الوقت - غادر الدكتور إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، إلى نيويورك منذ أمس للمشاركة في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
عادةً، في كل عام، يسترعي وجود الرؤساء الإيرانيين في اجتماعات الأمم المتحدة اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية، وتتنافس هذه الوسائط مع بعضها البعض للحصول على فرصة لإجراء محادثة حصرية مع الرئيس الإيراني.
من ناحية أخرى، يوفر الحديث مع وسائل الإعلام الأمريكية للسلطات الإيرانية فرصةً للدبلوماسية العامة وشرح المواقف الجوهرية للجمهورية الإسلامية للرأي العام الأمريكي، فيما يتعلق بالقضايا الدولية الهامة والعلاقات مع الولايات المتحدة، دون رقابة وبشكل مباشر.
وفي هذا الصدد، كان من أولی برامج السيد رئيسي بعد وصوله إلى أمريكا، هو قبول مقابلة مع قناة سي بي إس، إحدى القنوات التلفزيونية الأكثر مشاهدةً في أمريكا.
في هذا البرنامج، أجاب السيد رئيسي ببراعة على أسئلة مختلفة من مضيفة البرنامج، من موضوع المفاوضات النووية إلى تبادل الأسرى بين البلدين، حتى لا يمنح المحاورة الفرصة لأخذ أي أخطاء سياسية.
في غضون ذلك، كان أحد الأسئلة التي أثيرت عن قصد ولتحدي رئيس إيران أمام الجمهور، سؤال طرحته مضيفة البرنامج على السيد رئيسي حول الهولوكوست.
سألت المذيعة السيد رئيسي عما إذا كان يؤمن بالهولوكوست أم لا. ورداً على ذلك، أجاب الرئيس الإيراني بذکاء بالغ: "يجب التحقيق في القضايا التاريخية من قبل الباحثين والمؤرخين. هناك أيضًا دلائل على وقوع مثل هذا الحدث(الهولوكوست)، والتي يجب أن يدرسها الباحثون والمؤرخون بعناية.
من الواضح تماماً أنه بينما يخطط المنافقون والمعادون للثورة منذ فترة طويلة وبدعم مالي أجنبي لتهميش وجود الرئيس الإيراني في نيويورك، فإن هذا السؤال يُطرح بشكل متعمد؛ رغم أن سلطات الجمهورية الإسلامية لم تتردد أبدًا في التعبير عن عدم عذر الصهاينة في استغلال أحداث الحرب العالمية الثانية لعقود من الاحتلال والقتل الممنهج للفلسطينيين، وانتقاد صمت الغرب تجاه هذه الجرائم.
مساعي اللوبي الصهيوني للعب دور الضحية
إن قوة اللوبي الصهيوني في أمريكا أمر تعترف به سلطات هذا البلد، إضافة إلى المراقبين السياسيين والمفكرين الأمريكيين، وذلك بسبب السيطرة على الشرايين المالية، والتأثير على مراكز صنع القرار السياسي مثل الكونغرس والبيت الأبيض، من خلال انتشار الفكر الصهيوني بين النخب والسياسيين، والسيطرة على الإعلام والسينما.
ومع ذلك، على الرغم من نمو الأخطبوط الصهيوني في جميع الطبقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للولايات المتحدة، ولکن في السنوات الأخيرة ازدادت النظرة السلبية للکيان الصهيوني ودعم الفلسطينيين في المجتمع الأمريكي، وذلك نتيجةً لتزايد عدد منتقدي سياسة البيت الأبيض المتمثلة في الدعم الكامل للکيان الصهيوني.
اليوم، حتى مع الرقابة والتشويه الشديد لوقائع التطورات في فلسطين في الإعلام الأمريكي، لكن إزالة احتكار الإعلام عن أيدي وسائل الإعلام الكبرى، جعلت الرأي العام في أمريكا أكثر درايةً بالسياسة الإمبريالية للبيت الأبيض الداعمة لکيان الاحتلال القاتل للأطفال.
وهي الحقائق التي أخفاها الصهاينة دائماً ليقوموا بدل ذلك بلعب دور الضحية، وخاصةً مع إنتاج أفلام هوليوود عالية التكلفة عن معاناة اليهود في الحرب العالمية الثانية.
وهذه المسألة خطيرة للغاية بالنسبة للصهاينة، الذين يرون وجودهم في ظل استمرار الدعم الكامل من الغرب وأمريكا، خاصةً بالنظر إلى المشاكل والأزمات الداخلية الضخمة التي يواجهها هذا الکيان في السنوات الأخيرة.
ولذلك، طُرح السؤال حول المحرقة في المقابلة مع الرئيس الإيراني، بهدف أنه من خلال تكرار مواقف إيران السابقة تجاه هذه الأسطورة التاريخية المشكوك فيها، فإن الصهاينة سيخلقون مرةً أخرى أجواء إدانة معاداة السامية، ليحلّ دعم تل أبيب محلّ انتقاد جرائم الکيان في فلسطين.
من ناحية أخرى، في الأشهر الماضية، كان الصهاينة قلقين للغاية من تراجع البيت الأبيض والاستسلام أمام الشروط التي وضعتها إيران لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات، وقد استخدموا كل ما لديهم لعرقلة هذا المسار.
وبناءً على ذلك، من الممكن أن تكون مسألة الهولوكوست قد أثيرت للضغط على البيت الأبيض من قبل المجتمع المدني لعدم إحياء الاتفاق النووي.
ذکاء رئيسي في مواجهة اللوبي الصهيوني
على الرغم من التخطيط وراء الكواليس لإثارة الجدل حول موقف السيد رئيسي المحتمل ضد المحرقة، فإن الطريقة التي أجاب بها الرئيس الإيراني على السؤال تسببت في تعثر مصممي هذا السيناريو، حيث سلب من الصهاينة إمکانية المناورة الإعلامية والمضي قدماً بخططهم.
فمن خلال تأجيل إعلان الحقيقة بشأن القتل المزعوم لستة ملايين يهودي على يد ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية إلى ما بعد التحقيق من قبل المؤرخين والباحثين، رمی رئيسي الكرة عمليًا في ملعب الغرب.
هذا النهج المنطقي ينتقد سياسة الغربيين المنحازة تمامًا للکيان الصهيوني من خلال حظر الأبحاث حول الهولوكوست، ويشجع الرأي العام على متابعة هذه القضية.
مع المواقف المبدئية لإيران، يواجه الغربيون دائمًا السؤال الصعب المتمثل في أنهم إذا ليسوا خائفين من الكشف عن الحقيقة، فلماذا أعلنوا أنه من غير القانوني إجراء بحث لتوضيح الحقيقة حول أسطورة الهولوكوست؟
إذا كان الغربيون متأكدين من موقفهم، فإن البحث عن الهولوكوست لن يقلل فقط من الاعتقاد العام، بل من خلال إغلاق أفواه المنتقدين، سيحافظ على الرواية الغربية والصهيونية الوحيدة عبر العقود الماضية حول هذا الحدث.
ومع ذلك، لم ينكر السيد رئيسي أسطورة الهولوكوست صراحةً، وطلب منهجًا علميًا للإجابة على سؤال المضيفة؛ وهذا هو الشيء الذي يتجنبه الصهاينة.