الوقت - تسببت النتائج السلبية للحرب في أوكرانيا في قيام دول أوراسيا بإعداد آليات جديدة للتعاون الاقتصادي.
ولهذا الغرض، عقد المنتدى الاقتصادي الثاني لبحر قزوين في موسكو يوم الخميس بحضور كبار ممثلي إيران وروسيا وكازاخستان وجمهورية أذربيجان وتركمانستان، من أجل تعزيز علاقاتهم في مجال التجارة.
حضر هذا الاجتماع المهم محمد مخبر، النائب الأول لرئيس إيران، إلى جانب مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، كما حضر هذا المنتدى الاقتصادي رؤساء وزراء أربع دول ساحلية أخرى.
وأعلن مسؤول بوزارة الخارجية الروسية أن تطوير التعاون التجاري والاقتصادي بين دول بحر قزوين، سيكون المحور الرئيسي للمؤتمر الثاني لرؤساء وزراء الدول المطلة على بحر قزوين في موسكو.
وفي ختام المنتدى، وافق رؤساء الوفود على بيان مشترك أعادوا بموجبه تأكيد التزام بلدانهم بالموقف المشترك بأن بحر قزوين بحر سلام وصداقة وتعاون، وجميع القضايا المتعلقة ببحر قزوين يتم حلها بالوسائل السلمية ومن خلال الحوار. وورد في البيان المنشور أن المنتدى الاقتصادي لبحر قزوين الثالث سيعقد في إيران عام 2023.
أيضًا، على هامش المنتدى الاقتصادي الثاني لبحر قزوين، تفاوض مسؤولون من إيران وروسيا وتركمانستان وكازاخستان وجمهورية أذربيجان، بصفتهم خمسة جيران، مع بعضهم البعض بشكل ثنائي ومتعدد الأطراف بشأن قضايا النفط والغاز والطاقة والنقل والعلوم والبيئة والزراعة.
يذکر أن المنتدى الاقتصادي الأول لدول بحر قزوين عُقد في تركمانستان في أغسطس 2019، بحضور الدول الأعضاء الخمس وهي إيران وروسيا وتركمانستان وكازاخستان وأذربيجان.
مقترحات إيران السبعة
مخبر الذي ترأس الوفد الإيراني في منتدى بحر قزوين الاقتصادي، إلى جانب إلقاء كلمة في المنتدى الاقتصادي الثاني لبحر قزوين، تشاور مع عدد من نظرائه والمسؤولين المشاركين في هذه القمة.
يشار إلی أن وزراء الشؤون الاقتصادية والمالية والنفط والجهاد الزراعي يرافقون النائب الأول لرئيس إيران في هذه الزيارة.
أكد مخبر في كلمته في اجتماع موسكو، أن إيران، انسجاماً مع السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية الثالثة عشرة، تسعى لتوسيع التعاون والتفاعل الشامل مع دول الجوار، وخاصةً مع دول ساحل بحر قزوين؛ وقال إن إيران بالنظر إلى موقعها الجيوسياسي والجيواقتصادي كنقطة اتصال لبحر قزوين بالشواطئ الجنوبية والمياه الدافئة للخليج الفارسي وبحر عمان والمحيط الهندي، عازمة على خلق زخم في التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الساحلية لبحر قزوين.
وفي إشارة إلى أن بحر قزوين وفّر منصةً مناسبةً للغاية لتوسيع التعاون في مختلف المجالات بين الدول الساحلية لهذا البحر، أكد مخبر على الاستخدام والاستفادة من القدرات الاقتصادية لهذه الدول، من أجل التنمية والتقدم والرفاهية لشعوب المنطقة، وقدّم سبعة اقتراحات لتطوير العلاقات وتحسين مستوى التعاون بين الدول المطلة على بحر قزوين.
وقال مخبر إنه من أجل تطوير التعاون النقدي والمصرفي والمالي مع البلدان الساحلية لبحر قزوين، تنبغي صياغة تعليمات خاصة وتنفيذها؛ وهو ما بدأته إيران مع بعض الدول الساحلية.
ومن بين مقترحات إيران المهمة في هذا المنتدى الاقتصادي تعزيز ممر "شمال – جنوب" الدولي، توحيد وتنسيق تعريفات النقل بالسكك الحديدية والطرق والبحر، وكذلك تهيئة الأرضية لاستثمارات مشتركة في أعمال البنية التحتية مثل الموانئ، خطوط الشحن والسكك الحديدية وتشكيل لجنة تعاون للنقل والعبور والتعريفات الجمركية والتجارة والجمارك والتنمية الاقتصادية وحماية البيئة لبحر قزوين، وتوحيد الترددات الكهربائية للدول الساحلية وتسريع ربط شبكات الكهرباء الإيرانية بشبكات الكهرباء في الدول الساحلية.
حاولت الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة، التي جعلت من سياسة "التحول شرقاً" من أولويات سياستها الخارجية، تعزيز علاقاتها مع روسيا ودول المنطقة، وخاصةً آسيا الوسطى، في العام الماضي.
