الوقت- أجريت الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2022 في وضع كان ذا أهمية كبيرة للجهات الأجنبية، بقيادة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
مساع أميركية وسعودية للتأثير على نتائج الانتخابات اللبنانية
على مدى السنوات الثلاث الماضية وبعد فوز حزب الله بأغلبية نيابية، لم تسلم المقاومة ولبنان كله من أي من هذه المؤامرات التي تتمثل في استغلال الاحتجاجات الشعبية لعام 2019، وإدخال لبنان في أزمة سياسية كبيرة، وتكثيف الضغوط الاقتصادية، وتعميق الأزمة المالية والمعيشية، ومحاولة إشعال حرب أهلية في لبنان، ومحاولة الحصول على تنازلات للنظام الصهيوني في حالة ترسيم الحدود البحرية وجر لبنان على طريق التطبيع مع المحتلين ... إلخ، وكانت كلها جزء من السيناريوهات التي وضعها حلفاء الولايات المتحدة في لبنان، الذين اعتبروا الانتخابات النيابية اللبنانية بوابة لتطبيقها.
طبعا في ظل التطورات السياسية في لبنان قبل الانتخابات بذلت جهود من قبل بعض الدول الغربية والعربية لمنع نجاحها، لأن الأجواء دلّت على فرصة كبيرة للمقاومة لتكرار انتصارها. ومن أهم التطورات في هذا الصدد مقاطعة الانتخابات من قبل سعد الحريري وتيار المستقبل، الأمر الذي قلص مشاركة السنة في الاقتراع بنسبة 15٪. حتى الدولارات التي جلبها السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت والتهديدات السعودية لسعد الحريري لم تحدث فرقًا كبيرًا لدى السنة، ولرئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة الذي كان يخطط لخوض الانتخابات خلفاَ لسعد الحريري.
أخيرًا، في هذه الفترة الانتخابية، حصل تحالف حزب الله وحركة أمل على 31 مقعدًا، والتيار الوطني الحر 18 مقعدًا، وحزب القوات اللبنانية 20 مقعدًا، وحلفاء حزب الله حصلوا على 3 مقاعد، والشخصيات المستقلة 11 مقعدًا، والمجتمع المدني 15 مقعدًا، والحزب الاشتراكي والحزب التقدمي 9 مقاعد، والأعضاء السابقون لتيار المستقبل 6 مقاعد و حركة المردة حصلوا على 2 مقاعد.
ويضم مجلس النواب اللبناني 128 مقعداً، ولكي يفوز الفصيل بالأغلبية، يجب أن يكون له أكثر من 64 مقعداً. وحسب إحصائياتنا، لا حزب الله وحلفاؤه ولا الطرف الآخر، ولا القوات اللبنانية وحلفاؤها، استطاعوا الفوز بأغلبية في البرلمان. وفي الفترة السابقة، فاز تحالف حزب الله بأغلبية 67 مقعدًا. وهكذا، وعلى الرغم من أن عدد مقاعد ائتلاف حزب الله لم يصل إلى الأغلبية كما في الفترة السابقة، إلا أن النتائج تظهر أن حزب الله نفسه وحركة أمل فازا بمقاعد أكثر مما كانت عليه في الفترة السابقة، وكان الحليف المسيحي للمقاومة هو الذي فاز بالنصاب القانوني.
هزيمة المشروع الطويل للرياض وواشنطن ضد المقاومة
كما ذكرنا فإن السفارتين الأمريكية والسعودية صممتا مشروعا مطولا للانتخابات اللبنانية بما يتناسب مع نتائج الانتخابات. بل كشفت بعض المصادر أن السعودية أنفقت 10 ملايين دولار على حملتها الانتخابية اللبنانية. طبعا، ربما اعتقدوا في المقام الأول أن خسارة غالبية حزب الله في الانتخابات يمكن أن تفتح الباب للمحور الأمريكي السعودي وأدواته داخل لبنان مقارنة بالفترة السابقة، لكن سرعان ما ظهرت بوادر خيبت آمالهم.
