الوقت- ظاهرة الهجرة من السعودية حلّت على حين غرّة في السنوات الأخيرة، حيث تعود أسبابها الى انتشار الفساد و مسائل سياسية و انعدام الحريات و تسلط العائلة الحاكمة و من يتبعهم على المناصب الرسمية في الدولة، وحسب تقارير رسمية، ارتفعت معدلات الهجرة واللجوء من السعودية بشكل ملحوظ منذ وصول ابن سلمان إلى دفّة الحكم..
وصول محمد بن سلمان رفع معدلات هجرة السعوديين
بدأت معدلات الهجرة في السعودية ترتفع بشكل ملحوظ بعد استيلاء محمد بن سلمان على الحكم وعلى الرغم من محاولات الغرب اظهاره رجلا مصلحا صديقا للغرب الا ان تصرفاته سرعان ما حاصرته ولوثت سمعته، وشهد عهده تصاعد القمع واستهداف الناشطين و مصادرة الحريات داخل حدود البلاد و خارجها.
إن عدد المهاجرين الذين تقدموا بطلب اللجوء في السنة التي تولى فيها محمد بن سلمان السلطة (2015-2016) ارتفع بنسبة 52 بالمئة. هذا الارتفاع يعكس انعدام الثقة بإمكان اصلاح أوضاع المملكة من خلال المبادرات التي طرحها الحاكم الجديد وهي مبادرات جوفاء في جوهرها، ولا تنطلق من قناعة حقيقية بمبدأ الاصلاح والقضاء على الاستبداد والفساد. وقد اصبحت هناك اليوم جاليات سعودية في بلدان عديدة من بينها بريطانيا التي اصبحت تضم جالية سعودية تزداد توسعا وكذلك في المانيا. ولا بد من الاشارة الى ظاهرة التمرد المنتشرة بين الشباب واستغلالها من قبل جهات اجنبية لأهدافها الخاصة. وعلى الرغم من وجود بعض حالات التمرد على الدين والعادات من قبل بعض الفتيات الا ان ظاهرة الاحتجاج على النظام بدأت تتوسع بوتيرة أكبر.
وفي وقت يعاني فيه الشباب السعودي من البطالة وتراجع المستوى المعيشي، وبحكم سيطرته على المقدرات المالية للدولة، تتحدث صحف غربية من وقت لآخر عن إنفاق ولي العهد مبالغ طائلة لاقتناء لوحات لرسامين عالميين ويخوت فارهة و إقامة حفلات خاصة بتكاليف خيالية.
و على صعيد السياسة الخارجية لولي العهد السعودي، فإن العديد من قراراته أثبتت على أرض الواقع أنها كانت مكلفة للغاية، سواء اقتصاديا أو سياسيا. و بشكل عام طالما يتعامل ابن سلمان والعائلة المالكة مع هذه البلاد على أنها مؤسسة آل سعود وشركاه، فكلما توسع عدد الأمراء فسوف يعتبرون أن حقهم الطبيعي و الشرعي من وجهة نظرهم هو الحصول على جميع موارد الدولة دون منازع بحكم مشاركتهم في ملكية هذه الشركة الضخمة!!
استحواذ آل سعود على موارد الدولة يدفع بشبابها إلى الهروب
تظل ثروة العائلة سرا، ولم يتم الكشف عنها إلا في مناسبات، منذ إنشاء الملك عبد العزيز بن سعود الدولة عام 1932 وتوقيعه أول عقد للنفط مع شركة نفط “ستاندرد أويل” كاليفورنيا. ومن المؤكد أن الثروة النفطية أسهمت بنمو حظوظ العائلة، إلا أن سيطرتها على مفاصل الدولة والمميزات فيها أدت إلى انتعاشها.
وحتى وقت قريب كان الأمراء يتعاملون مع وزارات الحكومة كإقطاعيات خاصة بهم، إلا أن ولي العهد أنهى هذا الاحتكار. ويقول الأستاذ بمدرسة لندن للاقتصاد ستيفن هيرتوغ، مؤلف كتاب “أمراء، سماسرة وبيروقراطيون: النفط والدولة في السعودية”: “طالما اتسمت العلاقة بين مالية الدولة والأمراء البارزين بالغموض” و”لم يبق إلا شخصان لديهما هذا النوع من التميز: ولي العهد والملك”.
وحسب إلين وولد، محررة كتاب “سعودي إنك: بحث المملكة العربية عن الربح والقوة” (2018) ” فمن الناحية التاريخية لم يكن هناك فرق بين خزينة الدولة والعائلة المالكة”. وقالت: “هذه ملكية مطلقة” و”عندما يتعلق الأمر بها، فالعائلة تستطيع أخذ أي شيء”.
وعلى مدى عقود، أضيف لأفراد العائلة مصدر آخر من الدخل، حيث أخذ بعضهم يلعب دور الوسيط في عقود المملكة الدولية وخاصة في مجال صفقات السلاح، فهي من أكبر مشتري السلاح في العالم، وخاصة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا. وهناك أموال جاءت من بيع الأراضي أو الدخول كشركاء صامتين في تجارات. واستفادوا من القوانين التي كانت تشترط حتى وقت قريب على ملكية شريك محلي 25% من أسهم أي استثمار خارجي. ويعد أفراد أسرة آل سعود من أكبر المنفقين. فقد حدد موقع بلومبيرغ أرصدة بقيمة 30 مليار دولار في سباق الخيل والعقارات والسندات العامة ومزارع في أفريقيا، و1.6 مليار دولار في يخت سوبر. وبعضهم لديه حصص في شركات. فالأمير سلطان بن محمد الكبير، مثلا هو رئيس أكبر شركة للمواد الغذائية والمشروبات “المراعي”.