وزار قادة دول المنطقة، الذين أدركوا الموقع الجيوسياسي لإيران في المنطقة، طهران في الأشهر الأخيرة ووقعوا عقودًا في مختلف المجالات التجارية والترانزيتية.
ومن أجل الحد من الضغوط الاقتصادية الغربية علی إيران، لهذا البلد نظرة خاصة للتفاعل مع دول منطقة أوراسيا، کما أن وجود الوفد الإيراني رفيع المستوی في هذا المنتدی الاقتصادي لبحر قزوين، مؤشر جيد علی حقيقة أن طهران تنتهج بجدية سیاسة التعاون وتحسين العلاقات مع جيرانها.
الأهمية الجيوسياسية لبحر قزوين
حظيت منطقة بحر قزوين باهتمام عالمي لعدة قرون، بسبب عوامل سياسية وجيوسياسية واقتصادية وثقافية وکذلك الطاقة، وازدادت أهميتها بشکل کبير في السنوات الأخيرة.
ولبحر قزوين تأثير مهم علی أسواق الطاقة بسبب موارده الهائلة من النفط والغاز، وبما أن البلدان الساحلية لبحر قزوين تمتلك أکبر احتياطات من النفط والغاز، فيمکنها استخدام قوة الطاقة هذه للضغط علی الدول المعادية، وخاصةً الغرب، وهو ما فعلته روسيا في الأشهر الأخيرة وخلقت أزمةً کبيرةً للدول الأوروبية.
ومن أجل الحدّ من أثار ونتائج الأزمات العالمية علی اقتصادها المحلي، تسعی دول المنطقة إلی خلق نموذج جديد للتعاون الاقتصادي لزيادة علاقاتها في المنطقة. کذلك، فقد زاد تطور التعاون بين الدول المحيطة ببحر قزوين بشکل کبير بعد حرب أوکرانيا، وهي تحاول استخدام قدرات هذه المنطقة الاستراتيجية بشکل فعال لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية.
وحسب الإحصائيات المعلنة، تبلغ طاقة التعاون لدول بحر قزوين 4 تريليونات دولار سنويا، وهذه الدول الخمس لديها أسواق کبيرة يمکن أن تکمل بعضها البعض، وتفي باحتياجات بعضها البعض من خلال تطوير التعاون.
يبلغ حجم التبادلات بين هذه الدول حالياً نحو 800 مليار دولار، وإذا أثمرت الاتقاقيات التجارية التي تمت مناقشتها في اجتماعات بحر قزوين، فإن التجارة بين هذه الدول ستزداد بشکل کبير.
کما أن تطور التعاون في الأشهر الأخيرة يشير أيضًا إلی التقدم في المجال التجاري. لذلك، رافقت هذه القمة التي عقدت في موسکو هذا العام برامج منتظمة، کما أن قادة هذه الدول يدرکون جيداً أهمية هذا المنتدی.
دور إيران في زيادة التفاعلات بين دول بحر قزوين
علی الرغم من أن الدول الخمس الساحلية المطلة علی بحز قزوين، لها تأثير مهم علی التفاعلات الاقتصادية والتجارية في المنطقة، إلا أن بعض البلدان تلعب دوراً أکثر أهميةً.
وبالنظر إلی أن ممر الشمال-الجنوب الإيراني قد انطلق بعد عشرين عاماً، ومن المفترض أن ينقل بعض البضائع التجارية من روسيا إلی المحیط الهندي، فقد تضاعفت أهمية بحر قزوين.
ويمکن لدول بحر قزوين أيضًا استخدام هذا الممر بسهولة لنقل بضائعها التجارية إلی المحیط الهندي ومناطق أخری من العالم. وبما أن حدود أوروبا مغلقة أمام روسيا وآسيا الوسطی، يمکن لممر الشمال-الجنوب أن يلعب دوراً مهماً في الشحن البحري.
ونظراً لأن معظم هذا الممر يمرّ عبر إيران، یمکن لهذا البلد أيضًا مساعدة البلدان المجاورة في النقل بالسکك الحديدية والطرق. وباستخدام طريق الترانزيت هذا، یمکن لإيران نقل البضائع إلی المحیط الهندي والخليج الفارسي في أقصر وقت ممکن وبتکلفة أقل من الطرق الأخری.
کذلك، لتحسين جودة الخدمات، یمکنها أیضاً تعزیز طرق السکك الحدیدیة والبنیة التحتية. لأن وجود خطوط سكك حدیدیة مناسبة یسمح للدول الأخری بنقل العدید من البضائع عبر إيران، ما له العدید من الفوائد الاقتصادیة لإيران.
وإضافة إلی لعب دور ربط الهند وأوروبا بممر الشمال-الجنوب، یمکن لإيران أيضًا ربط آسیا الوسطی بالمحیط الهندي والخليج الفارسي من خلال هذا الطریق، وتصدیر سلع هذه البلدان إلی هذه المناطق المائية، ویمکن لدول آسیا الوسطی غير الساحلية الوصول إلی المیاه المفتوحة، من خلال طریق السكك الحدیدیة هذا. لذلك، مع مرور الوقت، ستزداد أهمیة هذا الممر الحدیدي والبحري، ودور ومکانة إيران فيه.