إن بنية النظام الانتخابي في لبنان وانتخاب رؤساء أفرعه الثلاثة معقدة بسبب تنوع السياق الديموغرافي والقبلي ودستور هذا البلد، ويختلف عن الأنظمة الديمقراطية الأخرى في العالم. لبنان لديها نظام جمهوري ويتم انتخاب رؤساء القوى الثلاث على أساس التركيبة الطائفية للبلاد. ويجب أن يكون الرئيس مسيحياً مارونياً ورئيس الوزراء مسلماً سنياً ورئيس البرلمان مسلماً شيعياً.
إعادة انتخاب "نبيه بري" رئيساً لمجلس النواب اللبناني وهزيمة حسابات أعداء المقاومة
في هذا السياق، فإن الخطوة الأولى بعد الانتخابات النيابية هي انتخاب رئيس مجلس النواب، بحيث يمكن تقديم الرئيس المقبل ورئيس الوزراء. ولهذه الغاية، انعقدت الجلسة الأولى لمجلس النواب اللبناني الجديد بعد أسبوعين من الانتخابات، وكما هو متوقع، تم الإبقاء على نبيه بري البالغ من العمر 84 عامًا كرئيس للمرة السابعة بأغلبية 65 صوتًا.
هذا بينما المعارضة، أو الأفضل القول، أعداء المقاومة في مجلس النواب اللبناني، ركزوا جهودهم منذ البداية على الدعاية ضد نبيه بري وأرادوا تسمية أحد مرشحيهم المفضلين لرئاسة مجلس النواب اللبناني. وعند إلقاء نظرة على سجل نبيه بري في السياسة اللبنانية يتكشف لنا دعمه المستمر للمقاومة.
التقى نبيه بري، وهو سياسي لبناني ذكي، بالإمام موسى الصدر في منتصف الستينيات وأصبح أحد مساعديه المقربين. ورافق بري الإمام موسى الصدر خلال تأسيس المجلس الشيعي الأعلى اللبناني وحركة أمل. وشغل مناصب مختلفة في حركة أمل منذ أواخر السبعينيات. وفي عام 1978، اختُطف الإمام موسى الصدر في ليبيا. وفي عام 1984، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، تم انتخاب بري زعيما لحركة أمل التي قادها خلال الفترة الصعبة من الحرب الأهلية اللبنانية. وكان من أشد المؤيدين للمقاومة في لبنان ويعمل بالتعاون مع حزب الله.
كما ذكرنا فإن مصير انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة مرهون بقرار مجلس النواب، ولهذا اعتبر الكثيرون إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب اللبناني هزيمة لتيار 14 آذار وفريق سمير جعجع وحلفائه. من الواضح أن المصير السياسي للبنان بشكل عام مرهون بتشكيل حكومة جديدة ورئيس وزراء يتولى منصبه. وهكذا أدرك معارضو المقاومة أن شروط تشكيل الحكومة ستكون هي نفسها كما كانت في الماضي، وأنهم لن يكونوا قادرين على تشكيل حكومتهم الخاصة أو تشكيل حكومة تكنوقراطية (دون وجود أحزاب سياسية وبهدف للقضاء على حزب الله).
ولهذا يمكن القول إن سقوط مؤامرة التسوية اللبنانية مع العدو الصهيوني وإعادة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب اللبناني كان لها عدة نتائج مهمة:
الف - كانت النتيجة الأولى أن الفصيل البرلماني الأكثر تماسكًا الآن بأغلبية، يتكون من تحالف 8 آذار بقيادة حزب الله، وكذلك الحركة الوطنية الحرة وبعض الممثلين المستقلين المؤيدين للمقاومة. إن انتخاب الياس بوعصب نائبا لرئيس مجلس النواب بعدد 65 صوتا والأهم انتخاب نبيه بري رئيسا للبرلمان بعدد 65 صوتا يؤكد الثقل الثقيل للمقاومة وحلفائها في مجلس النواب اللبناني.