وفي تصريح سابق للأمير خالد بن فرحان آل سعود، وهو واحد من أفراد العائلة الممتدة، انشق عنها واستقر في ألمانيا: "يملك الناس الآن من المال أقل مما كانوا يملكونه من قبل، إلا أن العائلة لم يطرأ أي تغير على أحوالها. قدر كبير من أموال الدولة لا يدخل الميزانية، وصاحب القرار في ذلك هو الملك، وهو وحده الذي يحدد المقدار".
أسباب أخرى تدفع الشباب السعودي للهجرة
تعتبر الأسباب السياسية و مصادرة الحريات من أبرز الأسباب التي تدفع السعوديون من جميع الفئات العمرية إلى الفرار من بلادهم ولكن هناك سياسات محمد بن سلمان و طموحاته الخيالية فاقمت مشكلة الهجرة حيث تعاني السعودية من معدلات بطالة قياسية، تستحوذ على نسبتها الأكبر فئات الشباب والمرأة والمتعلمين. سعت الحكومة السعودية إلى علاجها لكنها فشلت لأن القطاع الإنتاجي الخاص ضعيف ومصروفات الدفاع مرتفعة رغم عجز الميزانية المزمن. وحسب تقارير دولية عدة فإن معدلات البطالة في السعودية أكبر منتج للنفط تقارب دولا مثل السودان ومصر، وتفوق نظيرتها في دول ليس لديها موارد نفطية مثل لبنان وتونس والمغرب، أو فقيرة الموارد.
وتتجاوز نسبة البطالة الحقيقية بين السعوديين الأرقام الرسمية المعلنة، إذ تبلغ أكثر من 30%، حسب تقديراتهم، ما يجعل البلد الثري بالنفط في حاجة إلى مضاعفة الجهود لحل المشكلة.
وأكدت التقارير الرسمية، أن السعودية تأتي في صدارة دول الخليج من حيث أعداد العاطلين، بل إن نسبة البطالة في ذلك البلد الغني بالنفط تتجاوز نسب البطالة في دول عربية تعاني من أزمات اقتصادية مثل الجزائر والمغرب ومصر.
و من ناحية أخرى، ومع أن رؤية 2030، التي أطلقها ولي العهد في حزيران 2016، كان من المقرر لها أن تخلق واقعا اقتصاديا يعتمد على إيرادات بديلة عن الإيرادات النفطية، التي تشكل أكثر من 90 بالمئة من إيرادات الخزينة السعودية، إلا أنها، وبعد مضي عدة سنوات، لم تحقق الكثير على طريق تنويع الإيرادات. بل على العكس من ذلك، فقد خفضت الحكومة السعودية الدعم للمواطنين السعوديين و رفعت معدلات الضرائب
تهميش الأقليات الدينية
يعتبر تهميش الأقليات الدينية سبب مهم آخر يدفع الشعب السعودي و على الخصوص أبناء المنطقة الشرقية للهجرة. في حين لا تتعدى مطالب المواطنين الشيعة حدود تطبيق إصلاحات سياسية واجتماعية تمنح أبناء الطائفة حقوقًا مساوية لتلك التي يتمتع بها أبناء السنة. وتتركز أهم المطالب في القضاء على التمييز والتحريض الطائفي، وإجراء إصلاحات إدارية وسياسية، وإنهاء الفساد.
والواقع أن الأقليات الشيعية في المملكة تعاني نوعًا من الاستبعاد السياسي والإداري من أجهزة الدولة، فعلى سبيل المثال، لا يوجد شيعي في مرتبة وزير أو نائب وزير، ومن المحظور عليهم من الناحية الفعلية تولي مواقع في الأجهزة الحكومية الحساسة في وزارات الداخلية والدفاع، والحرس والوطني، والديوان الملكي، والسلك الدبلوماسي. وتعدّ أغلبية الموظفين في المنطقة الشرقية من غير أبناء الطائفة الشيعية، وبعضهم يستقدمون من مناطق أخرى من المملكة؛ لكونهم أكثر ولاءً للنظام. ويستأثر السنة بجميع المواقع الإدارية في محافظة الأحساء، التي تبلغ نسبة الشيعة فيها نحو 60% من إجمالي عدد السكان، وتوجد بها – على سبيل المثال- نحو 400 مدرسة، جميع مديريها من غير الشيعة. ورغم أن الشيعة ممثلين على المستوى المحلي بستة مقاعد من أصل 11مقعدًا في المجالس البلدية، إلا أن السلطة الحقيقية ليست في يد تلك المجالس، وإنما تتركز في مستوى المحافظة الخاضعة لوزارة الداخلية.
أما على المستوى الديني فلا يستطيع الشيعة بناء مساجد جديدة أو حسينيات لممارسة الشعائر الدينية، ويمنعون من إحياء احتفالاتهم الدينية كيوم عاشوراء ويوم عيد الغدير، وعلى الرغم من عدم وجود قانون يحظر عليهم بناء المساجد، الا أن عملية الحصول على ترخيص حكومي لغرض بناء مسجد شيعي معقدة للغاية، مقارنة بالتسهيلات الممنوحة لأتباع المذاهب السنية، والتي تصل حد منحهم مساعدات مالية من السلطات لبناء المساجد. وإذا حصل أبناء الشيعة على ترخيص من الحكومة لبناء مساجد، فيجب عليهم الالتزام بجملة من الشروط، منها رفع الأذان بالصيغة المعتمدة لدى أهل السنة. كل ذلك التمييز و التطرف كان دافعاً للشباب السعودي للفرار من بلاده.