ووفقاً لمسؤولي الجمارك الإيرانيين، یمکن لهذا الممر نقل ما یصل إلی 100 ملیون طن من البضائع سنویاً، إذا تعاونت دول الأعضاء.
کما اکتسب هذا الممر أهميةً مضاعفةً بعد الحرب في أوکرانيا، ولهذا الغرض وفقاً للاتفاقیات المبرمة بین سلطات طهران وموسکو وباکو الشهر الماضي، من المفترض أن یتم إنشاء خط سکة حدید أستارا- رشت لیکون الحلقة المفقودة لهذا الممر بعرض 164 کیلومترا، حیث یمکن نقل البضائع بسرعة أکبر.
تمتلك إيران العدید من القدرات في مجال الترانزیت، حیث يمکن أن تصبح المحور الاقتصادي للمنطقة في المستقبل مع تطویر البنیة التحتية في هذا المجال، من أجل تعزیز ممر الشمال-الجنوب.
ویعدّ توقیع اتفاقیة تبادل الغاز بین ترکمانستان وجمهوریة أذربيجان عبر إيران، مثالاً مهماً في تطوير العلاقات علی طول حدود بحر قزوین، وسیتم تنفیذ مشاریع أخری في المستقبل أيضًا.
وفي هذا الإطار، أعلن المدیر العام لمنظمة تنمیة التجارة الإيرانية لمنطقة آسيا الوسطی والقوقاز وروسيا، عن زیادة بنسبة 45% في حجم لتجارة بین إيران ودول بحر قزوین في الأشهر الأولی من عام 2011.
وحسب معطیات رسمیة، بلغ حجم التبادل التجاري بین إيران والدول المطلة علی بحر قزوین العام الماضي نحو 3.5 ملیارات دولار، ومن المقرر أن يصل إلی 4 ملیارات دولار هذا العام.
کما یتم تعزیز تطویر علاقات إیران مع هذه الدول في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، وهو یظهر مستقبلاً مشرقاً علی مستوی تفاعلات التجارة والعبور بین طهران والمنطقة.
من ناحیة أخری، یمکن أن تکون تجربة إيران التي استمرت 40 عاماً في التحايل علی العقوبات الغربية، فعالةً في هذا الصدد بالنسبة لروسيا ودول آسیا الوسطی، والتي من المحتمل أن تتعرض لضغوط من الغرب.
أهداف روسيا من تعزیز منطقة بحر قزوین
روسيا التي تخوض صراعاً مع الغرب بشأن الأزمة الأوکرانية منذ بضعة أشهر، والمسؤولون في هذا البلد أعلنوا مراراً أن علاقات موسکو مع الغرب لن تکون أبداً کما کانت من قبل، لذا فهم يحاولون تعزیز تعاونهم مع دول الجوار، من أجل تحیید آثار العقوبات الغربية.
کما يوفر التعاون مع دول الشرق فرصاً عمليةً لتعزیز وتوسیع التعاون الاقتصادي والتجاري في السوق الروسية، حتی تتمکن من تصدیر سلعها إلی هذه الدول وتعویض قلة عائدات النقد الأجنبي، في وقت تراجعت فیه العلاقات مع الغرب.
من ناحیة أخری، بما أن الولایات المتحدة وأوروبا تحاولان عزل روسیا عن العالم، فإن تطویر تعاون موسکو مع الدول الآسيویة وتحدیداً مع دول بحر قزوین، سيحيد تصرفات الغرب ضد هذه الدولة.
وبسبب التوترات مع الغرب، تحاول سلطات موسکو استعادة مجدها السابق، وفي هذا الصدد تسعی إلی إزالة السیاسات التدمیریة للغرب ضد دول المنطقة، من خلال الجمهوریات السوفیتیة السابقة في آسیا الوسطی والقوقاز، وکذلك حلفاء مثل إيران. کما ذکرت روسيا في عقیدتها الجدیدة هذه القضية، بأنها لن تسمح لأمريکا بشن حرب في دول متحالفة مع موسکو، وستتعامل معها بقوة.
روسیا التي تعدّ نفسها لعالم متعدد الأقطاب، في هذا النظام الدولي الجدید، ستلعب روسیا وحلفاؤها الآسیویون دوراً مهماً في توجیه السیاسات العالمية. ولهذا الغرض، تعتزم استخدام کل قدراتها وقدرات الدول الحليفة لتعزیز مکانتها في هذا النظام العالمي، وبحر قزوین هو إحدی هذه المناطق المهمة التي هي علی جدول أعمال رجال الدولة في الکرملين.
وفقاً للظروف الحالية التي تحکم النظام الدولي، سیلعب بحر قزوین والممرات المرتبطة به دوراً مهماً في عبور وحرکة البضائع في المستقبل، وبالتالي سیتم تحسین موقع إيران کطریق سریع للمرات التجاریة.