ب - النتيجة الثانية لهزيمة فصيل "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، يتمثل في عدم قبول مرشحي هذا الفصيل في مجلس المكتب السياسي لمجلس النواب اللبناني.
ج - النتيجة الثالثة أنه بينما يواصل تحالف 8 آذار بقيادة حزب الله رؤية تماسكه المعتاد وتحالفه مع جميع حلفائه، فإن الخلافات السابقة بين حركة أمل والحركة الوطنية الحرة لا يمكن أن تؤثر على هذا التحالف.
د- والنتيجة الرابعة أن نتائج الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس مجلس النواب ومجلس ادارة المكتب السياسي سيكون لها اثر كبير على تعيين رئيس الوزراء المقبل وتشكيل مجلس ادارة حكومة جديدة. وبعد ازدياد ثقل المقاومة في مجلس النواب اللبناني وإعادة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، لن تتمكن المعارضة وتيار 14 آذار وكل السفارات الأمريكية والسعودية من السيطرة على عملية تشكيل الحكومة في لبنان.
ه- والنتيجة الخامسة تتعلق بمصير القضايا الحساسة مثل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، ومؤامرة اجبار لبنان للتطبيع مع العدو الصهيوني. ولطالما اعتبر المحور الأمريكي وأدواته داخل لبنان، منذ عقود، المقاومة أهم عقبة أمام تنفيذ مؤامرة التطبيع مع المحتلين الصهاينة في لبنان، فإن هذه المؤامرة لن تتم متابعتها في الآونة الأخيرة.
إن الأمريكيين، الذين فشلوا في إجبار اللبنانيين على التسوية مع العدو الصهيوني من خلال عقوبات مالية واقتصادية واسعة النطاق، يعتزمون الآن تنفيذ هذا المشروع عبر المعبر الحدودي. وبعد فشل تل أبيب وواشنطن في الجولة الأولى من محادثات ترسيم الحدود غير المباشرة في أكتوبر / تشرين الأول 2020، لالتقاط صورة تذكارية مع الفريق اللبناني للتطبيع، فإن الوسيط الأمريكي الجديد عاموس هوكشتاين وهو مواطن إسرائيلي، اقترح على السلطات اللبنانية أن تقوم بالتنقيب والحفر في المنطقة المتنازع عليها مع الكيان الصهيوني وأن يتم تقسيم الأرباح بين الجانبين. وهذا يعني التطبيع الاقتصادي وتمهيد الطريق للتسوية على مستويات أخرى.
وهذا ما حذره منه الامين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاباته قبل الانتخابات. وفي إشارة إلى المؤامرة التي حاكها الأعداء الأمريكيون والصهيونيون ضد لينان في هذه القضية، أكد السيد حسن نصر الله أنه طالما أن لبنان ليس له الحق في استكشاف واستغلال موارده البحرية، فلا يحق للنظام الصهيوني التصرف في هذا الصدد.
وهكذا، في ظل إعادة نبيه بري لرئاسة مجلس النواب وإشرافه على قضايا مهمة، فإن المعارضة أمامها طريق صعب لتنفيذ الأوامر الأمريكية في قضية ترسيم الحدود ولا يبدو أنها ستنجح. على أي حال، فإن نتيجة الانتخابات اللبنانية أو إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب تشير إلى أنه لن يكون هناك تغيير كبير في العملية السياسية في البلاد. وحتى أنه بعد بدء المشاورات البرلمانية لتشكيل الحكومة سنشهد دخول المحور الأمريكي السعودي وحلفائه على خط انتخاب رئيس وزراء جديد وتكرار سيناريوهات الجمود واستمرار العقبات الخارجية.
