الوقت - في هذه الأيام، شنت معظم وسائل الإعلام الموالية للحزب الحاکم في تركيا هجومًا مكثفًا على رئيس بلدية اسطنبول، في خطوة منسقة وجماعية.
والهدف من هذا الهجوم الإعلامي الهائل هو تشويه سمعة أكرم إمام أوغلو، عمدة مدينة يبلغ عدد سكانها 14 مليون نسمة، والذي، وفقًا للمحللين السياسيين، لديه فرصة جيدة للفوز بالرئاسة.
ويعتقد المحللون الأتراك أن محاولة تشويه سمعة عمدة اسطنبول هي تكرار للسيناريو نفسه قبل 25 عامًا، والذي أرادت من خلاله المعارضة الإطاحة بأردوغان العمدة، خشية أن يصبح يومًا ما رئيسًا.
وعلى الرغم من أن إمام أوغلو نفسه يحظى بشعبية بين الناس، إلا أن من يصبح رئيس بلدية اسطنبول من المرجح جداً أن يصبح رئيسًا لتركيا فيما بعد.
وأوضح مثال على ذلك هو رجب طيب أردوغان، الذي أطاح، إبان حكم رئيس الوزراء الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، بخصوم أقوياء للغاية من الساحة وأصبح عمدة إسطنبول، ومهَّد الطريق أمام المصداقية والشعبية السياسية له ولرفاقه.
ونتيجةً لذلك، يمكن القول بثقة إنه لو لم يقض أردوغان بضع سنوات من حياته كرئيس لبلدية اسطنبول، لما اكتسب الكثير من القوة والثقة والشعبية للانفصال عن سيده أربكان وتشكيل حزب جديد والاستيلاء على السلطة السياسية التركية.
ذكريات هزيمة ثقيلة في القلعة البيضاء
لا شك أن هزيمة فريق أردوغان في الانتخابات البلدية 2019 في تركيا بمنطقة إسطنبول كانت هزيمةً ثقيلةً للغاية وغير متوقعة، ولا تزال هذه الهزيمة تلقي بظلالها على الحزب الحاكم في تركيا.
أتى أردوغان إلى الساحة بأهم وأقوى شخصية تكنوقراطية لديه، أي بن علي يلدريم، ليعينه عمدةً لاسطنبول. لكن زعيم حزب الشعب الجمهوري المتمرس كمال كليتشدار أوغلو، بالإضافة إلى تشكيله تحالفًا مع زعيمة حزب "الخير" التركي المعارض ميرال أكشينار، اجتذب أصوات الأكراد المؤيدين لأوجلان إلى إمام أوغلو، وهزم يلدريم.
كانت هذه النتيجة مكلفةً للغاية بالنسبة لأردوغان لدرجة أنه، وسط دهشة الجميع، فرض ضغوطًا غير مسبوقة على المجلس الأعلى للانتخابات، فأعيدت الانتخابات في هذه المنطقة.
ومع ذلك، فاز إمام أوغلو مرةً أخرى بمزيد من الأصوات، ولم يترك مجالًا للشك في أن أردوغان قد فقد هذا المعقل. ولذلك، منذ اليوم الذي تولى فيه إمام أوغلو منصب رئاسة البلدية، بدأت الهجمات المنظمة ضده من قبل الحكومة والحزب الحاكم.
كلمة سر العملية: جاسوس تابع
لقد أهان الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، إمام أوغلو مرارًا وتكرارًا باستخدام كلمات غير لائقة عنه. لكن إمام أوغلو أظهر أنه سياسي هادئ ولا يمكن استفزازه بسهولة.
وعلى الرغم من أن إمام أوغلو نفسه لا يفعل الكثير، إلا أن مؤسسات الاستطلاع قامت بإجراءات ميدانية، مما أدى إلى ترهيب الحزب الحاكم في تركيا. لقد أجرت هذه المؤسسات أكثر من 10 مسوحات ميدانية خلال العام الماضي، وفي المتوسط، في جميع هذه الاستطلاعات، تقدم إمام أوغلو بنسبة 10 إلى 12 في المائة على أردوغان، وأصبح شخصيةً شعبيةً.
ونتيجةً لذلك، من الرئيس نفسه إلى وزير الداخلية، إلی الصحف ووكالات الأنباء وشبكات التلفزيون، وضعت على جدول أعمالها إضعاف إمام أوغلو. وفي الهجوم الإعلامي الأخير، أصبح تناول العشاء مع السفير البريطاني مشكلةً كبيرةً لرئيس بلدية اسطنبول.
القصة هي أن أكرم إمام أوغلو، إلى جانب عازف البيانو التركي المشهور عالميًا فاضل ساي، استضافا السفير البريطاني وزوجته في مطعم لتناول عشاء من المأكولات البحرية.
ولكن بعد أقل من ساعة على هذه الحفلة الصغيرة، تم نشر عشرات الصور في الفضاء الإلكتروني ووسائل الإعلام، وكتب الجميع: في اللحظة التي حوصر فيها أهل اسطنبول في الشوارع بسبب تساقط الثلوج بكثافة، كان رئيس بلدية اسطنبول يشوي السمك في مطعم بجوار جاسوس صليبي بدلاً من إزالة الثلوج!
أظهر الانتشار الواسع للصور والأخبار المتعلقة بهذه القضية، أولاً، أن هذا الهجوم كان محسوبًا ومنظمًا جيدًا، وثانيًا، أظهر نشر صور فردية خارج المطعم وداخله أن العديد من الأشخاص كانوا يتابعون إمام أوغلو بانتظام، ويلتقطون صورًا ومقاطع فيديو لجميع تحركاته.
اسطنبول هي تركيا صغيرة
اسطنبول حصن مهم للغاية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وشخص رجب طيب أردوغان، والتي لعبت دورًا مهمًا للغاية في انتصارات هذا الحزب الإسلامي في العقدين الماضيين.
ويعتقد العديد من المحللين وعلماء الاجتماع السياسي في اسطنبول، أن اسطنبول هي في الحقيقة تركيا صغيرة، وأن أي شخص يصل إلى السلطة في هذه المدينة يمكنه أن يحكم جميع أنحاء تركيا. وبسبب هذا المنطق السياسي والاجتماعي، يشعر أردوغان وفريقه بقلق بالغ من احتمال نجاح أكرم إمام أوغلو.
صرح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، وزعيمة حزب "الخير" التركي ميرال أكشينار، أن إمام ليس مرشحهم النهائي في الانتخابات الرئاسية لعام 2023.
کما أعلن زعيم حزب الشعب الجمهوري أن الأغلبية في مجلس مدينة اسطنبول مع حزب العدالة والتنمية، وإذا أصبح إمام أوغلو عمدةً، فإن منصب العمدة سيؤول إلى أحد أصدقاء أردوغان، وهذا ليس في مصلحة المعارضة. ومع ذلك، حتى هذا الخبر المهم لم يهدئ الحزب الحاكم، وتتواصل الجهود لعزل إمام أوغلو سياسيًا.
إن نظرةً عامةً على الصورة الحالية للتطورات السياسية التركية، تظهر أن الحزب الحاكم يستخدم كل الوسائل والإمکانات للحفاظ على بقائه في السلطة، وليس من المستبعد أن تشهد تركيا أجواءً سياسيةً مليئةً بالتوتر العام المقبل.