الوقت - مع بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، توترت العلاقات بين موسكو وتل أبيب إلى مستويات غير مسبوقة على مدى العقود القليلة الماضية، وقد أدى الإعلان عن تفعيل منظومة S300 ضد اختراق المقاتلات الصهيونية للأجواء السورية مؤخراً إلى بوادر أزمة خطيرة في العلاقات بين الجانبين مرة أخرى. يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه بالفعل التوترات الكلامية بين الكرملين والصهاينة بشأن تصريحات سيرجي لافروف بأن هتلر كان ذا أُصول يهودية.
نظام S300، الذي دخل سوريا منتصف عام 2018 بعد إسقاط مقاتلة إسرائيليّة لطائرة ايلوشن روسيّة ، لم يسبق له أن اتّخذ إجراءات ضدّ الضربات الصهيونيّة المتكرّرة ، رغم مطالب دمشق. لكن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان تفعيل هذا النظام الدفاعي يعتبر علامة على تغيير في استراتيجية موسكو المتسامحة ضد خروقات الكيان الصهيوني في سوريا؟ من ناحية أخرى، وقع هذا الحادث في الوقت الذي أعلنت فيه بعض وسائل الإعلام الصهيونية، وتلاهم ملك الأردن، بدء عملية انسحاب القوات الروسية من الأراضي السورية. الآن ، خلقت هذه الأخبار موقفًا متناقضًا يمكن تحليله استراتيجيًا بناءً على سياسات ومصالح روسيا في سوريا، ومن ناحية أخرى، من خلال نظرة واقعية للوضع العسكري الروسي في الحرب في أوكرانيا.
هل دخل الروس حقًا في الانسحاب من سوريا؟
فيما يتعلق بنشر الأنباء عن انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا ، يمكن تحليل القضية وإعادة قراءتها في ثلاث زوايا خفية وواضحة. على المستوى الشعبي، التقارير عن انسحاب هائل للقوات الروسية من القواعد العسكرية الخاضعة لسيطرتها في سوريا غير موثقة ، وحتى الآن لم يؤكد المسؤولون السياسيون في وزارة الدفاع والكرملين ذلك. وحسب الإحصائيات التي قدمتها موسكو ، يوجد نحو 63 ألفًا من قواتها في سوريا. بطبيعة الحال ، لم يكن وجود عدد كبير من القوات الحليفة ضروريًا في وضع انتهى فيه التهديد الارهابي في سوريا إلى حد كبير ولدى الجيش السوري الآن القدرة على تأمين المناطق المحررة بشكل مستقل، وبفرض أن روسيا قررت سحب بعض معداتها وقواتها من سوريا؛ لكن المؤكد أن تقليص وجود القوات الروسية في سوريا بسبب هزائم تلحق بروسيا بسبب الحرب الأوكرانية، أو التظاهر بتقليل أهمية سوريا في السياسة الخارجية الروسية هو عمل سياسي وإعلامي يهدف إلى التأثير على الرأي العام لتقويض القوة العسكرية الروسية، كما أنه إضعاف لموقف دمشق في سياق التطورات التي يمر بها هذا البلد. في المستوى الثاني ، من الضروري الانتباه إلى أن جلب أسماء الحرس الثوري وحزب الله اللبناني كبديل لروسيا في القواعد العسكرية هو في الأساس لعبة سياسية وإعلامية ذات أهداف محددة. وهي اتخاذ مثل هذه المزاعم لضرب شرعية الوجود الإيراني في سوريا لمحاربة الإرهاب الدولي ، وتبرير فوبيا توسع النشاط العسكري لإيران وحزب الله في المنطقة، وبهذا يمهد الصهاينة الأرض لعمليات أوسع وأوسع في عمق سوريا من خلال تقديم مزاعمهم الكاذبة. في المستوى الثالث ، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن أي تغيير في تشكيلات القوات العسكرية الروسية ، سواء في شكل تخفيض أو حتى انسحاب، سيتم تنسيقه مع الحكومة المركزية السورية بشكل مسبق. ومن المؤكد أن قوات الجيش السوري هي التي ستحل محل الجيش الروسي تحت كل الظروف. بشكل عام ، بالنظر إلى المستويات المذكورة أعلاه ، يمكن القول إن الأخبار الأخيرة التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية غير موثقة ومعظمها لها أهداف وأهداف سياسية محددة لدعم الكيان الصهيوني.
الصهاينة قلقون جدا من تغيير قواعد اللعبة في سوريا
منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا (24 فبراير 2022)، حاولت السلطات الإسرائيلية، بسبب علاقاتها الجيدة نسبيًا واحتياجاتها مع موسكو في سوريا، اتخاذ موقف محايد وعرض نفسها كوسيط لحل الازمة بالطرق الدبلوماسية. ومع ذلك ، تغير هذا الاتجاه تدريجياً، وأشار تحليل المخابرات الروسية إلى أن تل أبيب وضعت الدعم السري للحكومة الأوكرانية على جدول الأعمال. الواقع أن توقيت الاشتباك مع الطائرات الاسرائيلية يتزامن مع تغييرات في السياسة الإسرائيلية تجاه الأزمة الأوكرانية. فقد بدأت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة بتزويد القوات الأوكرانية بالسلاح. وحسب ما ورد، حضر مسؤولون إسرائيليون قمة استضافتها الولايات المتحدة الشهر الماضي بشأن المساعدة العسكرية لأوكرانيا في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا. وعليه ، تعكس التطورات الأخيرة تغيرًا في رد موسكو على الهجمات الإسرائيلية، وتدل على نفاد صبر موسكو، في ظل تصريحات الروس القاسية المنتقدة لسياسات الكيان الصهيوني. الحقيقة هي أن أنظمة إطلاق صواريخ S-300 في سوريا لن يتم تفعيلها دون موافقة روسيا المسبقة. لقد حذرت روسيا إسرائيل بالفعل من افعالها، وعلى الأقل حتى وقت قريب ، لم تشتبك صواريخ الدفاع الجوي التي تشغلها روسيا مع مقاتلات أو صواريخ صهيونية. في المقابل ، أطلقت أنظمة S-400 و S-300 الروسية المتمركزة في قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية بالقرب من اللاذقية ، بشكل لم يحدث من قبل ، النار على طائرات مقاتلة إسرائيلية. لذلك فإن التغيير في هذا الوضع يبعث برسالة إلى الجميع مفادها بأنه على عكس مزاعم وسائل الإعلام الغربية فإن روسيا حاضرة بقوة في سوريا، إلى درجة أنها مستعدة للمواجهة مع الاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية. في الوقت نفسه ، يدرك الصهاينة حقيقة أنه إذا واجهتهم موسكو ، فإن أهداف الكيان العدوانية في سوريا ستواجه تحديات خطيرة. قد تجبر تصرفات القوات الروسية إسرائيل على تغيير تكتيكاتها وتجنب العمليات في العمق السوري أو وضع طائراتها في مدى S-300. حتى الصهاينة قلقون من أنه إذا رفعت الضمانات الأمنية الروسية ، فإن مرتفعات الجولان ستصبح مركز نشاط لقوات المقاومة ضد الكيان الصهيوني ، وستستهدف قوى المقاومة أمن هذا الكيان بشكل مكثف أكثر من أي وقت مضى.
