب الحرارة”.
ولم يسلم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من انتقادات بنكيران، إذ قال: “رئاسة فرنسا لا تفقه شيئا”، قبل أن يضيف: “نحن لا نملك غازا نقدمه لكم، لكن الدول الكبرى لا تبنى على الغاز والبترول، وإنما على المبادئ، وهذا ما صعدت به فرنسا، لكنها ابتليت بقيادة لا تنظر أبعد من أنفها”.
وشدد على أن بلاده لا تمانع في أن تكون هناك مصالحة بين فرنسا والجزائر، مستدركا، “ولكن ليس على حساب المغرب وهو الدولة الضاربة في الأعماق والتاريخ، ولها مكانة، ومثلت عبر التاريخ صخرة للدفاع عن حرمة الإسلام من هنا إلى الشرق”.
بدوره، هاجم الكاتب الأول (الأمين العام) لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، فرنسا، معتبرا أن “الندّية التي أصبح يتعاطى بها المغرب مع الخارج أظهرت المواقف الحقيقية لعدد من الدول بشأن قضية الوحدة الترابية للمملكة”.
وقال لشكر، خلال اجتماع المجلس الوطني للحزب إن “فرنسا، عاجزة عن استيعاب مشروعنا التنموي ونموذجنا الديمقراطي وتجربتنا الحقوقية. وقد كانت هذه الأطراف، إلى الأمس القريب، تشيد بما حققته بلادنا وتعتبره نموذجا وخطوات إيجابية، قبل أن يسقط عنها القناع”.
وحذر المتحدث من قرار البرلمان الأوروبي، الذي وصفه بـ”الموقف المناوئ” بأنه “يعكس في واقع الأمر انزعاج العديد من الأطراف من موقع الندية الذي أصبحت تحتله بلادنا في تعاملها مع مختلف الشركاء. هذا الانزعاج ظهر لدى العديد من الأطراف الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا”.
من جهة أخرى و لإيقاف تدهور العلاقات بين البلدين وعدم تركها لمزيد من التفاقم، بادرت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية إلى عقد مؤتمر صحفي يوم الخميس، للرد على اتهامات برلمانيين مغاربة بأن فرنسا خلف الكواليس، أو أنها هي من رعت استهداف مؤسسات المغرب في البرلمان الأوروبي، ولنفي ارتباط ذلك بالحكومة الفرنسية، وأن "البرلمان الأوروبي يمارس صلاحياته بشكل مستقل". مع التأكيد على "عدم وجود أزمة مع الرباط".
بلغة صِدامِية، يردد بعض المتحدثين و"المحللين الرسميين" في المغرب، أن السبب الكامن خلف الهجوم على المملكة هو تراجع مكانة فرنسا ضمن "الديناميكية الجديدة للشراكة المغربية الأميركية عقب "اتفاقات أبراهام". وإن اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، كان له دور في التوجه الجديد لدبلوماسية للرباط بخصوص هذا الملف.
السؤال هنا: هل ستقتفي الرباط خطوات بلدان إفريقية أعلنت تمردها بوضوح على مستعمرها السابق، فرنسا؟ نهايةً يرى العديد من المحللين أن الرباط مهما اتجهت شرقا وجنوبا أو شمالا وغربا، فإن وجهتها تظل هي باريس، وإن فرنسا مهما حصل من توترات أو أزمات ثنائية وسوء فهم، ستبقى الحليف الثابت للمملكة. بامتلاكها العديد من الحقائق والأسرار والخبايا الخاصة بالمغرب.